مقابلة- فخري الفقي: برنامج الإصلاح الاقتصادي قد يُطيح بحكومة إسماعيل
حوار- محمد سعيد:
"مصر تمر بأزمة اقتصادية شديدة، فهل سنعترف، أم سنظلُ في المُكابَرة؟".. بهذه الكلمات بدأ أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة ومساعد مدير صندوق النقد الدولي الأسبق الدكتور فخري الفقي حوارٍ له مع مصراوي، مُعتبرًا أنه في الوضع الراهن لا مناص من برنامجٍ إصلاحيٍ للاقتصاد المصري "إذا ما أرادنا أن نخرج من دائرة النظرة المستقبلية السلبية المتوقعة للاقتصاد".
ظواهر الأزمة
يُلخصُ الفقي مظاهر الأزمة الاقتصادية، بقوله إن "معدلات نمو الناتج الفعلي بلغت 3.5 في المئة خلال السنة المالية 2015/2016 المُنتهية منذ شهر، وهي نسبة أقل من التي استهدفته الحكومة والذي يُقدّر بـ4.5 في المئة، معدلات البطالة لا تزال مرتفعة بمستوى 12.6 في المئة من إجمالي القوى العاملة، فيما بلغت نسبة التضخم 14 في المئة وهو أعلى معدل مقارنة بسابقتها، فيما بلغ عجز الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2015/2016 ما بين 11.5 إلى 12 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.
ويُضيف الفقي، أن ذلك أعلى من المستهدف الذي قُدّر بـ 8.9 في المئة بانحراف عن المُستهدف من 2.6 في المئة إلى 3 في المئة، وميزان المدفوعات يشير إلى أن العجز فيه بلغ 5 مليارات دولار.
اعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن العجز في ميزان المدفوعات وصل إلى "أعلى معدل وصلنا إليه"، ما يعكس إيرادات مصر من النقد الأجنبي سواء التحويلات والصادرات والسياحة وقناة السويس والاستثمارات الأجنبية المباشرة، وهو ما أثر على سعر الصرف بما يعني أن ارتفاع الفجوة بين السعر في السوق الرسمي والسوق السوداء من 2 جنيه إلى ما يقرب من 4 جنيهات، ما أثر سلبًا على الاقتصاد.
ويقول الخبير الاقتصادي، فخري الفقي، إن المستثمر الأجنبي "لن يقترب من السوق المصري طالما سعر الصرف مُتفاقم وغير مُستقر"، مضيفًا أن تصنيف مصر الائتماني الحالي هو(B)، لكن النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري تحولت من مُستقر إلى سلبي.
"نعترف أم نُكابر؟"
"لابد أن نعترف أننا أخطأنا في إدارة الملف الاقتصادي، فمصر منذ ثورة 1952 وهي "حقل تجارب"؛ ما أدى إلى تراجع دورنا الاقتصادي".
أسباب تدهور الاقتصاد إلى هذا الحد يفندها الفقي، بقوله إن التراجع الذي وصفه بـ"الشديد جدًا" في حصيلة مصر من النقد الأجنبي لاسيما من 3 مصادر أساسية هي: "الصادرات، التحويلات، السياحة"، ما أدى إلى انخفاض حصيلة مصر من النقد الأجنبي الوارد إليها من هذه المصادر من 12 في المئة إلى 15 في المئة.
وأضاف الفقي أن هذا التراجع أدى لتعطيل 10 في المئة تقريبًا من الطاقة الانتاجية للاقتصاد المصري المتمثلة في تعثر وتوقف الكثير من الشركات في مختلف القطاعات، معللًا ذلك بانعدام خبرة بعض هذه الشركات على تدبير النقد الأجنبي اللازم لتوفير المواد الخام.
ويعزي الفقي تراجع مصادر النقد الأجنبي إلى "أسباب خارجة عن إرادة صانعي القرار السياسي بنسبة 60 في المئة تقريبا"، لكنه قال إن هناك أسباب أخرى "بنسبة 40 في المئة" تعود إلى "الإدارة السيئة من الحكومة للملف الاقتصادي، مع وجود عدم التناغم بين الوزارات لاسيما المجموعة الاقتصادية"، بحسب قوله.
يشرح الفقي الأسباب الخارجة عن إرادة صانعي القرار السياسي، بقوله إن "تباطؤ النمو الاقتصادي في معظم دول العالم، لاسيما في الاتحاد الأوروبي والصين أدى إلى تراجع معدلات نمو التجارة الدولية، وبالتالي أثّر على إيرادات قناة السويس وهبوطها، وأيضًا تراجع معدلات النمو في الدول الكبرى أدى ذلك إلى أن الطلب على الصادرات وقدرتها على النفاذ إلى الأسواق صعبًا، وبالتالي أثّرت سلبًا على الصادرات المصرية".
وفي الخليج، يُضيف الفقي، أن من ضمن هذه الأسباب الهبوط "الحاد" الذي شهده سعر برميل البترول بنسبة تصل إلى 60 في المئة ما أثّر على قدرة الخليج على الاستمرار في تقديم المنح التي انعشت الاقتصاد المصري عقب ثورة 30 يونيو 2013، قائلًا: "المنح بشكلها المُجرد لن تحل المشاكل الاقتصادية، ولكن لابد أن تتم في إطار برنامج اقتصادي متكامل لإصلاح المنظومة يضع في الاعتبار العدالة الاجتماعية".
"حكومة غير متناغمة"
وعن الأسباب التي أدت للوضع الاقتصادي الراهن وتتحملها الحكومة، يقول إن "السياسة الاقتصادية للحكومة غير متناغمة، فوزارة المالية لديها منهج توسعي بمعنى أنها تضخ مزيد من النقود في شرايين الاقتصاد، في المقابل فإن السياسية النقدية للبنك المركزي لم تستطع أن تلجّم وتقيّد الزيادة في النقود نتيجة سياسة وزارة المالية؛ ما أدى إلى نمو الطلب على النقود في جسم الاقتصاد المصري أكبر من قدرته على أن ينمو بمعدلات كافية من السلع والخدمات، لمواجهة الطلب المتزايد على النقود".
يشير استاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، إلى أن معدلات النمو في النقود بلغت 17 في المئة عن السنة الماضية، والسلع لم تزيد إلا 3.5 في المئة، لذا بلغ معدل التضخم 13.5 في المئة وهو الفرق بينهما، وذلك يؤكد الفشل في الضغط على الأسعار لمنع ارتفاعها.
"حل يحتاج إلى تضحية"
هل السيطرة على السوق السوداء هو الحل؟ يقول الفقي إن الأمر يتطلب إعادة النظر إلى الأزمات بما فيها سعر الصرف وتعدد مصدره (رسمي وسوداء)، فلا نُعالج الصرف فقط بالسوق السوداء، لذا "كان لابد من عمل برنامج حكومي للاصلاح الاقتصادي والاجتماعي، لمدة 3 سنوات، لمعالجة جسم الاقتصاد".
يهدف برنامج الاصلاح الاقتصادي وفقًا للفقي، إلى علاج الاختلالات المالية في الموازنة وتخفيض عجزها وميزان المدفوعات، بالإضافة إلى تحقيق الاستقرار وتوحيد سعر الصرف.
وأضاف أن المكون الثاني في البرنامج هو علاج الهياكل الاقتصادية وإصلاحها ـ واصفًا إياه بـ"الأمر الصعب للغاية" ـ من خلال إعادة النظر في الكثير من التشريعات الاقتصادية، وإصلاح منظومة الأجور، والضرائب، بالإضافة إلى إعادة النظر في معاشات التقاعد، وسوق العمل، فضلًا عن دمج الاقتصاد غير الرسمي في الرسمي، معتبرًا ذلك بمثابة "عملية جراحية في جسم الاقتصاد".
أمّا المكون الثالث فيُلخصه الفقي، بأنه "إعادة تصمم شبكة الحماية الاجتماعية مثل الحد الأدنى للأجور ومعاش الضمان الاجتماعي ومعاشات التقاعد، وتخفيض الأسعار، وكل ما يتعلق بتحقيق العدالة الاجتماعية خاصة الطبقات الفقيرة".
"الطريق إلى الصندوق"
يقول فخري الفقي، الذي شغل منصب، مساعد مدير صندوق النقد الدولي الأسبق، إن برنامج الحكومة للإصلاح الاقتصادي، سيُطبق على 3 سنوات، ولكن ما عُرض على مجلس النواب هو سنة واحدة فقط وجاء في شكل بيان للحكومة، وموازنة العام المالي تعبر عن الرؤية الاقتصادية للعام الحالي فقط، مضيفًا أن برنامج الحكومة "الشامل والقوي" إذا تمت صياغته بطريقة جيدة وطُبّق بشكل جيد سيُعافي الاقتصاد المصري، وأكد أن "هذا البرنامج يحمل في طياته شبكة للحماية الاجتماعية؛ لتخفيف عبء البرنامج على محدودي الدخل".
"بشكل قاطع لا يمكن تطبيق البرنامج بدون تمويل، حتى لو مُصمم بحرفية شديدة، فتطبيق البرنامج يحتاج إلى 30 مليار دولار على ثلاث سنوات (....) ليس أمامنا إلا نجاح هذا البرنامج الاصلاحي، وإلا قول على الاقتصاد المصري يا رحمن يا رحيم!".
"لا بديل عن اللجوء إلى صندوق النقد الدولي".. يكمل الفقي، "دا كيان إيده في الشغلانة على مدار 70 عامًا، فهو سيُقدم 12 مليار دولار على مدار 3 سنوات، مقسمة على 3 حصص كل حصة بقيمة 4 مليارات دولار، وكل حصة مقسمة على شريحتين كل منها بقيمة 2 مليار دولار كل 6 أشهر".
وبشأن نجاح المفاوضات مؤخرًا بين الحكومة المصرية وبعثة الصندوق، يقول الفقي، إن هذه الخطوة جيدة ولكنها مبدئية، فهي مرهونة بخطوات أخرى حتى اجتياز البرنامج المصري أمام لجنة الصندوق أواخر أكتوبر المقبل.
وعن بقية ما سيحتاجه البرنامج لتمويله، يشرح الفقي، "12 مليار دولار من الصندوق، 9 مليارات أخرى من خلال الاقتراض من دول أخرى (3 من دول الخليج، 3 في شكل سندات دولارية بضمان الحكومة المصرية، و3 من البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية)، الباقي بقيمة 9 مليارات سيكونوا في شكل الاستثمارات التي ستأتي، والتي مرهونة باستقرار سعر الصرف.
3 محطات
وعن فرص مصر في الحصول على قرض النقد الدولي، يقول الفقي، أمامنا 3 محطات صعبة، الأولى تتعلق بسرعة إقرار برنامج الإصلاح الاقتصادي بعد إرساله من الحكومة عقب مراجعته من بعثة الصندوق، مضيفًا "على البرلمان سرعة إقرار البرنامج لاجتياز الخطوات التالية".
أمّا الخطوة الثانية فهي عقب إقرار البرنامج من البرلمان، سيتم إرساله إلى الصندوق. وأضاف الفقي أن هناك 5 دول مهيمنة على صناعة القرار داخل الصندوق وهي: "الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، اليابان"، أمّا الخطوة الثالثة فهي في يد الحكومة ومدى قدرتها على تطبيق البرنامج ومن ثم سيتحدد هل الصندوق سيستمر في تقديم حصص القرض أم لا.
"مستقبل الحكومة"
يقول الفقي إن "جسور الثقة بين الحكومة والشعب منعدمة، والتناغم فيما بينها مُختفي، ولكن ما سيُحدد بقاءها من عدمه هو سؤال: هل هي قادرة على تنفيذ البرنامج الاقتصادي بنجاح".
يُعقب الفقي بالقول إن الحكومة لديها عوار اقتصادي، فهي ضعيفة ولكن من يُعزز قدرتها هو الرئيس السيسي.
"في كل دول العالم، ومع تطبيق أي برنامج إصلاح اقتصادي، يعقبه تغير في الحكومة".. يقولها الفقي، مضيفًا أنه إذا لم تتغير الحكومة فالحل هو أن يشكل السيسي ظهرًا للحكومة، فهو قادر على شرح الأمور للشعب وبناء جسور الثقة لتعزيز دور الحكومة، بالإضافة إلى تعيين نائبًا لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية.
فيديو قد يعجبك: