مسيحيون يضطرون للصلاة في الشارع بسبب أزمة بناء الكنائس في مصر
القاهرة – (أ ف ب):
في العراء تحت قيظ الشمس، يترأس كاهن قبطي كل أحد القداس بحضور نحو مئة مسيحي في محافظة المنيا بجنوب مصر بعد أن أحرقت خيمة بسيطة كانت تستخدم لإقامة الصلوات وأغلقت السلطات مبنى شيد ليكون كنيسة من دون الحصول على تصريح رسمي بها.
ولا يوجد قانون ينظم مسألة بناء الكنائس الجديدة في مصر ما يدفع المسيحيين خصوصا في الريف إلى تحويل بيوتهم لكنائس صغيرة أو للصلاة في الشارع، ما يولد عنفا طائفيا داميا بين الحين والأخر لاسيما في جنوب البلاد حيث يقطن كثير من المصريين المسيحيين.
وخلال الأسبوعين الماضيين، اندلعت عدة نزاعات طائفية بين مسلمين ومسيحيين في المنيا وبني سويف بسبب صلاة الأقباط في بيوت حولوها لكنائس من دون الحصول على تصريح رسمي، وهو أمر شائع منذ الثورة الشعبية التي أطاحت الرئيس الأسبق حسني مبارك في العام 2011.
وكثيرا ما يحرق مسلمون غاضبون هذه المنازل احتجاجا على استخدامها ككنائس.
وفي قطعة أرض خلاء، وقف كاهن وخمسة شماسين بملابسهم الكنسية البيضاء حول منضدة خشبية متواضعة تستخدم كمذبح صغير وتراص أمامهم نحو مئة مسيحي كثير منهم نساء واطفال، مرددين الترانيم في خشوع.
ويصطحب نشأت سعد (31 عاما) أطفاله الثلاثة وزوجته كل أحد للصلاة في هذا المكان بعد ان احترقت قبل شهرين خيمة سقفها من الخشب كانت تستخدم ككنيسة في قرية "الإسماعيلية" في محافظة المنيا (300 كم جنوب القاهرة) البالغ عدد سكانها 5 مليون نسمة قرابة ثلثهم من المسيحيين بحسب الكنيسة.
قربه على الأرض يرقد صليب خشبي متفحم وسط رماد الحريق الذي أتى على الخيمة الصغيرة، وفي خلفيته مأذنة اسمنتية كبيرة لأحد مساجد القرية الأربعة.
ويقول سعد ذو الملامح الداكنة لوكالة فرانس برس وهو يتصبب عرقا بعد ساعتين من صلاته التي بدأت في السادسة صباحا "أبسط حقوقي كمصري أن أصلي في كنيسة وليس في الشارع".
وتابع بغضب "أشعر بالظلم كل مرة أذهب فيها للصلاة في الشارع. حلمي أن نفتح الكنيسة ونجمع فيها النساء والأطفال بدلا من الصلاة في الشمس" على الأرض غير الممهدة وسط البيوت الفقيرة المبنية من الطوب الأبيض وزراعات الذرة الطويلة.
وعلى بعد أمتار، يحرس خفر مسلحون مبنى تم تشييده في العام 2009 ليكون كنيسة لكنه مغلق وغير مسموح بالصلاة فيه بعد لعدم حصول مسيحيي القرية على تصريح من السلطات بإقامة كنيسة.
ويقول الناطق باسم الكنيسة الأرثوذكسية المصرية بولس حليم إن "بناء الكنائس أحد أهم المشاكل التي تواجه المسيحيين في مصر".
وتابع "هناك كنائس كثيرة مغلقة في البلد"، دون إعطاء رقم محدد.
-"تمييز" ضد المسيحيين-
يشكل المسيحيون نحو 10% من سكان البلاد البالغ قرابة 90 مليون نسمة.
ويوجد في مصر 2869 كنيسة بحسب أرقام الرسمية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في العام 2011.
وتحدد شروط عشرة وضعها وكيل وزارة الداخلية العزبي باشا في العام 1934 بناء الكنائس في مصر. وهي الشروط التي يعتبرها المسيحيون "تعجيزية".
ومن بين الشروط، موقع الكنيسة وسط بيوت المسلمين وقربها من المساجد وهل المسلمون موافقون على بنائها، بالإضافة لعدد المسيحيين في المنطقة وموقع أقرب كنيسة.
وأشار اسحق ابراهيم المسؤول عن ملف حرية الدين والمعتقد في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهو مركز حقوقي مستقل في القاهرة إلى "تمييز الدولة" المصرية في مسالة بناء الكنائس.
وقال إبراهيم "هناك تمييز في التعامل بين حقوق المسلمين والمسيحيين في بناء دور العبادة. شروط بناء الكنائس تعجيزية".
وأدى نزاع حول بناء كنيسة في قرية الماريناب في أسوان (نحو 900 كم جنوب القاهرة) لتظاهرات واعتصام في القاهرة انتهى بمقتل 27 مسيحيا بعد مواجهة مع قوات الجيش في سبتمبر 2011.
ويشدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على ان جميع المصريين "متساوون" دون تمييز.
وفي إشارة غير مباشرة إلى النزاعات الطائفية الأخيرة في محافظة المنيا، قال السيسي الخميس الفائت "جميع المصريين متساوون في الحقوق والواجبات وشركاء في هذا الوطن".
وأضاف أنه لا يجوز التمييز بين "مصري مسلم و مصري مسيحي" معتبرا أن المسيحي "مصري له ما لنا وعليه ما علينا".
إلا ان المزارع أمير ميخائيل (57 عاما) غير مقتنع بخطاب السيسي.
ويقول ميخائيل الذي استضاف في منزله الصغير صلاة القرية لعدة اسابيع "الكلام الرسمي جميل لكن على الأرض لا يوجد أي تنفيذ. يعاملوننا كمواطنين درجة ثالثة".
وتابع "الدولة متعنتة معنا لأقصى حد".
- قانون بناء الكنائس-
قدمت الحكومة المصرية أخيرا مشروع قانون لتنظيم بناء الكنائس إلى البرلمان ولكنه لم يناقشه بعد.
وتقول النائبة في البرلمان نادية هنري عن حزب "المصريين الاحرار" إن "القانون المستهدف يجب أن يشمل ضمان الدولة لحرية الدين والعبادة" للمسيحيين.
وتابعت أن "تنظيم بناء الكنائس سيقلل من أحداث الاشتباك الطائفي في مصر".
ويأمل البابا تواضروس الثاني بطريرك الاقباط في مصر، في أن يخلو قانون بناء الكنائس من أي "تمييز بين المواطنين" وأن يكون الحصول على تصريح ببناء الكنائس "بعيدا عن الجهات الإدارية التي تفرض هيمنة غير مقبولة"، بحسب ما كتب في مقال في المجلة الناطقة بلسان الكنيسة في يوليو الجاري.
وتعرضت 65 كنيسة ومبنى كنسي للهدم الكلي والجزئي في أحداث العنف التي صاحبت فض الدولة لتظاهرات الإسلاميين في صيف 2013. وكثير منها لا يزال خارج الخدمة.
وفيما كان أهالي قرية الاسماعيلية المسيحيين يتبادلون التحية بعد الصلاة، قالت عايدة لويس (53 عاما) التي اتشحت بالسواد "الكنيسة هي بيتي وكل حياتي. هي روحنا جميعا". وكانت ترانيم "ارحمنا يا الله" تتعالى في الخلفية.
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: