''محمد'' و''أحمد''.. رفيقا ''الميدان'' و''القبر''
كتبت - يسرا سلامة:
منذ ميلادهما وفى مراحل دراستهما المختلفة كانا معًا، ولم تفرقهم السياسة كما فعلت في بعض الأصدقاء، لكنها كانت سبب في توطيد علاقتهما معًا، نزلا ميدان التحرير في بداية الثورة معًا، وحتى في الممات خلال فض اعتصام ''رابعة'' لم يتفرقا.
''محمد عبد الباسط'' و''أحمد ضياء فرحات''.. لم يتجاوزا الثامنة عشر من عمرهما، انتهيا العام الماضي من دراستهما الثانوية، وحلما معًا بالتقديم في كلية الهندسة، ذكريات الطفولة لديهم تكاد تكون واحدة، مدرسة ''الرضوان'' جمعتهما أيضًا، وفي نفس الشارع يجمع صداقتهم وذكرياتهم، وصداقة والديهما.
قضى ''محمد'' و ''أحمد'' أيامهما معًا في المأكل والملبس والدراسة، حتى اجتمعا معًا في ميدان رابعة العدوية، وتروي ''سمية'' شقيقة ''محمد'' حكاياتهما معًا وقت نزول الميدان ''كانوا دايمًا بيتقابلوا عند طيبة مول وقت الاعتصام، حتى ليلة الفض''.
وقت فض الميدان لم يكن ''محمد'' متواجدًا؛ فهو عاد مساءً تارك صديق عمره في وسط الميدان، لم يستطع ''محمد'' الجلوس في المنزل، بعد سماعه لتجمع عربات أمن مركزي بالقرب بالميدان، لكن شقيقته أصرت على عدم نزوله ليلاً، وأن عليه الانتظار للصباح.
ومع ساعت الصباح الأولى، استيقظ ''محمد'' مفزوعًا على حياة صديقه وزملائه ولسانه ينطق بكلمة واحدة ''في ضرب صح؟!''، نزل إلى الميدان مع والدته في مسيرة ''مسجد السلام''، ووسط دموع والدته على مشاهد الجثث هي وباقى الأمهات، لم يكن يريد ''محمد'' أن يستمر في البكاء هو الآخر.
اتخذ ''محمد'' القرار منفردًا، بألا يترك زميل عمره وسط تدافع الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع، وقرر أن يترك والدته قائلاً لها ''ما تدوريش عليا''، ساعد في نقل الأدوات الطبية لإسعاف المصابين، وقتها كان صديقه ''أحمد'' فارق الحياة، لكنه لم يكن يعرف بعد.
خطوات عسيرة قطعها ''محمد'' وسط أجواء ساخنة فقط ليرى صديقه في مكان اعتصامهما بالقرب من ''طيبة مول''، وطوال الطريق وقت ''الفض'' كان يتصل بين الحين والآخر بشقيقته على الهاتف ليطمئنها ''مكنش بيمشي من المكان اللي هو فيه إلا لما يجي ناس كتير يدافعو عن المكان، فيسيبهم ويروح مكان تاني الضرب فيه أشد ومش فيه دعم من الناس''، على حد قول شقيقته.
علم ''محمد'' خبر وفاة صديق عمره، وأصر على الذهاب لرؤيته وسط الضرب، لكن أصدقائه قاموا بمنعه ''الباب مقفول والضرب شغال ومش هتعرف توصله''، وقتها احتفظ بصورة صديقه على هاتفه، ولم يتلفظ إلا بكلمة واحدة ''يمكن ما أشوفوش تاني''.
وفي مساء يوم ''الفض''؛ انقطعت كل سبل التواصل بين ''محمد'' وشقيقته ''سمية''، وبعد ساعات قليلة تلقت ''سمية'' خبر وفاة شقيقها؛ وطبقًا لرواية ''سمية'' أنه أصيب برصاصة في رأسه من ''قناص''، وتوفي إثر تزايد الغاز المسيل للدموع، وعدم إسعافه بشكل سريع.
ثلاث ساعات قضاها أهل ''محمد'' أمام المشرحة لاستلام جثته؛ صلاة واحدة جمعت بين ''محمد'' ورفيق عمره ''أحمد''، بعد الصلاة عليهما في ''مسجد السلام''، وتم دفنهما في مقبرة واحدة.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة واغتنم الفرصة واكسب 10000 جنيه أسبوعيا، للاشتراك اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: