لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

وسط البلد.. كثير من ''الزحام'' قليل من ''الذكريات''

01:12 م الثلاثاء 10 ديسمبر 2013

وسط البلد.. كثير من ''الزحام'' قليل من ''الذكريات'


كتبت - دعاء الفولي ورنا الجميعي:

العام 1970، وقتما كانت شوارعها براحًا، يذهب لها قاصدوا الخروج عن نمط حياتهم الرتيبة، يدلفون لهذا المحل، لرؤية الملابس، ويمرون على أحد المطاعم القديمة، لأكل بعض اللقيمات، وبينما راغبو الترفيه يتدافعون فوق طرقاتها، يسير بجانبهم العائدون من أعمالهم الموجودة فيها، ويراقبهم سكانها من الشُرفات، وبينهم جميعًا مر الزمن، ليكسبها شكل جديد.

40 عامًا أو أكثر مرت على جمال "وسط البلد"، لتترك كل فترة أثرًا من زحام أو آثار للسياسة على جدرانها، أو بين ألسنة زوارها، لم تتوقف أكتاف السائرين بها عن التخبط، بل أصبحت أكثر عنفًا وضجيجًا، لكنها لازالت تجمع بين "الجد" و"الهزل" و"الدم" و"الهدوء"، تغيرت كما تغير المجتمع، لكن مجموعة من سكانها بقوا في مواجهة التغيير وإن لم يستسيغوه.

"صبري".. من زمن "الأخلاق"

36 عامًا قضاها السيناريست "أشرف صبري"، في إحدى العمارات القديمة بوسط البلد، حاول "صبري" ترك شقته، حتى أنه ذهب ليرى شققًا أخرى لكنه وجد شقته القديمة أفضل.

"حاولت أمشي من العمارة، شوفت شقق تانية، لقيت السقف طابق على دماغي"، تعود "صبري" على الشقة الواسعة والسقف العالي، كما أنه الساكن الوحيد المتبقي في العمارة؛ حيث تحولت باقي العمارة إلى شركات بعدما تركها ساكنوها لأسباب مادية أو غيره.

ورغم أن أحد الشركات المشهورة عرضت عليه مبلغ يقارب الأربعة ملايين جنيه ليترك شقته إلا أن "صبري" رفض؛ فالشقة مساحتها تصل لـ700 متر وهي أقرب لـ"فيلا"، وكان الملك فاروق يسكنها سابقا، على حد قوله.

يسرد "صبري" جزءًا من تاريخ العقار الذي امتلأ بسكان إيطاليين أيام الملك فاروق وما قبله، وقد اشترى "صبري" شقته من أحد البارونات، ويحكي عن حارس العمارة "يوسف الصعيدي"، الذي كان يجلس على "دِكة" بجانب المدخل منتبها لعمله بشكل جيد، لكن الوضع الحالي للعمارة أصبح أسوأ من ذي قبل؛ فلا يوجد حارس وكل مالك يملك مفتاح للبوابة.

عن جارته الإيطالية كبيرة السن التي تعود أن يشرب معها الشاي، تكلم "صبري" أيضًا، وكيف كان يواسيها بسبب بقائها بمفردها، بينما أبنائها في بلدهم الأصلي، وقد اضطرت للسفر حينما أصروا بأن تُدفن في إيطاليا، موضحًا أنه لم ينكر لها حقها في أن تدفن ببلدها رغم أنه يعرف أن المصريين بطبيعة الحال كانوا سيكرمونها بالدفن في مصر.

درس "صبري" السنيما والموسيقى والمسرح، كما درس بالخارج أيضًا، وقضى 34 عامًا في الكتابة، وقرر في فترة ما أن يهاجر ولا يعود مطلقًا بعدما أصابه الإفلاس، وفي المطار وجد نفسه كالهارب، الذي لم يجد في نفسه الشجاعة للصبر، ومكافحة العيش في مصر؛ فتراجع عن قرار الهجرة.

"كنا نعرف بعض"، هكذا قال "صبري" عن ساكني وسط البلد قديمًا، فبالنسبة له، تغيرت المنطقة كثيرًا عما كانت في السابق، و"الشوراع بقت ملغمة بالبشر"، كما أن "الشرطة كان عندها أخلاق والناس"، قالها "ًصبري" واصفًا الحال في الماضي، وما فعله الزمن بتعاملات الناس التي أصبحت "مادية"، حسب وصفه.

السكان الأجانب الذين امتلأت بهم عمارات وسط البلد فيما قبل، اختفوا تقريبا الآن؛ فمنهم من هاجر، ومنهم من مات لا يعرف عنه أحد شيئا، وعلل "صبري" ذلك بتعرضهم لمضايقات من أصحاب المحلات الذين يريدون شراء شقق في العمارات القديمة.

من تلك المضايقات، عندما ذهب أحد أصحاب المحلات بمساعدة حارس العمارة لإحدى السيدات الإيطاليات، وعرض عليها مبلغًا كبيرًا من المال لتترك شقتها، ولكنها قامت بالاتصال بالمحافظ الذي قام بالقبض على الحارس وتعيين حراسة أخرى للعمارة، بعدها ماتت تلك السيدة "ماتت الست وسابت الدنيا والشقة".

"هيام".. "السياسة" تحت البيت

في الطابق الخامس، وبعمارة "الشواربي"، كما يعرفها سكان منطقة "وسط البلد، تقطن "هيام"، سيدة مصرية، في الأربعينات من عمرها، تعيش مع والدتها وابنتها ذات الأربعة أعوام.

على عكس معظم سكان العمارة، فـ"هيام" لم تسكن في العقار سوى من عشر سنوات فقط، عندما قام زوجها بشراء الشقة من خلال مزاد علني، قامت الشركة المالكة بتنظيمه، ومن ثم أصبحت ملكهم بمبلغ 300 ألف جنيه.

"أول ما جينا كان الحال أفضل بكتير"، قالتها "هيام" عن حال العقار، وحال المنطقة بشكل عام؛ فأما العقار؛ فلم يعد هناك اهتمام به من قبل الشركة، وأصبح يتعين على السكان الاهتمام بنظافته وبالإضاءة فيه "الحكومة بتاخد مننا فلوس الزبالة ومبيبعتوش حد ياخدها، لولا السكان متفقين مع واحد بييجي يلمها".

خارج العقار الوضع أصبح يُرثى له، فبجانب للازدحام الشديد، هناك شريط بائعي الملابس الممتد من محطة مترو "جمال عبد الناصر" وحتى مبنى "ماسبيرو"، ولأن منزل هيام، يطل على منطقة الإسعاف؛ فهي تشعر أن "البياعين ولا كأنهم عايشين معانا، طول النهار زعيق وخناقات، مبفتحش الشباك"، ولم يتوقف الأمر على ذلك؛ إذ يوجد بائعي الكُتب المستعملة الذين يصطفون أسفل شرفة "هيام" تمامًا.

"أول ما جيت كنت مبسوطة، دلوقتي عايزة أمشي من هنا"، قالتها "هيام"؛ فمع الوقت لم يعد السكن في جنبات وسط البلد أمرًا مبهجًا؛ خاصة مع علاقة "هيام" السيئة لحد ما بسكان العمارة؛ حيث أنهم "السكان هنا معظمهم قدام جدًا، بيعاملونا كأننا دخلاء عليهم، أو مش قد المقام، مع إننا دافعين فلوس مش قليلة".

رغم أن نسبة الأمان حيث تسكن السيدة الأربعينية مرتفعة جدًا، على حد قولها، بسبب انتشار مدرعات الجيش والشرطة أمام دار القضاء وفي الشوارع المحيطة، إلا أن الخوف لم يبرح الأم أبدًا.

وتابعت "هيام": "إحنا في منطقة بيحصل فيها ضرب علطول، رصاص وخرطوش وقنابل غاز، ثورة يناير ابتدت تحت بيتنا هنا"، مضيفة أنه في حالة حدوث مظاهرات، لا يكون منها سوى إغلاق منافذ الشقة جميعها، والتضرع إلى الله، لتحتفظ بأكبر قدر من الحماية؛ فهي لا تأمن اختراق رصاصة جدار منزلها رغم وجودها في دور مرتفع.

ابنة "هيام"، لم تسلم مما يحدث "بنتي صدرها تاعبها من ريحة القنابل"، قالتها الوالدة، مؤكدة أنها "بخاف أقولها إن اللي شغال ده ضرب نار، عشان متتفزعش، بقولها إن الناس بتضرب صواريخ وبيلعبوا

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان