تحقيق: بدون سيارة مصفحة... بابا الفاتيكان في زيارة لدعم مصر
روما/القاهرة (د ب أ)
الزيارة الوحيدة التي قام بها بابا للفاتيكان لمصر كانت قبل حوالي 20 عاما. ففي عام 2000 كان البابا يوحنا بولس الثاني أول حبر أعظم للكنيسة الكاثوليكية في العصر الحديث يزور جبل سيناء في مصر ويدعو إلى السلام بين الأديان.
لكن الأوضاع في الدولة التي يقطنها غالبية مسلمة لم تهدأ منذ سنوات بعد ثورات وإطاحة بحكومات. الهجمات الإرهابية وانتهاكات حقوق الإنسان تسطر الآن ملامح البلد الذي يمثل ثقلا في الشرق الأوسط.
ورغم ذلك، أو ربما لذلك، يتوجه بابا الفاتيكان فرنسيس بعد غد الجمعة إلى أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان في زيارة تستغرق يومين، ليكون بذلك ثاني زعيم للكنيسة الكاثوليكية يزور البلاد في زيارة تصنف قبل بدئها على أنها تاريخية.
وتحت شعار "بابا السلام في مصر السلام" تأتي الزيارة إلى القاهرة في وقت حرج. فقبل نحو أسبوعين لقي أكثر من 40 شخصا حتفهم في هجومين تفجيريين على كنيستين شمالي مصر في احتفالات أحد السعف.
"أريد أن تكون هذه الزيارة لفتة شخصية لعزاء وتشجيع كافة المسيحيين في الشرق الأوسط ورسالة صداقة وتقدير لكافة سكان مصر والمنطقة بأكملها"، هكذا قال البابا فرنسيس، 80 عاما، في رسالة فيديو قبل الزيارة المرتقبة.
وبعد التفجيرين بعشرة أيام، لقي رجل شرطة حتفه في هجوم استهدف نقطة تفتيش خارج دير سانت كاترين التاريخي في منطقة سيناء المضطربة. وقال الأسقف أنجيلو بيكيو، نائب رئيس حكومة الفاتيكان، لصحيفة "كوريري ديلا سيرا" الإيطالية عقب هجومي الكنيستين: "ما حدث هو أمر مزعج ومؤلم للغاية، ولكنه لا يمكن أن يوقف مهمة السلام البابوية".
وستحاط زيارة البابا لدى وصوله إلى مصر التي تشهد حالة طوارئ منذ هجمات 9 أبريل بإجراءات أمن مشددة للغاية "لا يساورنا قلق من ذلك"، هكذا أكد المتحدث باسم البابا جريج بورك، والذي أشار أيضا إلى أن الخطورة الأمنية موجودة في كل مكان، سواء في فرنسا أو الولايات المتحدة أو حتى في مصر.
وأوضح بورك أن البابا لن يتجول في القاهرة بناء على رغبته بسيارة مصفحة، بل بسيارة عادية، وقال: "يريد أن يرسل بذلك إشارة إيجابية"، موضحا في المقابل أن البابا لن يتمكن من التجول بسيارته البابوية التقليدية المكشوفة من الأعلى.
لكن مواجهة البابا للصعاب ليست جديدة عليه. ففي عام 2015، افتتح البابا يوبيل الرحمة خلال زيارته لجمهورية أفريقيا الوسطى المنكوبة بالصراعات، واستغل المناسبة لدعوة المسيحيين والمسلمين إلى التوحد ضد العنف.
وسوف تكون زيارة البابا لمصر هي الجولة الخارجية رقم 17 له، وتأتي بعد زيارة بلدان أخرى ذات أغلبية مسلمة مثل تركيا وفلسطين والبوسنة.
وبارتياح وامتنان كبيرين استقبلت مصر قرار البابا بعدم إلغاء زيارته عقب الهجمات الإرهابية التي استهدفت الكنيستين، حيث قال وكيل جامعة الأزهر عباس شومان إن هذا يدل على "الثقة الكاملة في قدرة مصر على ضمان الأمن لزائريها".
كما تأمل القيادة في القاهرة أن يحتذي الكثير من السائحين -المرهوبين ربما- بالبابا ويأتون إلى مصر رغم المخاطر الإرهابية.
وقال الأنبا عمانوئيل عياد، مطران الأقصر للأقباط الكاثوليك ورئيس اللجنة المنظمة لزيارة البابا: "زيارة البابا، رغم ما حدث خلال الأيام الماضية، تؤكد للعالم أن مصر آمنة ومستقرة".
كما قال عياد للتليفزيون المصري إن "الإرهاب ليس قضية مصرية، إنه قضية عالمية، ولابد للعالم أن يتكاتف لاجتثاث الإرهاب. جوهر الأديان هو العمل من أجل السلام. إنها الرسالة الرئيسية للزيارة".
وفي تصريحات لوكالة الأنباء الكاثوليكية الإيطالية "سير" ذكر الأنبا عياد أنه تقرر نقل قداس البابا الذي سيقام يوم السبت المقبل إلى باحة أحد المطارات العسكرية خارج العاصمة المصرية لأسباب أمنية. ومن المنتظر أن يشارك في هذا القداس، الذي كان من المخطط إقامته في أحد الاستادات، نحو 25 ألف شخص.
يقول عياد: "زيارة البابا حلم لمسيحيينا".
ويشكل المسيحيون في مصر حوالي 10 في المئة من السكان، وينتمي أغلبهم إلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. ومن بين أكثر من 90 مليون نسمة ينتمي إلى الطائفة الكاثوليكية 272 ألف شخص في مصر، بحسب بيانات الفاتيكان.
واعتبر المتحدث باسم البابا، بورك، الزيارة عقب الهجمات الإرهابية التي أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها، "إشارة للتقارب".
ومن المقرر أن يلتقي البابا الأرجنتيني خلال زيارته للقاهرة الرئيس عبد الفتاح السيسي والإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر أحمد الطيب. وسيكون الحدث الأبرز في الزيارة الخطاب الذي سيلقيه البابا خلال مؤتمر للسلام.
كما من المخطط أن يلتقي البابا فرنسيس بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، تواضروس الثاني.
وقال سفير الفاتيكان لدى مصر ،المونسنيور برونو موزارو، لوكالة الأنباء الكاثوليكية الإيطالية "سير": "اليوم يمكننا أن نجري حوارا مع الإسلام، مع الأزهر، حول البحث عن السلام، حول الحرب ضد الإرهاب. ولكي نجري حوارا، نحتاج لأُناس قلوبهم وعقولهم منفتحة".
ويسعى بابا الفاتيكان منذ بداية توليه مهام منصبه في مارس 2013 إلى تعزيز الحوار بين الأديان. وأكد البابا في أكثر من مناسبة أنه من الخطأ المساواة بين الإسلام والإرهاب، مضيفا أن الكاثوليك يرتكبون جرائم أيضا، واصفا الأصوليين بأنهم لا دين لهم.
في هذا الرأي يوجد للبابا حلفاء في مصر، حيث لم يؤكد فقط الرئيس المصري بل أيضا شيخ الأزهر مرارا وتكرارا على أهمية مكافحة التطرف الإسلامي في ظل حاجة رئيسية للتعايش السلمي المشترك بين الأديان على ضفاف النيل. وكان الإمام الأكبر الطيب قال خلال زيارته لألمانيا العام الماضي: "نرفض الإرهابيين أيا كان ولاؤهم".
لكن الزيارة المرتقبة تثير غضب ناقدين يرون أن البابا سيضفي بلقائه مع الرئيس السيسي شرعية على حكومة قمعية، في ظل تدهور ملحوظ لأوضاع حقوق الإنسان في مصر وشعور متزايد بين المواطنين بتراجع الحريات بصورة أكبر مما كان عليه الوضع إبان الرئيس الأسبق حسني مبارك، وانتقادات حادة لملاحقة أعضاء - بعضهم من المعتدلين- لجماعة الإخوان المسلمين.
ومنذ توليه السلطة في عام 2014، تودد السيسي إلى المسيحيين في بلاده بدرجة كبيرة. ويرى عدة محللين أن دعم السيسي للمسيحيين قد أدى إلى زيادة استهداف المسيحيين.
وفي النهاية يبدو أن التوجه الغالب لدى البابا، مثل توجه معظم الحكومات الأخرى، هو الرغبة في دعم مصر كدولة مستقرة نسبيا وسط بؤر مضطربة في العالم العربي، وهو ما يأمله أيضا ملايين المسيحيين في مصر.
فيديو قد يعجبك: