زيارات الرئيس للخارج.. وعود حاضرة والنتيجة غياب (تقرير)
كتب- محمد زكريا وشروق غنيم:
جولات عديدة يخوضها الرئيس بالخارج، من زيارات رسمية إلى حضور مؤتمرات دولية، في نفس الوقت تقوم وسائل الإعلام بتغطية الحدث، غير أن الاحتفاء والمبالغة يكون سمتها، ومع كل تحرك رئاسي تغدق وسائل الإعلام مشاهديها بالوعود والإنجازات المنتظر تحقيقها بنهاية الزيارة، نفس الأمر تكرر مع سفر الرئيس لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، صخب يملأ الفضاء الإعلامي، الحديث عن مباحاثات هدفها تطوير على الأصعدة الاقتصادية والاستثمارية، حال كل مرة يشارك "السيسي" في أي فاعلية بالخارج، غير أن النتائج على أرض الواقع لا تنبئ بتغير كبير في النهاية.
على صدر صفحتها الأولى، تناولت جريدة "الأهرام"، ترأس الرئيس عبد الفتاح السيسي وفد مصر اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بشكل من الاحتفاء، إذ نوهت الجريدة الحكومية إلى عدد من لقاءات تعقدها وسائل إعلام أمريكية مع الرئيس المصري، كما ركزت الصحيفة الرسمية في تقريرها على الاجتماعات المقرر عقدها مع بعض زعماء وقادة العالم الذين يشاركون الدورة الأممية، أبرزها لقاء السيسي مع تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا والرئيس الفلسطيني محمود عباس وممثلي الغرفة التجارية الأمريكية وعدد من رؤساء الشركات والشخصيات المؤثرة بالمجتمع الأمريكي، بهدف تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية مع تلك الدول، كما أشار التقرير الصحفي.
"بعض الصحف ووسائل الإعلام في مصر تلعب دورا دعائيا إلى جوار دورها الصحفي والإعلامي، وضمن حدود هذا الدور الدعائي يأتي الترويج لبعض الأنشطة الرئاسية، لأهداف تتعلق بالولاء السياسي أو المصالح".. هكذا يعتقد ياسر عبد العزيز، الكاتب الصحفي والخبير الإعلامي.
حالة الاحتفاء بالمشاركة الرئاسية، في ظل أزمات أقليمية وسياسية تعترض البلاد، وفي أوج أزمة اقتصادية طاحنة أدت للجوء مصر لقرض صندوق النقض الدولي لسد العجز في موازنتها العامة، صاحبها نشر"الأهرام" تقرير يُذيَل الصفحة الأولى ويفيد بحصول الجريدة العريقة على معلومات موثقة بوجود خطة حصار دولية تقودها قوى خارجية بهدف إثارة الرأي العام وزعزعة الثقة في قادة البلاد، تتمثل أهم محاورها في "استهلاك جزء من وقت القيادة السياسية فى لقاءات دبلوماسية لأسباب بروتوكولية فقط، وذلك من خلال دفع مسؤولين كبار ورؤساء حكومات ومسؤولين فى منظمات الأمم المتحدة ووسائل إعلام دولية وصحفيين كبار إلى طلب مقابلات"، حسب تعبير الجريدة التي تأسست قبل أكثر من 140 عاما.
ويرى "عبد العزيز" أن تقرير "الأهرام" بخصوص حصولها على معلومات موثقة تفيد بوجود خطة حصار دولية على مصر، يعبر عن أزمة مهنية تعانيها الصحف المصرية، وتعكس تراجعًا مهنيًا حادًا، كما وجد الكاتب الصحفي التقرير يخلط بين الخبر والرأي، ولا يستند إلى مصدر معلومات واضح "التقرير بدون أي مصدر نقلا عن ما قيل إنه مصادر مجهلة".
ويوضح الخبير الإعلامي لـ"مصراوي"، إن هناك رخصة في استخدام المصادر المجهلة في التقارير الصحفية، لكن هذه الرخصة تكون بشروط، وهي لا تتوافر بالنص المشار إليه.
لم يختلف الأمر كثيرًا خلال زيارة الرئيس لألمانيا، في يونيو العام الماضي، إذ قابل الإعلام الحكومي والخاص زيارة "السيسي" للعاصمة برلين بشكل من المبالغة، وأغدقت القنوات مشاهديها بالوعود والإنجازات المتوقعة من زيارة الرئيس لـ "الشريك الأوروبي". فيما قال موقع "دويتش فيله" الألماني، إن زيارة "السيسي" إلى برلين تصاحبها ملفات مثيرة لقلق الرأي العام ورجال السياسية الألمان، من بينها ملف حقوق الإنسان، وأشار الموقع إلى أن المعارضة في البرلمان الألماني بوندستاج، انتقدت المستشارة أنجيلا ميركل لعزمها لقاء "السيسي" في هذه الظروف. ووصفت مجلة "دير شبيجل" السيسي أثناء زياراته إلى ألمانيا بـ ”الضيف الصعب".
"الزيارات تأتي بالخيرات".. يرى الدكتور حازم حسني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن هذا المفهوم قد ارتبط بكل زيارة للرئيس، بسبب المبالغات الإعلامية أو غيرها، ويلفت إلى أنه "لا يوجد زيارات لها وقع تاريخي يغير مسار الحياة في مصر قد تّمت منذ قدوم الرئيس عبدالفتاح السيسي".
ويقول حسني في تصريحات لـ"مصراوي"، إن الصفقات الاقتصادية لا تُبرم من أجل زيارة لرئيس دولة، بل تُمعن الدول المانحة النظر أولًا في الواقع الاقتصادي، وقدرة الدولة الأخرى على التواصل مع المستثمرين الأجانب ودولهم، ومن ثم يتخذ قرارًا بتدفقات اقتصادية سواء في شكل معونات، أو استثمارات.
وفي أعقاب الزيارة الألمانية، صرح السفير علاء يوسف، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، بأن لقاء "السيسي" بالمستشارة الألمانية "ميركل" سيتيح الفرصة لتعزيز التعاون مع ألمانيا في مختلف المجالات، لا سيما على الصعيد الاقتصادي والتعاون العسكري والأمني، أخذًا في الاعتبار تنامي حجم التبادل التجاري بين مصر وألمانيا في عام 2014 ليصل إلى 4.4 مليار يورو، فيما صرح طارق قابيل، وزير الصناعة و التجارة الداخلية، في إبريل من العام الحالي، أن حجم الاستثمارات الألمانية في مصر "لا يرقى إلى مستوى طموحات البلدين، ولا يتناسب مع حجم الاقتصادين المصري والألماني، ولا مع فرص الاستثمار المتاحة"، وأشار إلى أن إجمالي الاستثمارات الألمانية في مصر بلغ 600 مليون يورو بنهاية عام 2015.
على هامش زيارة "السيسي" للولايات المتحدة قبل عام، كان للرئيس موعدًا صحفيًا مع وكالة أسوشيتد برس، والذي تطرق إلى العديد من النقاط الخاصة بسياسات مصر، كان منها أوضاع الحريات في مصر، ووضع الصحفيين، "بنحاول دايمًا نحل كل المشاكل خاصة المرتبطة بالصحافة والإعلام"، كان هذا رد الرئيس، الذي لفت إلى أنه لم يكن يتمنى "أن يكون هناك صحفي رهن الاحتجاز، ده حصل في توقيت لم أكن مسئولًا فيه عن الدولة المصرية، ونحن نعلي دولة سيادة القانون في مصر، والقضاء له كلمته "، بذلك اختتم الرئيس رده على السؤال.
وبعد مضي ما يقرب من عام على هذا اللقاء، تحديدًا في إبريل 2016، كانت منظمة مراسلون بلا حدود تُعد التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2016، أبدى المركز خيبة أمله من الوضع العالمي للصحافة، جاء في مقدمة التقرير "تُظهر نسخة 2016 من التصنيف العالمي لحرية الصحافة مدى حدة الانتهاكات التي تئن تحتها حرية الإعلام واستقلالية الصحافة على أيدي بعض الدول"، وجاءت مصر في المركز 159 من حيث حرية الصحافة.
من داخل مصر كانت نقابة الصحفيين قد سبقت التصنيف العالمي، وأصدرت تقريرًا في فبراير 2016 حول الصحافة خلال عام، جاءت مقدمته: "بعد ثورتين كبيرتين في 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 وبعد سقوط رئيسيين بسبب انتهاكهما لحقوق الشعب المصري وفي المقدمة منها حرية الصحافة والإعلام لازال الصحفيون في مصر يتعرضون لـ انتهاكات مروعة"، تعدد النقابة الحالات: "ورصد التقرير 782 انتهاكًا متنوعًا"، ونوّهت إلى أنه في ديسمبر الماضي، كانت النقابة قد قدمت "قائمة بأسماء 28 صحفيًا وملفات بحالاتهم وأوضاعهم الصحية وتطور أوضاعهم القانونية، إلى رئاسة الجمهورية"، وذلك قبل أن "تقتحم" قوات الأمن نقابة الصحفيين في مايو الماضي.
إذ يعتقد الكاتب الصحفي، ياسر عبد العزيز، أن وضع الحريات وحقوق الإنسان ومنها حرية الإعلام والصحافة في مصر سيء، لأسباب عديدة، بعضها يتعلق بكفائة النظام وفهمه لملف الحقوق والحريات، والبعض الأخر يتعلق بالتحديات التي تواجه الدولة المصرية، وهو ما يؤثر على صورة الدولة بالخارج ويفرض على القيادة السياسية قيودا على نطاق تحركها.
وفي نهاية شهر أكتوبر من العام الماضي، كانت مصر تعاني ظروفًا استثنائية جراء حادث سقوط طائرة روسية في شبه جزيرة سيناء، وقتها أشار أوليغ سافونوف رئيس الوكالة الروسية للسياحة "روس توريزم" إلى السياح الروس حيث "تقرر إعادتهم دون اصطحاب أمتعتهم"، وأفاد أن عدد السياح الروس نحو 79 ألفًا في مصر حينها، بعد تلك القرارات بأيام قليلة كان موعد زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى بريطانيا، وهي الدولة التي وجهت العديد من الانتقادات إلى أوضاع حقوق الإنسان في مصر، لذا كانت الزيارة هامة لتوضيح وجهة نظر مصر.
وجود تلك الانتقادات، جعل الاحتفاء بالزيارة أكبر، حيث توضح مصر لبريطانيا والعالم مواقفها السياسية، تدافع عن نفسها وتحاول تحسين السياحة بعدما خرج الكثير من الروس من مصر، التوقعات كانت كبيرة لتبعات تلك الزيارة، ولكن في خضم زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي، أصدرت الحكومة البريطانية قرارًا بإجلاء 20 ألفًا من مواطنيها بشرم الشيخ، وهو القرار الذي أربك الحسابات المصرية للزيارة، وخرج الإعلام المصري منتقدًا له، ومعتبره "قرارًا فظًا"، لاسيما اتخاذه في وقت زيارة الرئيس.
فيديو قد يعجبك: