لا أحد يسمع أنين جرحى سوريا!
بون/ألمانيا – (دويتشه فيله):
يعاني كثير من مصابي الحرب في سوريا وذوي الاحتياجات الخاصة جراء الإصابات من الإهمال الذي يحرم بعضهم من الشفاء بل وقد يُفاقم سوء حالهم . DW عربية زارت أحدهم فروى وأهله قصة حزنهم .
لم يكن يوسف سوى رقمٍ إحصائي في خبرٍ عابرٍ بثته وسائل الإعلام منذ ثلاث سنوات. ولكن مع انتهاء الخبر تبدأ القصة، وتبدأ معها حكايا المعاناة التي لا يُسلط عليها الضوء إلا نادراً، لتبقى آلام جرحى الحرب حبيسة جدران المشافي والخيام ولا تصل لأسماع الناس.
يروي يوسف 50 عاما قصته لـDW عربية "بدأت القصة في إحدى الأيام الرمضانية وبينما كنا تناول وجبة السحور استعدادا للصيام نزلت إحدى القذائف الصاروخية بجانب منزلي الذي يقع في حي مساكن هنانو في حلب، إحدى الشظايا دخلت كتفي الأيسر واستقرت في العمود الفقري مسببة ضررا في النخاع الشوكي أدى إلى إصابتي بالشلل من حينها".
بقي يوسف 15 يوما في مستشفى حلب لتلقي العلاج الفوري ولكن الأطباء لم يتمكنوا من إجراء عملية جراحية له لإخراج الشظية . وذلك لأن مثل هذه العمليات تحتاج إلى معدات طبية متطورة، وأطباء متخصصين، وهو ما لا يتوفر في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
يوسف لم يستسلم للإصابة، بل انتقل بعد ذلك إلى تركيا بحثا عن العلاج هناك، إلا أن الأطباء أخبروه أنه تأخر في إخراج الشظية ولا أمل له بالعلاج ومعاودة المشي مجددا سوى عن طريق العلاج الفيزيائي .
يعتبر يوسف نفسه "محظوظا" رغم معاناته الحالية، فتأخر علاجه نجم عنه إصابته بالشلل فقط، بينما قد يتسبب هذا التأخير في حالات أخرى إلى نتائج أكثر مأساوية ، ليس فقط على مستوى العاهات المستديمة التي تتركها الإصابة بل قد تتسبب بوفاة المصابين نتيجة تفاقم الحالة وإهمالها سواء على المدى القريب أو البعيد.
في هذا السياق يقول يوسف "الأمر لا يقتصر فقط على الإنقاذ من الموت، فكثير من أقاربنا وأصدقائنا توفوا نتيجة عدم متابعة العلاج رغم أن إصاباتهم كانت بسيطةن ولكن يتفاقم الأمر معهم إلى أن يتسبب بوفاتهم "ويمضي في الشرح منطلقا من تجربته الشخصية وحسب تحليله " الشظايا التي تدخل إلى أجسامنا تكون سامة وتسبب التهابات ونخر قد يصل إلى العظام وقد لا تظهر آثاره إلا بعد مرور وقت ولا يتم كشفه إلا بالمعالجة الطبية المستمرة".
شلل الأب شلّ كل الأسرة
مصير يوسف الذي مازال معلقا بين آمال استمرار العلاج وصعوبات الحياة كلاجئ في تركيا حيث استقر لاحقا لا يمس حياته شخصيا فحسب، بل يمتد أثره أيضا على زوجته وأولاده الخمسة الذين يتقاسمون معه هذه المعاناة ، وبهذا الخصوص يقول " تسببتُ بالشلل لعائلتي أيضا" حيث أدت إصابته إلى توقف طفليه عن التعليم وكانت اعمار مصطفى 12 عاما و محمد 9 أعوام حينها، وقد اضطرا إلى البحث عن العمل لتأمين المستلزمات سواء المعيشية لأسرتهم أوالطبية لوالدهم المصاب.
مصطفى روى لـDW عربية معاناته بعد ثلاثة أعوام من تركه للدراسة " تعرضنا للاستغلال أنا واخي بحكم صغر سننا، عملنا في ظروف عمل صعبة في أحد المخابز 16 ساعة يوميا مقابل أجور زهيدة لا تكفي لسداد أجرة منزل في حي فقير جدا وحاجاتنا الضرورية ، وانتقلنا حاليا للعمل في معمل للأحذية حيث اصبح الوضع أفضل بـ12 ساعة عمل يوميا مقابل أجر أفضل " إلا أنه لا يزال غير راضٍ عن عمله الحالي فهو بحاجة إلى مردود أفضل ليتمكن من إدامة العلاج الفيزيائي لوالده ودفع تكاليفه الغالية نسبيا .
زوجة يوسف تواجه صعوبات أخرى تتمثل في تأمين المساعدات التي يحصل عليها السوريون وخاصة المصابون منهم، عن طريق منظمات الإغاثة الخيرية، إلا أنّ جهودها تبوء بالفشل في أغلب الأحيان وتشرح ذلك بقولها "تعقيدات كبيرة تواجهنا كسوريين للحصول على هذه المساعدات، فهم يطلبون أن يأتي المصاب أو المريض للكشف عليه والتأكد من أنه يستحق المساعدة، بالإضافة إلى عدم معرفتنا بالجهات التي تقدم الدعم مع كثرة وجود السوريين هنا، خاصة وأننا غرباء في هذا البلد وليس لدي معين سوى أولادي " وتضيف متأسفة " حصلت لمدة شهرين فقط على سلة غذائية ولكنها توقفت بعد أن طلبت الجمعية أن يأتي المريض لإستلامها ، الأمر الذي فيه صعوبة كبيرة على زوجي لذلك اضطررنا للاستغناء عنها ، كما حصلنا على كرسي متحرك على البطارية ولكن أيضا نجد صعوبة بتأمين البطاريات بشكل دائم ".
أما يوسف نفسه فيلقي باللوم على الطبقة المثقفة والمسؤولة عن اللاجئين في تركيا وبلدان اللجوء عامة.
أعداد ضخمة وإمكانات هزيلة
"الحرب خلفت أعداداً ضخمة من الجرحى والمصابين، فآخرُ الإحصائات تشير إلى وجود مليون ونصف المليون من المصابين أغلبهم خلفت لهم الحرب عاهات مستديمة ومن الصعب حصر هذه الفئة وتلبية جميع احتياجاتها " هكذا برر سعيد نحاس رئيس مجلس إدارة منظمة سند لDW عربية أسباب عدم وصول المساعدات لأشخاص مثل حالة يوسف وغيره، حيث تعنى هذه المنظمة بشؤون جرحى ومصابي الحرب في سوريا بعد أن وجدت أن هذه الشريحة تكاد تكون مهمشة ومغيبة على الرغم من أهميتها، يضيف نحاس "وثقنا إلى الآن في مدينة غازي عنتاب وحدها 900 حالة إعاقة وعاهة مستديمة جراء إصابات الحرب في سوريا كل هذا يأتي في إطار مبادرات شبابية تطوعية لخدمة هؤلاء المصابين".
لا تقتصر خدمات منظمة سند على تأمين الاحتياجات الطبية فحسب بل أيضا تسعى إلى تأمين مساعدات مادية وتأهيل نفسي وتعليمي ليتمكن المصاب من التأقلم مع وضع الإصابة ،كما تعمل كصلة وصل بين المصاب والجهات الطبية المتخصصة لمتابعة الحالات القابلة للشفاء.
ويختم نحاس حديثه " الحرب في سوريا مازالت قائمة وهي إلى الآن تفرز مصابين وحاملي عاهات مستديمة، ويجب أن تتضافر الجهود لمساعدة هذه الفئة على جميع المستويات ، فالإصابة أصعب من الموت وهؤلاء يتمنون الموت في كل لحظة ولا يجدونه" .
فيديو قد يعجبك: