واجه الموت وفقد 18 من عائلته.. "خالد" يروي لمصراوي الساعات المرعبة
كتب - محمد مهدي:
تصوير – مصطفى الشيمي:
ما هو الأصعب من مواجهة الموت؟ العَجز؟ الفقد؟ وفاة شقيقك؟ أعمامك؟ رؤية طفل يُقتل؟ كل هذه الاختبارات المُرة التقى بها "خالد سلمان" وجهًا لوجه، خرج ابن سيناء سالماً من العملية الإرهابية في مسجد الروضة، لكن دون 18 شخصاً من أسرته، استشهدوا جميعاً "مبقاش فاضل رجالة في العيلة غيري واتنين كمان".
داخل المسجد في صباح يوم الجمعة، وجد "خالد" مستقراً له، عيناه مُعلقة بالمنبر منتظراً بدء الخطبة، الأجواء عادية، أطفال يتحركون هنا وهناك، رجال يصلون ركعتين فور وصولهم، ثم حضر الموت بغتة.
لم يُكمل الخطيب كلمته الأولى "ضرب نارب عشوائي من بره المسجد" اندفع المصلين من الساحة الخارجية إلى الداخل، موجة من التحرك العشوائي، يفر المرء في الأرجاء، لم يمنحه القَدر فُرصة للاختباء "جات طلقة في رجليا، وقعت، واتنين وقعوا فوقيا مايتين".
دقائق ودخل عدد من العناصر الإرهابين إلى المسجد، يرتدون ملابس مموهة، وأقنعة على وجوههم، وزعوا أنفسهم في الأنحاء، يتحركون بين القتلى والمصابين ومن نجا، بدأوا في تصفية الأحياء، صرخ أحدهم "متسبوش حد عايش، أي حد صاحي موتوه".
الموت هنا، يقترب بخطوات واثقة، يراه "خالد" بعين واحدة بعد أن غطت دماء الضحايا جسده، أهل قريته يقتلون أمامه، يسمع صوتهم الأخير، طلبات الغوث، محاولات النجاة، لكن من بيده المقاليد لا يرحم "حسيت إني هموت هموت مفيش كلام، نطقت الشهادة، واستقبلت النهاية بدون خوف".
حينما اقترب أحد الملثمين من "خالد" نظر بإمعان نحوه، كتم الأخير أنفاسه، جائت لحظة النهاية، غير أن الإرهابي ظن أنه قتيل فتركه "قَرب على طفل على بُعد كام متر مني" بكى الصغير، توسل إليه أن يتركوه، لكن صاحب القناع والقلب الأسود لم يهتز لحظة "الواد مكملش كلامه، كان الإرهابي ماسك سلاحه وضربه في راسه" دوت صرخة داخل "خالد" لم تخرج من فمه لكنها كسرت روحه.
لنحو 25 دقيقة مرت كالدهر، ظلت العناصر الإرهابية تُنهي حياة من يقابلها من الأحياء "وأنا بقول يارب أموت بس إخواتي يكونوا بخير" قبل أن يغادروا المكان، في الخارج أطلقوا 5 قنابل يدوية وفق ما سمع وشعر "خالد"، ثم أشعلوا النيران في عدد من عربات المصلين "وفضلوا يضربوا نار وهما ماشين، لحد ما الصوت وقف فعرفنا إنهم مشيوا".
آن لـ "خالد" أن يصرخ، داخله ألم أقوى من وجع إصابته، يُريد التحرك لكن الجثامين كامنة على قدميه وصدره "لحد ما الناس دخلت تسعفنا، وشالوا الجثث من فوقيا" قفز فور تخليصه من الشهداء.
لم يشعر بالرصاصة التي اخترقت قدمه، هرول في أرجاء المسجد باحثًا عن أسرته "اخواتي الاتنين ماتوا" تنهمر دموعه بالبكاء، يجري في ناحية أُخرى فيصطدم بالموت "وإعمامي كمان استشهدوا" يتعثر في الجثماين فيجدهم "ولاد إعمامي كلهم مقتولين" يقع على الأرض ينظر حوله غير مصدقًا. لماذا كل هذا العذاب؟
على بوابة المسجد، سيدة كبيرة تصرخ، يعلم "خالد" صوتها جيدًا، هي أمه، تنادي عليه وشقيقيه، يجري نحوها، يحضنها غير آبهًا بعادات قريته، يبكي فتبكي، تمنحه السؤال الصعب فيسكت "فين أخواتك؟"، تُكرره فيُجيب بخوف "ماتوا كلهم" عويل لم يعهد من قَبل، انخلع قلب والدته، طالبها بالتماسك "يا أمي مستكسرنيش أكتر ما أنا مكسور.. دول شهدا وليهم الجنة".
في دوامة الأحزان نسى "خالد" الجرح في قدمه، نقلوه رغما عنه إلى المستشفى لتنظيف الجرح والتأكد من سلامته، ثم عاد سريعًا إلى المسجد للمساعدة في نقل الجثماين حتى المساء "اكتشفت إن 18 واحد من العيلة ماتوا، منهم 6 أطفال" لم يبقَ من الرجال غيره وعمه وابن الأخير.
ودعهم "خالد" في مقابر جماعية خُصصت لضحايا الحادث الذين وصلت أعدادهم إلى 305 شخصًا، ساهمت وزارة الصحة والقوات المسلحة في إنهاء تصاريح الدفن ونقلهم إلى مثواهم الأخير، يقف قليلًا قبل المغادرة، ينظر إلى المدافن، لا يشعر بشيء، خِدر الصدمة يتملكه، وأسئلة لا تنتهي تملأ عقله.
لم يتلقَ الشاب العشريني العزاء، يجلس في منزله شاردًا، يُفكر في مستقبل العائلة، تبعيات ما جرى، كيفية التعامل مع الحزن الجاثم على القرية، والخروج من هذا الكابوس، يتذكر ما جرى متمنيًا مغادرة الحياة بعد أن فقد عائلته وجيرانه وأصدقائه "يارتني كنت مُت معاهم".
فيديو قد يعجبك: