لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

''عبد المنعم رياض''.. موقف ''المعاناة''

09:18 م الأحد 15 ديسمبر 2013

''عبد المنعم رياض''.. موقف ''المعاناة''

كتبت - يسرا سلامة ودعاء الفولي:
تصوير -إشراق احمد:

جلستا سويا على تلك الدكة المقابلة للمكان المخصص للحافلات، تحاول كل منهما تضييع وقت الانتظار في الحديث، ولكن الذهن كان مشتتا بالحافلة، فسوف يتعين على من تأتي حافلتها أولا الركض سريعا لتلحق مقعد بها.

وبينما هما تتجاذبان الحديث، كان سائقو الحافلات يحاولون الدخول للمكان المخصص لهم، لكن منعهم تواجد الميكروباصات؛ فاضطر بعضهم للوقوف خارجًا، أما ناظر المحطة؛ فكان يعاني من تأخر مُحصلي الحافلات في إثبات حضورهم بكشوفات المحطة، وعدم التزام بعض السائقين بمواعيد الحضور والانصراف.

في موقف عبد المنعم رياض، الكل يُعاني بشكل ما، سواء السائقون أو المنتظرون داخل الموقف، أو حتى المسئولون عن تنظيم العمل هناك، فالجميع يُلقي بالمسئولية على الآخر.


في مكتب الناظرموقف

وسط دفاتره القديمة، وأوراقه وأرقام خطوط الأتوبيسات، يقضى ''مجدي حامد''، مدير المحطة بموقف عبد المنعم رياض، أكثر من ثماني ساعات فى عمله، يراقب الأتوبيسات الآتية توًا من رحلة طويلة إلى الموقف الشهير بقلب القاهرة، ويرصد من جهة أخرى الآخرين المتجهين إلى خارج الموقف.

اثنا عشر عاماً قضاها ''مجدي'' في درجات مختلفة داخل هيئة النقل العام، حتى وصل إلى واحدة من أشهر المواقف فى القاهرة، والتى شهدت على ما حدث من خلال أحداث لم يهدأ فيها ميدان التحرير إلا قليلاً، شهد فيها ''مجدي'' اشتباكات وقنابل غاز ورصاص، وبقى هو يمارس عمله.

يقطع ''مجدى'' يومياً مسافة طويلة تتراوح بين الساعتين أو الثلاثة من منزله بمدينة طوخ بالقليوبية وحتى يصل إلى مقر عمله، ليبدأ يوم جديد لا يؤرقه فيه سوى ''عفاريت الأسفلت'' أو عربات الميكروباص، بعد أن اقتحم سائقوها المكان المخصص فقط لأتوبيسات النقل العام.

مشاجرات كل حين وآخر بين مدير المحطة وبعض من سائقى الميكروباصات؛ فيقول عنها ''مجدى'': ''المفترض لا تتوقف السيارات بمكان الأتوبيس، في الأول كان السواقين بيخافوا من الغرامة، لكن دلوقتى بعد الثورة الوضع اتغير، وأصبح الموقف كله ملك ليهم''.

لا ينسى الرجل الخمسينى مساء 28 يناير 2011، يوم امتلأ ميدان ''عبد المنعم رياض'' بالغاز المسيل للدموع، وسط العراك الدائر فى ميدان التحرير، لتصبح ليلة صعبة ''يومها روحنا بصعوبة، الغاز كان مليان فى المحطة ومكنش فيه أي مواصلات، ومشيت من التحرير لشبرا عشان أعرف ألاقى مواصلة تروحني، وأهلي كانوا فاقدين الأمل إنى أرجع البيت''.

لحظات انتصار قليلة ذكرها ''مجدى'' عندما نجح إضراب سائقي هيئة النقل العام في الضغط على الحكومة، وتحقيق مطالبهم؛ فيحكي عنها ''مجدى'' قائلًا :''وقتها بس مطالبنا اتحققت ورواتبنا زادت، وإلا مكناش رجعنا الشغل تاني''.

''عيد'' جلس داخل مكتب النُظّار في المحطة، يأتيه مُحصل يمضي في كشوفات خاصة بحضور الأوتوبيس، أو يسأله أحد المنتظرين عن شيء خاص بوجهة معينة، فيرد وعيناه معلقتان على الورق أمامه.

قضى عيد 39 عامًا داخل هيئة النقل العام، يتنقل من موقف لآخر، إلا أن أكثر ما يُزعجه هو سلوكيات البعض في الموقف، فيقول: ''سواقين الميكروباصات كل يوم لينا خناقة معاهم، مبيلتزموش بالموقف، مفروض ده موقف أوتوبيسات، قدمنا شكاوي وكتبنا تقارير كتير ومفيش فايدة''.

لا يتوقف الأمر على احتلال سائقي الميكروباص مكان الأوتوبيس؛ بل إن كثير من الركاب المنتظرين يعانون من عدم دخول الأوتوبيسات الموقف، بسبب عدم وجود مكان، فيضطر بعضها إلى الوقوف بالخارج انتظارا للزبائن، وأحيانا لا تقف بالمرة على حد قول عيد.

وتابع عيد أن تأخر سائقي الأوتوبيسات عن مواعيدهم أمرا يعانيه أيضا، فالورديات في المحطة تبدأ من الخامسة والنصف صباحًا وتنتهي في الثانية، وتبدأ الدورة التي بعدها الثانية وتتنتهي في الحادية عشر ليلا، ولكن ما يحدث أن ''السواقين فيه منهم بيبتدوا على 7 الصبح ويمشوا 12، وبتوع بعد الضهر فيه جزء منهم ييجي الساعة تمانية بليل يدخل العربية الجراج ويروح''.

الزحام أصل الأزمةموقف

''بعد الثورة كله بيتمادى فى الشارع''، بهذه الكلمات عبر ''أحمد بيومي'' أحد المحصلين ''كمسري'' فى محطة ''عبد المنعم رياض'' عن أزمة المرور فى مصر إلى الآن، وعن أحوال الزحام التي لاترحم راكب أو سائق هذه الأيام، ويقول ''للأسف المحور والطريق الدائري زحام طوال الوقت''.

عشرون عامًا عمل فيها ''بيومى'' فى مهنة الكمسري على خط 570 بهيئة النقل العام، من موقف التحرير وإلى عبد المنعم رياض، يستلم فيها ورديته فى الخامسة صباحا وحتى الثانية ظهراً، لينتهى فى جراج إمبابة؛ ليبدأ فى اليوم الثانى نفس الطريق.

وأضاف ''بيومي''، أن الازدحام يوماً بعد آخر جعل العمل أصعب، فمثلا ''لو الطبيعي إننا بنعمل 3 أدوار في اليوم، بقينا وسط الزحمة نعمل دورين فقط، ودة بيأثر على الشغل''، لم يسلم بيومي من شقاء المواصلات؛ فهو يعود للمنوفية؛ حيث يسكن كل يوم، ويأتي منها صباحًا أيضا، فيستغرقه الطريق ساعتين للوصول.

''عادل''، أحد سائقي الأوتوبسات بالموقف، وقف أمام موتور حافلته، يحاول إصلاحه، ورغم أنه لم يتعين بالهيئة سوى منذ عامين فقط، إلا أن المشاكل واجهته أيضا، فبالإضافة للمشاكل التقنية في الأوتوبيسات والتي تتكرر بسبب قدم المحركات، هناك مشاكل الركاب، فعلى حد قوله ''كل واحد عايز ينزل بمزاجه، انا ببقى ماشي عالمحور، مينفعش أقف في وسط الطريق بسهولة، ولما بنعترض بيشتمونا ويبهدلونا''.

يعمل ''عادل'' على خط التحرير زايد، ولا يعاني في العمل حتى تحين السابعة والنصف أو الثامنة صباحًا؛ فهو وقت الذروة والطرق تُصبح أعقد كثير، خاصة ''المحور بيبقى واقف تمامًا''، كما أنه يقطن خلف الجراج الذي تتواجد به سيارته، ولكنه يضطر للاستيقاظ الثالثة فجرًا، كي يبدأ عمله في الخامسة.

مُرتب ''عادل'' لا يتعدى الـ195 جنيه، ولولا الحوافز لما استطاع أن يعيش ويبني أسرة، ورغم صعوبات المهنة، فهو يضمن معاش في النهاية.

على دكة الانتظارموقف

جلس ''طه'' على مقعد في الموقف، شاب مصرى أسمر، يمد بصره بعيداً فى انتظار قدوم الحافلة 160، والتى ستقله من التحرير إلى مسكنه بصقر قريش.

''الأتوبيس من غير معاد''، هكذا وصف ''طه'' حال الحافلة التي تقله يوميًا؛ ففي الذهاب والإياب لا يعرف رفاهية انتظام المواعيد في الأتوبيس، لتضيع ساعات من عمره فقط في الانتظار ''الأتوبيسات مش مكفّية الناس.. هنعمل إيه''.

أما ''رجب'' الذي جلس غير ببعيد عن مكان طه؛ فيرى أن مصر تفتقد منظومة كاملة لأتوبيسات النقل العام، ''رجب'' يعمل في ''المعمار''، يأتي إلى القاهرة بشكل غير منتظم بسبب عمله، لكن يكون عليه الانتظار في الموقف كغيره.

يعتقد ''رجب'' أن ارتفاع الأجرة في الميكروباصات، أفضل من الانتظار، قائلًا: ''جنة الأتوبيس ولا نار الميكروباصات''، مضيفًا أن الأتوبيسات على الخط الواحد قليلة ''زمان كانت الأتوبيسات كتيرة، دلوقت لو أتوبيسين ثلاثة على الخط يبقوا كويسين جدًا''.

''211 قليوب''، أتوبيس تتمنى ''سحر'' أن يعلن قدومه إلى محطة ''عبد المنعم رياض''، وهي موظفة تعمل في إحدى شركات القطاع الخاص، تتضمن رحلتها اليومية ساعة أو اثنتنان تضيعان في الانتظار.

''أغلب الأتوبيسات بتروح إلى منطقة المؤسسة فقط، ولا تستكمل الطريق إلى قليوب، والسواق بيجى ينزل الراكب قبل نهاية الخط''، تلك كانت أزمة ''سحر''؛ فأغلب الأتوبيسات على خط ''قليوب'' لا تكمل الطريق إلى النهاية، تتعرف ''سحر'' على الأتوبيس الذى سيكمل رحلته من كلمة ''قليوب'' المكتوبة على ظهر الأتوبيس، لكنه لا يأتى كثيراً، فيجعلها تنتظر وقتاً أطول.

اللحظات الطويلة على ''سحر'' تهونها المناقشة مع زميلة عملها ''سهام''، والتي تنتظر هي الأخرى الأتوبيس الذي سيقلها إلى مدينة المقطم، والتي تفضله عن ركوب ثلاث ميكروباصات متتالية بأضعاف الأجر، وتقول ''الميكروباص بياخد تقريبًا 3 جنيه في العودة وخمسة جنيه في الذهاب، أكيد لما استنى الأتوبيس أحسن وأوفر''.

طول فترة الانتظار لم تكن فقط شكوى ''سحر'' و''سهام''، لكن أيضًا الزحام الشديد في الاتوبيس يضايقهما، بجانب عدم توفر المواصلات مساءً، فبعد الثالثة عصرًا، تشتكي السيدتان من عدم توافر أتوبيسات هيئة النقل العام.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان