''أحمد جمعة'' ذو العشرين يوماً.. أصغر شهيد في ''محمد محمود''
كتبت - شيماء الليثي:
بعد طول انتظار ومعانة شهدتها أم تحمل طفلها في جوفها لتُخرجه يوما ما إلى دنيا تتمنى أن يسعد بعمره فيها، تلد ''وفاء'' طفلها الثالث ''أحمد '' قبل نشوب معركة ''محمد محمود'' بأيام قليلة، ذلك الطفل الذى لم يحالفه الحظ؛ بولادته فى شارع ''عيون الحرية'' - كما لقبه البعض - ليصبح الألم مصيره منذ اللحظات الأولى له في الدنيا.
وضعته أمه بعد صراع دام تسعة أشهر مع عذاب الحمل ومشكلاته ، ولم تكن ولادته باليسيرة؛ حيث كان يأبى الخروج من ذاك المكان الدافئ الحنون إلى ذلك الواقع الوحشى الجاهم الذى لم يرحم طفولته، فاضطر الطبيب أن يخرجه رغما عنه بعملية قيصرية.
جاء'' أحمد'' إلى الدنيا زائراً، ولم تتجاوز مدة زيارته العشرين يوما، قضاها في وهن ودموع؛ إذ اشتعل القتال بالشارع بينما هو لم يزل مُقفل العينين، لم تفلته القنابل المسيلة للدموع من قبضتها، فقررت أن ترضعه من سمومها ليظل يختنق حتى الموت، حكمت عليه بلاده بالقتل قبل أن يستنشق عبير هوائها النقي، ليصبح '' أحمد جمعة'' هو أصغر شهيد فى أحداث ''محمد محمود'' الدامية.
يعمل والده حارسا للعقار رقم 17 بالشارع، والذى كان المستشفى الميداني حينها على ناصيته، فأصبح ذلك الرجل البسيط ـ القادم من قريته الفقيرة بمحافظة بنى سويف ـ شاهدا على مجزرة راح ضحيتها العشرات، ومن بينهم ابنه الرضيع .
''مبلّغتش عن قتل ابنى رغم إن تقرير الوفاة بيقول إنه مات متأثر باختناقات غازات مسيلة للدموع سامة، لأنى مش عايز تعويضات، ما فيش حاجة تعوض ابنى البريء اللى راح''.. قالها ''عم جمعة'' والدموع تملأ عينيه الحزينة على فراق فلذة كبده صاحب العشرين يوماً .
ولكن المعركة مع آثار الغازات لاتزال مستمرة بأسرة ''عم جمعة'' حتى بعد ذهاب أحمد إلى مثواه الأخير؛ حيث يعانى ابنه الأكبر ''محمد'' والذى يبلغ ثلاثة أعوام من حساسية الصدر والعين حتى الآن رغم مرور عام كامل على الأحداث .
'' أنا تعبت فى حمل أحمد وفى ولادته بس مكونتش أعرف إنى هدفنه فى القبر قبل ما يكمل حتى شهر، كان نفسى يعيش ويتهنى بحياته''.. قالتها والدة ''أحمد'' وهى تحاول أن تحبس دموعها لكنها فشلت فى ذلك بمجرد سؤالها عن وليدها الذى غادر الدنيا بعد أيام قليلها من مجيئه لها .
قطعت ''وفاء'' الدموع كلماتها ثم استأنفت '' كان عمره أقل من أسبوع لما الضرب اشتغل فى الشارع، وكانت الغازات بتدخل علينا العمارة، ما استحملش ريحتها، مكنش بيعرف يتنفس، ولما كشفنا عليه الدكتور قال الغازات اللى شمّها دى فيها سموم وده طفل صغير مش قادر يقاومها، وقالنا للأسف ابنكوا هيموت''.
تسكت ''وفاء'' للحظات، ثم تقول بأسى '' مش قادرة أنسى شكله ووشه الجميل، ومش قادرة أنسى الألم اللى كان بيتألمو كل ما يتنفس ويعيط، من ضعفه مكنش بيقدر يكح، قلبى كان بيتقطع عليه كل ما بشوف عذابه ده''.
واختتمت ''وفاء'' - والدة أصغر شهيد فى أحداث ''محمد محمود - والحسرة على فراق وليدها تحرقها والدموع لا تنقطع من عينيها متسائلة '' عمل إيه طفل عنده 20 يوم عشان يموت؟!.. احنا ناس فلاحين وغلابة ما آذيناش حد.. موتوا ابنى ليه ؟! ''.
فيديو قد يعجبك: