المرأة وانتخابات المحليات.. هل تتخل عن "التمثيل المُشرف" وتقتنص الفرصة التاريخية؟
كتبت- ندى الخولي:
ثمانية أعوام وعدة أشهر، مرت على آخر انتخابات محليات عقدت في مصر في 16 إبريل 2008، شهدت مشاركة ضعيفة نسبيا للنساء.
فمن إجمالي مقاعد مستويات الإدارات المحلية البالغ عددها 53 ألف وعشرة مقاعد في انتخابات 2008، حصلت المرأة على 2495 مقعًدا من بين 6 آلاف مرشحة على جميع المستويات، بنسبة تقدر بـ4,7 في المئة فقط من إجمالي المقاعد.
في هذه الأيام ونحن على أعتاب انتخابات المحليات القادمة، المقرر لها نهاية العام الجاري أو بداية العام الجديد، بحسب مسؤولين، فإن الدستور خصص "كوتة" للمرأة ربع مقاعد المجالس المحلية، فأصبحت تمتلك قرابة 14 ألف مقعد على الأقل، فضلا عن إمكانية منافستها على 100 في المئة من المقاعد.
وتنص المادة 180 من الدستور على: "تنتخب كل وحدة محلية مجلسًا بالاقتراع العام السري المباشر، لمدة أربع سنوات، ويشترط في المترشح ألا يقل سنه عن إحدى وعشرين سنة ميلادية، وينظم القانون شروط الترشح الأخرى، وإجراءات الانتخاب، على أن يُخصص ربع عدد المقاعد للشباب دون سن خمس وثلاثين سنة، وربع العدد للمرأة، على ألا تقل نسبة تمثيل العمال والفلاحين عن خمسين بالمائة من إجمالى عدد المقاعد، وأن تتضمن تلك النسب تمثيلا مناسباً للمسيحيين وذوى الإعاقة.." مع شرح لتخصصات المجالس المحلية.
وحول قدرة النساء على خوض انتخابات المحليات، ومشارتها في المجال السياسي والخدمي بشكل عام، يختلف الخبراء في تقدير تأثير المرأة وقدرتها على المنافسة، إلا أنهم يتفقون على أنها "ستستطيع إذا ما أتيحت لها الفرصة الحقيقية والمنافسة الشريفة والدعم الكامل".
يستهل أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، والمستشار السابق لوزارة التنمية المحلية، صالح عبد الرحمن، حديثه بتمثيل المرأة بالنسبة لعدد السكان، الذي يقارب على 50 في المئة، مشيدا بمشاركة المرأة التي ظهرت مع ثورة 25 يناير حتى الآن، وقدرتها على شغل المناصب القيادية.
وأكد عبد الرحمن أنه لاحظ زيادة الوعي السياسي والعام بشكل كبير خلال جولاته المتفرقة بين المحافظات، إذ يقدم دورات تدريبية وورش عمل في الإدارة المحلية، مشيرا إلى أن الفتيات الشابات كثيرا ما تسألن عن سبل الترشح ودورهن في تقديم الخدمة العامة.
يساند أستاذ العلوم السياسية المرأة من جانب آخر، فهي "الأقل فسادا والأكثر طهارة يد.. بحسب الدراسات التي أجريت على مستوى العالم"، على حد قوله، وبالتالي فإن المواطن يكون صاحب المصلحة الأكبر في ترشيح سيدة إذا ما دخلت في منافسة مع رجل.
لكن منافسة المرأة تحتاج لمتطلبات للنجاح، أوجزها المستشار السابق لوزارة التنمية المحلية، في: "القدرة على الحشد ومخاطبة الجماهير والتعبير عن مصالحهم"، مؤكدا أنها قدرات يمكن اكتسابها سواء للرجل أو المرأة، لكن الأزمة في مصر هي عدم وجود برنامج بناء قدرات قومي شامل، بينما يقتصر العمل على بناء القدرات على الجهود الفردية من قبل الأحزاب والمنظمات والحكومة، ما أسفر عن دخول غير المتخصصين على خط التدريب.
مفضلا تنحية الحديث عن قوانين الإدارة المحلية التي يناقشها البرلمان حاليا، طالب عبد الرحمن المسؤولين بإصدار قانون الانتخابات المحلية، طالما يتحدثون عن انتخابات خلال أشهر قليلة، مفسرا "قانون الإدارة المحلية يكرس لتطبيق النظام الجديد للمحليات الذي نص عليه الدستور، والذي يستلزم 5 سنوات للانتقال من النظام القديم للجديد"، أما قانون الانتخابات "فلم يسمع عنه أحد شيء، على الرغم من أنه في حالة الطعن على انتخابات المحليات، سيكون هناك اضطرار لتغيير القانون، ونبقى في الدائرة المفرغة".
تشير دراسة بعنوان "المرأة والمحليات فى مصر: دراسة استكشافية فى ضوء الوضع فى العالم"، أعدها عبد الرحمن، في أعقاب انتخابات المحليات السابقة، إلى أنه فيما يتعلق بالوضع العالمى للمرأة فى السلطة المحلية، لايزال تمثيل المرأة ومشاركتها فى صنع القرارات المحلية ولعب دور فاعل فى الشأن المحلي دون المستوى المأمول.
وطرحت الدراسة سؤالا: ما هي الأسباب التى تقف وراء تدنى دور ومشاركة المرأة المصرية فى السلطة المحلية؟
وجاء الرد معددا تلك الأسباب: "هامشية دور المجالس المحلية المنتخبة، وتركيبة النظام المحلى المعقدة، وانتشار الفساد فى المحليات، وسيادة الخطاب الدينى فى العملية الانتخابات، والعادات والتقاليد، وضعف منظمات المجتمع المدنى المساندة للمرأة، وتنميط دور الإعلام للمرأة، ومحدودية عدد المرشحات فى الانتخابات المحلية، وضعف الثقافة السياسية لدى الناخبين المحليين، وانتشار الفقر وتأثيره على الترشح للإنتخابات، انتشار الأمية، ضعف وهشاشة العمل الحزبى للمرأة، وضعف إيمان الأحزاب بدور المرأة وقدرتها".
سؤال أكثر تركيبا، طرحته مديرة مؤسسة المرأة الجديدة، نيفين عبيد، وهو "أي نساء ستصل لمقاعد الإدارات المحلية؟"، متابعة "هناك استحقاق دستوري ينص على تخصيص ربع مقاعد المحليات للنساء.. شئنا أم أبينا سنرى النساء في الانتخابات، ولكن أي نساء ستصل".
وأبدت الباحثة والناشطة النسوية تخوفاتها من "عدم وجود تنافسية حقيقية ورقابة جادة على الانتخابات، وعدم وجود سقف للدعاية الانتخابية في انتخابات المحليات القادمة، وهو ما يجيب عنه القانون الذي لا نعرف عنه شيئا إلى الآن"، بحسب عبيد.
وطالبت عبيد بتطبيق نظام القوائم لتوفير فرص أعلى للتنافس، وحماية العملية الانتخابية بالشفافية والرقابة الجادة، ووضع سقف للدعاية الانتخابية، ووجود هيئة وطنية للانتخابات تتولى الإشراف، وفقا لنص الدستور، وهي الهيئة التي لم تتشكل حتى اليوم.
تنص المادة 208 من نظام الحكم بالدستور على "الهيئة الوطنية للانتخابات هيئة مستقلة، تختص دون غيرها بإدارة الاستفتاءات، والانتخابات الرئاسية، والنيابية، والمحلية، بدءًا من إعداد قاعدة بيانات الناخبين وتحديثها، واقتراح تقسيم الدوائر، وتحديد ضوابط الدعاية والتمويل، والإنفاق الانتخابى، والإعلان عنه، والرقابة عليها، وتيسير إجراءات تصويت المصريين المقيمين فى الخارج، وغير ذلك من الإجراءات حتى إعلان النتيجة. وذلك كله على النحو الذى ينظمه القانون".
كما طالبت عبيد بالاهتمام بالمرشحات وتدريبهن على القدر الكافي، وتخصيص أرقام ساخنة لحماية النساء أثناء العملية الانتخابية، وعدم الاكتفاء بتقديم دورات تدريبية وورش عمل على مدى زمني قصير لتحفيز المرأة على المشاركة والترشح".
واختتمت مديرة مؤسسة المرأة الجديدة حديثها عن مشاركة المرأة في الحياة السياسية، بسؤال آخر تركته دون إجابة "هل هناك حقا إرادة سياسية لتعزيز مشاركة المرأة في المحليات وتنصيبها محافظا وعدم الاكتفاء بالكوتة".
قانون الإدارة المحلية، شغل حيزا كبيرا أيضا في حديث شريف جمال، مسؤول وحدة المشاركة السياسية بمؤسسة قضايا المرأة، حيث أبدى عدم فهمه لطبيعة الانتخابات القادمة نتيجة عدم صدور القانون إلى الآن.
وقال جمال "لن نتمكن من تقييم الوضع إلا بصدور القانون. لا نعرف كيف ستجرى الانتخابات، وكيف تيطبق نظام اللامركزية الجديد على مدار خمس سنوات، وهل سيكون قانونا وبعدها يتم تغييره أم دائم".
وأضاف "كل ما نراه من الجانب السياسي عن دعم مشاركة المرأة هو مجرد شعارات، لدرجة أن أحد برامج تدريب المرأة، حمل عنوان (تدريب الوحدة المحلية والمرأة) وكأنها شيء يذكر فقط لإرضاء النساء".
واختلف مسؤول وحدة المشاركة السياسية بمؤسسة قضايا المرأة، مع ما طرحته مديرة مؤسسة المرأة الجديدة، بشأن "أي نساء ستصل لمقاعد الإدارة المحلية"، ففي الوقت الذي تخوفت فيه الثانية من عدم وجود منافسة حقيقة وتدخل للمال السياسي في العملية الانتخابية؛ قال الأول إن "وجود النساء في حد ذاته بغض النظر عن من هؤلاء، وكيف سيؤدين في المجالس، هو مكسب"، مفسرا "ضعف الآداء قد يكون من نصيب الرجل أو المرأة على حد سواء، ولنا في مجلس النواب عبرة".
وطالب جمال بأن تجرى الانتخابات وفقا للقوائم النسبية وليس المطلقة لفتح مساحة أكبر لكافة الأطياف وعدم تحيز اتجاه واحد على الانتخابات.
وأنهى حديثه بنفس السؤال الذي طرحته عبيد "كيف ستجرى الانتخابات في غضون أشهر وليس هناك قانون، ولا هيئة وطنية للانتخابات".
فيديو قد يعجبك: