مصراوى يكشف.. لصوص السجائر الذين يسرقون 11 مليار جنيه من جيوب المواطنين
تحقيق – نانيس البيلي:
تصوير: نادر نبيل وعمر جمال:
هل أنت مدخن؟
هل تعرف السعر الرسمى لعلبة السجائر التى تدخنها؟
هل تعرف أنك تشترى العلبة بسعر يزيد ما بين 2.5 و3 جنيهات على المبلغ الذى يجب أن تدفعه؟
يبدو الرقم هزيلا، وغير مثير للاهتمام، لكن الحقيقة أن الحصيلة السنوية لفروق أسعار السجائر، تصل إلى نحو 11 مليار جنيه يدفعها المواطنون، تذهب إلى جيوب مافيا الموزعين والتجار.
حسب الإحصاءات الرسمية، تستهلك مصر سنويًا 80 مليار سيجارة "4 مليارات علبة سجائر من مختلف الأنواع"، وفقًا لتصريحات صحفية لرئيس الشركة الشرقية للدخان محمد عثمان، وبحسبة بسيطة يمكننا أن نصل إلى أن هناك نحو 11 مليار جنيه تسرقها مافيا السجائر، سنويا، فى ظل غياب الرقابة من مباحث التموين على تجار السجائر، وفساد منظومة التوزيع لدى الشركة الشرقية للدخان.
ما يحدث فى سوق السجائر، ينطبق على آلاف السلع الأخرى، أموال تهدر من جيوب المواطنين لصالح تجارة غير مشروعة، أو استغلال، حيث يمثل حجم اقتصاد الظلام أو الاقتصاد الخفى نحو 30% من الناتج المحلى المصري البالغ 2,7 تريليون جنيه عام 2015-2016.
"مصراوي" قرر البحث فى منظومة توزيع السجائر في مصر ليكشف تفاصيل "مافيا عمليات التوزيع" التى تنهب أموال المواطنين، وتضيع مليارات الجنيهات سنويًا من ميزانية الأسرة، بينما تقف الجهات الرقابية مكتوفة الأيدي أمام مخالفات التلاعب في الأسعار.
البداية لمحررة مصراوي كانت من مجموعة من الأكشاك فى مناطق مختلفة لترصد أسعار نوعين من السجائر هما "بوكس" و"سوبر"، لتحديد الفروق بين الأسعار الرسمية والأسعار في السوق.
أمام أحد أكشاك السجائر بشارع جامعة الدول العربية بمنطقة المهندسين، وقف "مصطفى" الموظف البسيط، يلتف حوله مجموعة من المواطنين، كان يصرخ قائلاً "هاشترى علبة السجاير زى ما كنت باشتريها بسعر 13 جنيهًا، بينما يصر البائع بالكشك على أن سعرها 15 جنيهًا".
تجار الجملة يسيطرون على السوق.. وموزعو الشرقية للدخان يختفون
يحاول المارة تهدئة "مصطفى" الذى رغب فى الحصول على ما يعتقد أنه حقه فى شراء علبة سجائره بنفس السعر الذى اشتراها بها فى السابق، ويعلم "مصطفى" أيضًا أن سعر العلبة الرسمي 12 جنيهًا ونصف، هو يدخن سيجارة ماركة "كليوباترا بوكس"، ويصر "مصطفى" على حصوله على حقه لكن تجمع المواطنين يمنعه، ويقاطعه البعض "خد علبة السجاير وأنا هحاسب".
يشعر "مصطفى" بأنه يتعرض للخداع دائمًا، فهو يشتري علبة سجائره بأعلى من سعرها الرسمي، لكنه يدفع الفروق برغبته، بينما وقف هذه المرة منتفضًا لشعوره بأنه مجبر، فأصر أن يحصل على حقه بالكامل.
تتفاوت الفروق في أسعار السجائر من منطقة لأخرى ومن نوع إلى آخر.. يوضح الجدول التالي الفروق الضائعة فى أسعار السجائر في نوعي "بوكس" و"سوبر":
منظومة بيع السجائر فى مصر تنتهى بكشك السجائر بعدها المستهلك، بينما هناك فى الخلفية تجار جملة لايتجاوز عددهم أصابع اليد يبيعون بالأسعار الرسمية، بينما هناك الآلاف من المستغلين من التجار، فى كل محافظة، ويكثر وجودهم فى باب البحر بمنطقة رمسيس، فى قلب القاهرة.
فى الماضى، وتحديا قبل عام 2000، كانت المنظومة أكثر انضباطا، إذ كان تجار التجزئة يحصلون على الحصص اليومية من موزعى الشركة الشرقية للدخان، إما عن طريق مخزن الشركة فى المنطقة، أو عن طريق مندوب يتولى التوزيع عبر "تروسيكل". وكان لكل تاجز تجزئة "كود خاص به"، مسجل لدع فرع الشركة، ومن دون هذا الكود، يصعب الحصول على الحصة.
التقطت كاميرا "مصراوي" حديثًا مع إبراهيم، صاحب محل لبيع السجائر، الذي قال إن التاجر يشترى الخرطوشة بأعلى من سعر الرسمي من السوق السوداء لأن الشركة الشرقية للدخان أوقفت توزيعها لهم.
"مشمش" امبراطور منطقة " باب البحر".. وتجار: موزع الشركة يحصل على 200 إلى 300 جنيه عن كل كرتونة زيادة
يكشف إبراهيم الفساد في منظومة التوزيع قائلا "بادفع لموزعي الشركة 200 جنيه إلى 300 جنيه عن كل "كرتونه" زيادة عن حصتي- الكارتونة فيها 500 علبة"، متابعا "يا كده يا مفيش، وهيدي لحد تاني غيرك هيدفعله"، ولذلك يرفع سعرها ليعوض ما يدفعه.
وعن حملات مباحث التموين على المخالفين، قال "مابقوش ينزلوا زي الأول خلاص، التموين كان بينزل أيام أزمة الـLM منتصف العام الماضى".
فى نفس الشارع، يتواجد المعلم مشمش، صاحب محل للجملة، "إمبراطور السجائر" كما يصفه أصحاب الأكشاك والتجار فى مختلف مناطق القاهرة. يقول "عندنا أي كمية تحتاجها.. إحنا هنا من باكو لـ1000 باكو سعر واحد".
بنظرات حادة يقول إنه لا يشتري السجائر من الشركة الشرقية للدخان لأن الحصة لا تكفيه "بيديني كرتونة ودي مبتكفنيش، أنا عاوز 1000 كرتونة في اليوم"، ويضيف إن له أسلوبه الخاص للحصول على السجائر بعيداً عن مندوب الشركة.
لم يختلف حديث "إبراهيم" و"مشمش" عن عشرات التجار هناك، المكان لا يدخلة مفتشو التموين، والموزعون الرسمون لـ "الشرقية للدخان" ينزلون بسياراتهم المحملة بالسجائر أمام محلات باب البحر. الكل يتقاضى ما يطلبه نظير تنزيل حصص زيادة عن الطبيعى التجار مطمئنين بتعويض المبالغ وأكثر من جيوب المواطنين برفع ثمن علبة السجائر "كيفما شاءوا".
على الجانب الآخر، هناك عدد محدود من تجار الجملة يبيعون بالأسعار الرسمية، تواجدهم في السوق مثل "الإبرة في كومة قش"، منهم "إبراهيم الشقرة" أحد أشهر بائعي الجملة بميت عقبة،
الذى يقول إن الحصة "كرتونة سجائر تحتوي على 50 خرطوشة" لا تكفيه وتنفد بعد نصف ساعة فقط، وعندما يسأل عنها الزبون لا يجدها.
ورغم أن الحقيقة وفقا للتجار، أن هناك تنسيقا دائما مع المندوبين للحصول على الحصص الزيادة مقابل مبالع من المال فإن رئيس الشرقية للدخان محمد عثمان يقول لمصراوى، إن مندوبي وموزعي الشركة يتعرضون لإهانات من تجار "جشعين" يستعينون ببلطجية وأرباب سوابق "التاجر عاوز يكسب لأن الكرتونة فيها 500 جنيه، بيبلطجوا على المندوب وياخدوا منه الكرتونة".
رئيس الشركة الشرقية للدخان: التجار يستعينون ببلطجية
ويؤكد "عثمان" إن هناك رقابة على موزعي الشركة في المناطق، من خلال قطاع التفتيش البيعي وهو "قطاع مستقل للتفتيش على أي مشاكل"، مشيراً إلى أن المندوب الذي يثبت بحقه مخالفة يخضع للتحقيق ويعاقب بالفصل.
ويوضح أن هناك جهات رقابية منوط بها مراقبة التجار، منها "الضرائب، التموين، وجهاز حماية المستهلك"، وتحاول هذه الجهات القيام بدورها قدر الإمكان، ويطالب المواطنين ممن لديهم حس وطني بالإبلاغ عن التجار المخالفين.
فى المقابل، اكتفي مسئول بوزارة التموين بالإفصاح عن عدد المخالفات التى رصدتها الوزارة فقط، طالبا عدم نشر اسمه.
يستعد مجلس الشعب حاليا، لإعداد تعديلات بقانون حماية المستهلك من خلال وضع قواعد جديدة لضبط الأسعار، وإضافة تشريعات تلزم المنتجين والشركات بوضع أسعار السلع على العبوات، فهل تمتنع تلك التعديلات تسرب المليارات سنويا من جيوب المواطن وضياع حقوق الدولة فى أغلب السلع؟
أقرأ ايضا:
الشرقية للدخان ترفع سعر أحد منتجاتها من السجائر 75 قرشًا في العبوة
فيديو قد يعجبك: