لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"مصراوي" داخل حي "توريل" بالمنصورة.. هنا ولد "عبد الله" المتهم بتنفيذ هجوم "اللوفر" –(صور)

08:59 م السبت 04 فبراير 2017

كتب - نانيس البيلي:
تصوير - عمرو جمال:
داخل أحد عقارات حي "توريل" الراقي بمدينة المنصورة، الذي يبعد عن مبنى محافظة الدقهلية 200 مترًا؛ يقع مسكن أسرة "عبد الله الحماحمي" المشتبه في تورطه بالهجوم على دورية شرطة بمحيط متحف اللوفر بفرنسا. أصوات خافتة وهدوء حذر يأتي من شقة يُفتح بابها ويُغلق كل دقائق لاستقبال أهل يؤازرون، أو وسائل إعلام محلية وعالمية جاءت من كل حدب وصوب لتقصي حقيقة الشاب العشريني المتهم في القضية الدولية الأخطر خلال الساعات الماضية.

الحركات المتواترة ميزت شقة "الحماحمي" القابعة بالطابق الخامس داخل العقار المكون من 6 طوابق وغلب عليه السكون والرتابة، داخل الشقة جلس الجميع يحبسون الأنفاس، يغلب عليهم الوجوم والصمت، يقطعه تسجيل الأب حوارًا لإحدى وسائل الإعلام، أو مناقشة جانبية بين آخرين، بينما انزوت الأم المكلومة في ركن ضيق من الشقة خلف ستارة بيضاء.

بثبات لا يتناسب مع حجم المُصاب، جلس الوالد "رضا الحماحمي" -لواء شرطة سابق- مرتديًا جلباب رمادي، يتخلل ذلك الثبات هزة عفوية من قدمه وحركة لأصابع يده التي وضعها على ساقه، يقول إنه علم بالخبر من موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" في السادسة من مساء الجمعة، مشيراً إلى أنهم أصيبوا جميعًا بالصدمة "جالنا حالة زهول لما عرفنا ووالدته أغمي عليها من صاعقة الخبر وكانت هتموت".

"لم يكن له أي ميول سياسية" يقول "الحماحمي" عن نجله العشريني، مؤكدًا أنه معتدل وبعيد عن التشدد فكان يصلي الجمعة ويصوم رمضان وذهب مرتين للعمرة والحج، وكان يتبع الموضة في ملابسه، وأنه لم يطلق لحيته للتشبه بالسلفيين أو أي فصيل ديني "موضة زي الشباب".

ينفى الرجل السبعيني ما تردد عبر عدد من المواقع الإخبارية حول ممارسة نجله لأي ألعاب قتالية أو لعبة "الأيروبكس"، مشيراً إلى حبه وتعصبه لكرة القدم "كان كل ما يلاقي نفسه وزنه زاد يروح يلعب ماتشات كورة".

يبتسم الرجل السبعيني قليلاً، قبل أن يقول "ابني تقدم للالتحاق بكلية الشرطة 3 مرات لكنه رسب في الاختبارات بسبب قصر قامته، مضيفًا أنه كان يتمنى التحاق نجله بكلية الشرطة مثله ومثل 2 من أشقائه الذي يعمل أحدهم ضابطًا بقطاع الأمن المركزي بجنوب سيناء والثاني بهيئة الرقابة الإدارية بخلاف شقيق ثالث بعمل حر بالإمارات، لكنه عدل عن رغبته وتقدم بأوراق نجله للالتحاق بكلية الحقوق جامعة المنصورة بسبب مجموعه المنخفض بالثانوية العامة.

بعينين حُبست داخلهما الدموع من وراء نظارة مقعرة، يؤكد "الحماحمي" أن نجله برئ من التهمة الموجهه إليه، وينفي أي علاقة له بتنظيم داعش أو أي جماعات إرهابية "اللي بينضم لداعش لازم يكون مسلح وبيعرف يضرب نار وابني إنسان مسالم جداً"، يُشدد على وجود خطأ "الشرطي الفرنسي أخطأ والقوة التي استخدمها تجاه ابني غير متناسبة مع واقعة السلاح الأبيض المزعومة.. لكن يضربوه بالنار.. ده شئ مش منطقي"، يصمت قليلاً قبل ان يُضيف "لو اتوفى يبعتوا جثته، ولو عايش يطيب ويرجعلنا سليم، ولو أثبتوا إن مش هو الجاني يبقى ربنا عاوز ينصر الحق".

في ركن ضيق بالمنزل المكون من 3 غرف، وُضعت "سفرة" متواضعة في الصالة، انزوت الحاجة "سناء محمود"، والدة "عبد الله الحماحمي" عن عيون الزائرين الذين لا يتوقف قدومهم إلى المسكن، تقول بصوت متهدج إنها لا تصدق تورط نجلها في العملية الإرهابية "مفيش الكلام اللي بيقولوه ده، استحالة، ابني بريء".

تبدي السيدة الستينية تعجبها من الطريقة التي أعلنتها السلطات الفرنسية لتنفيذ الهجوم باستخدام "ساطور": "لو واحد عاوز يموت ناس ما يلبس حزام ناسف ويموت زي ما عملوا في فرنسا"، وتقول إنه أنجز عمله المكلف به من شركة التسويق التي يعمل بها بالإمارات، وبعد ذلك قرر زيارة معالم باريس مثل برج إيفل ومتحف اللوفر.

تسترجع "الحاجة سناء" التي لم تكمل تعليمها بعد المرحلة الثانوية، آخر مكالمة جمعتها بنجلها، وتقول إنها كانت الخميس الماضي وأن نجلها كان سعيداً للغاية وحدثها عن الأماكن التي زارها بباريس والطقس البارد بالمدينة "كان مبسوط جداً، وقالي إن الدنيا ساقعة أوي بس أنا مستمتع بالسقعة دي"، وتضيف أنها سألته عن موعد عودته إلى الإمارات وأخبرها بأنه سيعود الإمارات السبت، وأنها اطمئنت منه عن زوجته "مريم" وطفله "يوسف".

تقول السيدة الستينية، التي اتشحت بـ"إسدال" أسود انزاح قليلاً من على رأسها فأظهر شعرها الذي زحف عليه الشيب، إن نجلها شارك بثورة 25 يناير بميدان الثورة أمام مبنى محافظة الدقهلية وأصيب باختناقات من الغاز المسيل للدموع وأنه وثق مشاركته بعدد من الفيديوهات ووضعها على صفحته بـ"فيس بوك".

وتشير "الحاجة سناء" إلى أن نجلها عمل فترة بالمحاماة بعد تخرجه في كلية الحقوق جامعة المنصورة قبل أن يتركها ويرسل له شقيقه تأشيرة لزيارته في الإمارات عقب ثورة 25 يناير في مارس عام 2011، وأنه بعد وصوله دبي بفترة قصيرة عثر على عمل بإحدى الشركات.

بصوت ملؤه الآسى، تضيف الأم، أن نجلها جاء المنصورة أول إجازة له بعد عامين، وتزوج فتاة تدعى "مريم" طالبة بكلية الأداب جامعة المنصورة، مشيرة إلى زواجه بشقة والده ووالدته بـ"توريل" لعدم امتلاكه شقة في ذلك الوقت، وأنها ووالده غادروا إلى منزلهما بمسقط رأسهما بمركز المطرية بالدقهلية.

ثلاثة نسوة جلسن بجوار "الحاجة سناء" منهن زوجة نجلها، التزمن الصمت التام ورفضن الإجابة عن أي سؤال، واكتفين بمؤازرة الأم المكلومة والتهدئة من روعها.

تابعت الأم، وهي تحبس دموعها، أن نجلها سافر إلى الإسكندرية لقضاء شهر العسل ثم عاد بعد أسبوع، وبعد أيام سافر الإمارات مع زوجته وأنجبا طفلهما "يوسف" منذ 7 شهور، وأن زوجته جاءت إلى مصر لإصدار شهادة ميلاد لطفلهما قبل أن تسافر إلى دبي مرة آخرى.

تقول "الحاجة سناء" إن نجلها قبل سفره إلى باريس أوصل زوجته إلى مطار دبي لتسافر إلى والدها ووالدتها المقيمين بالسعودية حتى عودته من رحلته، وتضيف أنها هاتفت زوجته للاطمئنان عليها في الثانية من صباح السبت، وأنها كانت في حالة انهيار بعد سماعها الخبر "مراته مش مصدقه الكلام ده، اتفاجأت من الأخبار ومكنتش مصدقة".

تشير السيدة الستينية إلى أن زوجته "مريم"، الطالبة بالفرقة الثالثة بآداب المنصورة، كانت تجهز نفسها للسفر من السعودية إلى دبي لاستقبال زوجها قبل معرفتها بخبر اتهامه في الحادث الإرهابي.

تمسك الأم المكلومة بصورة نجلها، تتنفس قليلاً وتقول إنه كان يعشق كرة القدم "كان متعصب للكورة زي أي شباب"، وتشير إلى أنه كان يهوى القراءة وكان يشتري مجموعة من الكتب عندما يأتي إلى مصر لقضاء إجازته.

"أفوض أمري إلى الله" تقول السيدة الستينية، وتتمنى أن ينزل الله برداً على قلبها "ربنا فوق، ربنا هو اللي هيمشي كل حاجة" وتضيف أنها تكترث بالتحركات الرسمية للخارجية "السفارة براحتهم يعملوا اللي عاوزينه".

بأحد أركان المسكن، جلس "إبراهيم المنشاوي" وكيل سابق بوزارة التأمينات الاجتماعية وأحد أقرباء العائلة، يتصفح الانترنت من هاتفه الجوال لمتابعة الأخبار المتواترة عن قضية نجلهم، يقول الرجل الستنيني إنه لا يصدق القصة برمتها "عبد الله منضبط وعاقل، مش ممكن يعمل كده"، يطالب الرجل السبعيني السلطات الفرنسية برفع البصمات من على الآلة الحادة المستخدمة في الهجوم، قبل أن يكرر "مستحيل يعمل كده".

داخل الشارع الهاديء، لم يؤثر الحادث الجلل على حركة الشارع الراقي، فالعاملون بالمحال المجاورة إما لم يسمع بعضهم عن الحادث حتى الآن، وآخرون يعرفون رب أسرة "الحماحمي" ولا يتذكرون نجله الأصغر "عبد الله"، وغيرهم لاحظ دخول عدد أكبر من المعتاد إلى العقار ولا يدرون سبب مجيئهم ولم يهتموا كثيراً بمعرفته.

أسفل العمارة السكنية، جلس "محمد رزق" حارس العقار، على الرصيف الملاصق، يقول الرجل الستيني إن "عبد الله" كان دمث الخلق هاديء الطبع وكان يداوم على أداء الصلوات الخمسة بالمسجد القريب من منزله "مبيسيبش ولا فرض، بقى ينزل يصلي الفجر حاضر في الجامع".

يستند "رزق" إلى الحائط، ويضيف أنه يتذكر "عبد الله" جيداً، لأنه كان يعامله بود ولطف "كان بيجي يسلم عليا ويهزر معايا"، ويشير إلى أنه سافر للعمل بالإمارات منذ سنوات وكان يأتي إجازات قصيرة من إلى المنصورة، وأنه لم يطرأ عليه أي تغير خلال إجازته الأخيرة منذ قرابة العامين.

ووصف الرجل الستيني الذي يعمل حارس بالعقار منذ 20 سنة، عائلة "الحماحمي" بالتدين وحسن السمعة "اللواء رضا وولاوده طيبين وبيصلوا، هما اللي موجودين في العمارة".

يعدل "رزق" من ثيابه المتواضع، ويقول إن عائلة "الحماحمي" ليس لهم ميول سياسية "مالهمش في الكلام ده، ناس في حالهم".

يقول حارس العقار إن "عبد الله" كان يرتدي بنطال وقميص دائمًا، وأطلق لحيته منذ سنوات، وأنه كان هادئ الطبع وكان معروف عنه حبه لكرة القدم إلا أنه لم يشاهده يلعب الكرة مع الشباب بالشارع "ملوش في الشوارع والحاجات دي".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان