لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

من ''محمد محمود'' إلى ''جمال الدين''.. القبضة الحديدية لا تزال مستمرة

10:34 م الأربعاء 14 نوفمبر 2012

كتبت - دعاء الفولي:
وقف على مدخل الشارع القديم وهمّ بالدخول، عندما لفت نظره على الجانب الأيمن تلك الأشياء المرسومة بشكل ساخر على حوائط الجامعة الأمريكية، أسماء ووجوه لا يعرفها؛ الشهيد ''خالد سعيد''، الشهيد '' كريم خزام ''، والشهيد ''أنس''، تساءل في جزع من هؤلاء الشباب على آية حال ؟، ولماذا تمتلئ الحوائط بالعشرات منهم، وكلهم تحت مسمى ''شهيد''.

أكمل السير في الشارع غير عابئ بتلك ''الحيطان'' و''الرسومات'' علّه يجد من يسأله، وأثناء سيره تذكر أيام مجده ووزارته وكيف كان يستطيع الإطاحة بالكبير والصغير إذا ما أراد ذلك بجرة قلم.

كانوا يسمون وزارته بوزارة ''القبضة الحديدية'' بدلا من وزارة ''الداخلية''؛ إذ أنه تولى رئاسة وزارة الداخلية في عهد الملك فؤاد الأول عام 1928، وظل وزيرا لها من خلال تجديد منصبه حتى عام 1939، وكان من المسيطرين بشدة على الوضع السياسي في مصر وله كلمة مسموعة، سواء بسبب منصبه السياسي أو بسبب ملازمته لمفجري ثورة 1919 ومنهم ''سعد زغلول''.

إلا أنه على الجهة الأخرى كان أول من عطل العمل بالدستور بعدما تولى منصب رئيس الوزراء، وكما قال من عاش زمانه أنه أول من زور انتخابات برلمانية في التاريخ الحديث ليطرد حزب الوفد من المنافسة بسبب النزاعات التي كانت بينه وبين قيادات الوفد، حتى أن ''القوة'' كانت كلمة السر في التعامل مع الأشياء التي تواجهه في الحياة السياسية وخاصة المعارضين، تذكر كل تلك الأشياء واعتبر الجيد منها والسيء أشياء يجب أن تضاف لقائمة أمجاده.

وعندما عاد بنظره للشارع رأى شاب لم يتجاوز عمره الخامسة والعشرين يرفع لافته مكتوب عليها ''المذبحة حصلت السنة اللي فاتت.. فين حق شهداء محمد محمود''، تعجب الوزير ''الأسبق'' من هذه اللافتة؛ فهو لا يدري أصلا ماذا حدث في شارعه، حتى أنه اعتقد أن هذا الشاب لو كان موجودا في عهده لربما قام بسجنه لئلا يسمح له بمعارضة النظام، ثم قرر الاقتراب من الشاب وسأله ''ايه اللي حصل هنا السنة اللي فاتت ؟!''.

شرح له الشاب الأحداث في عجالة، ابتداءا من هجوم قوات الشرطة على المعتصمين الموجودين في ميدان التحرير ليطالبوا بحق ذويهم من الشهداء و المصابين، ثم تسارعت الأحداث وتوافد الناشطين الشباب من كل صوب وحدب على شارع محمد محمود، ودارت معارك دامية بين الشرطة والمتظاهرين، كانت الشرطة هي الطرف الأقوى فيها؛ حيث استخدمت الأسلحة النارية الحية والخرطوش والقنابل المسيلة للدموع، وأسفرت الأحداث التي استمرت من 19 نوفمبر وحتى الخامس والعشرين من نفس الشهر عن أكثر من 50 شهيدا و60 مصاب في الأعين وعشرات الآلاف من الجرحى وحوالي 383 معتقل.

وعندما سأل الوزير ''الأسبق'' الشاب عن سبب وقوفه في هذا المكان بعد عام من الأحداث فقال له ''محدش اتحاكم من اللي ضرب الشباب لحد دلوقتي''، التفت الوزير وسار بعيدا، ليسأل شخص أخر عن تلك الأحداث لعله يجد إجابات شافية .

وبعد مدة لا بأس بها من السير اصطدم بشخص ما، يبدو من ملابسه أنه من قوات الحراسة الخاصة، وبجانبه العديد ممن يشبهونه كأنهم يحمون أحد الأشخاص المهمين، فسأل ليعرف من المسئول الموجود في وسط الزحام، وبعد عناء عرف أنه وزير الداخلية الحالي ''أحمد جمال الدين''.

اخترق الحشود ليصل له ويعرفه بنفسه، وعندما قابله قال له '' أنا محمد محمود باشا، وزير الداخلية الأسبق، أنا اللي الشارع دة اتسمى على إسمي''، فنظر له الوزير الحالي ضاحكا ''غني عن التعريف، بس المتظاهرين غيروا اسمه بعد اللي حصل السنة اللي فاتت وسمّوه  شارع عيون الحرية''، فرد قائلا '' وهو ايه اللى حصل السنة اللي فاتت ؟!'' .

شرح له ''جمال الدين'' ما حدث العام الماضي، إلا أن روايته اختلفت عن رواية الشاب من حيث أسباب القبض على المعتقلين وضرب النار والقنابل، إذ أن التحقيقات أفادت بأن الشباب حاولوا اقتحام مبنى وزارة الداخلية، وكان لابد من فعل ذلك للدفاع عن ممتلكات الدولة، كما أن وزير الداخلية السابق ''منصور العيسوي'' أكد أن المعتصمين كان منهم بلطجية مأجورين حاولوا استفزاز الأمن ومنهم من أحرق عربة الأمن كما حاولوا اقتحام وزارة الداخلية.

وأوضح الوزير الحالي أن ''العيسوي'' قد أكد في تصريحاته عدم وجود رصاص حي أو خرطوش مع الشرطة، مؤكدا أن من أطلق قنابل الغاز هم المعتصمون، ثم ختم ''جمال الدين'' كلامه قائلا '' أنا كنت وقتها مساعد الوزير للأمن العام فقط لا غير''.

أذهلت الكلمات الدفاعية التي قالها ''جمال الدين'' الوزير الأسبق، إلا أنها لم تبد غريبة على كل حال؛ فحدّث ''الأسبق'' نفسه بأنه لو كان مكان وزير للداخلية أثناء الأحداث لربما فعل ما هو أكثر عنفاً لحماية ''الممتلكات'' .

لكن ''محمد محمود'' استدرك قائلا '' وإيه اللي خلى الشد والجذب يفضل ست أيام ويسبب خساير كده من غير ما حد يوقفه يا سيادة الوزير''، فسكت ''جمال الدين'' عن الكلام وهو يفكر في السؤال الذي لم يجد عليه رد، ثم أجاب '' لسه لحد دلوقتي بيتم التحقيق في أسباب الخسائر المادية والبشرية اللي حصلت ''.

فابتسم الوزير ''الأسبق'' متسائلا '' أنت بتقول الأحداث من سنة ولسه كل ده التحقيقات مخلصتش؟!''، قطب الوزير ''الحالي'' جبينه ونظر للجهة الأخرى، و سكت ''الأسبق'' أيضا وهو يترك الزحام والموكب ويسير لبقية الشارع ليرى آثار الأحداث بعينيه في الذكرى الأولى دون أن ينتظر ليسمع حكايات أخرى عن حقيقة ما حدث.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان