''عاطف وعبد الفتاح''.. أيادٍ ملطخة بمخاطر ''الصرّف''
كتبت - دعاء الفولي:
ثلاث أسياخ أو أربعة، قطع قماش، حذاء سميك طويل الرقبة تحسبًا للظروف، أدوات عمل مكتملة، يخرجا صباحًا، ولا يعرفان إذا كان هناك احتمال للعودة بمال أم لا، ولا يستطيعان تقدير حجم خسائرهما الجسدية في ظل عمل كهذا، لكن على كل حال، تمنيات الحصول على الرزق لم تبرح قلبيهما.
عامل الصرف الصحي في مصر عليه تُقبل ظروف مهنة تهدد حياته، ولكن يختلف الأمر بين عامل الصرف الحر والعامل الحكومي؛ فالأول ليس لديه تأمين أو تعويض عند وقوع حادث، كما أن الأدوات التي يمتلكها لا تُذكر نسبة لأدوات العامل الحكومي المتطورة، ورغم دراية العامل الحر بمشاكل المهنة؛ فهو لا يجد طريقًا آخر لكسب الرزق سوى المخاطرة.
صباحًا أو ليلًا، الوقت لا يهم، طالما أن هناك عمل ينتظر؛ ''عبد الفتاح سلطان''، ذو الـ67 عامًا، عمله في تنظيف ''بالوعات'' الصرف الصحي غير مرتبط بمؤسسات حكومية، ورغم عدم خبرته الطويلة في تنظيف ''البالوعات'' إلا أن الظروف المعيشية لم تسمح له بالاختيار.
''أعمل إيه.. مفيش حل تاني قدامي''، قالها ''سلطان''، مضيفًا أنه مع خطورة تنظيف ''البالوعات'' أثناء الليل؛ فالمال الذي يتقاضاه لا يتعدى العشرين جنيهًا في المرة الواحدة، وأحيانًا قد يستغرق العمل يومين كاملين، ولا تزداد أجرته في المقابل إلا جنيهات قليلة على ذلك المبلغ، وقد يمر أسبوع كامل دون عمل.
رحلة ''سلطان'' بدأت مع الصرف الصحي منذ سبع سنوات؛ عندما قرر الاستغناء عن كونه عامل بناء، بسبب تراجع سوق المهنة، ومع الوقت تعلم كيف ينظف ''المجاري''، وكيف يكتسب زبائن بمنطقة الهرم؛ حيث يقطن هناك.
بالإضافة لضعف أجر ''سلطان''، فقد تعرض لأكثر من حادثة أثناء عمله ''كنت بصلح بير، وقعت على السلم بتاعه، واتكسرلي ضلع''، ورغم ابتسامة ''سلطان'' عند تذكر الحادثة التي مر عليها سنين، إلا أنه لا يزال متأثر جسديًا بها، بجانب إصابة أخرى أدت لكسر إصبع قدمه اليمنى عندما سقط عليه غطاء ''بالوعة''.
أحلام الرجل الستيني بسيطة مثله، لا يريد سوى شقة تأويه وولديه، الذين لا يعملان، رغم أن عمريهما تجاوز العشرين عامًا، ومعاش حكومي يكفيه؛ فهو لا يحصل سوى على 300 جنيه من وزارة التضامن الاجتماعي، ضمن ما يسمى بـ''معاش السادات'' للأسر الفقيرة، أما عمله في ''المجاري''، فهو لا يضمنه ليوم قادم.
''عاطف محمود''، صديق ''سلطان'' المقرب، ورغم أنه أصغر من صاحبه بما يقرب عقدين من الزمان، إلا أن المهنة جمعتهما ''محدش فينا بيخرج يشتغل من غير التاني، والرزق بيتقسم علينا''.
''فواعلي'' هي مهنة ''محمود'' الأولى أيضًا، تركها بسبب كسر ذراعه إثر سقوطه عليها في أحد مواقع البناء ''ركبولي 16 مسمار طبي فيها''، ومع عدم عودتها للعمل بكفاءة، اتجه للعمل بـ''المجاري''؛ فهي ''أهون من الشغل بتاع البناء''.
''محمود''، عمره لا يتجاوز الخامسة والأربعين، لديه من الأبناء ثلاثة، إحداهما متزوجة، بينما الثانية والثالثة؛ فلا تقدران على تحمل نفقات المعيشة، ورغم سكنه في غرفة واحدة بأحد العمارات، إلا أنه ''بدفع 300 جنيه في الشهر''.
يعتقد ''محمود'' أن ''المهنة مش مكفية سد جوعنا، وكمان صعوبة أحوال البلد أثرت علينا''؛ فنسبة الأمن اضمحلت في السنوات القليلة الماضية، لكن لحسن حظ الصديقين، لم يتعرض أحدهما لمشكلة تتعلق بالأمن الشخصي من قبل ''الناس عارفين إننا في حالنا وملناش دعوة بحد''.
يبتعد ''محمود'' و''سلطان'' عن كل ما يخص السياسة والأحوال العامة، فالأهم هو ''الرزق، وبنصح ولادي دايمًا يبعدوا عن المظاهرات واللي بيحصل كل يوم''.
ربما يفقد ''محمود'' المال أحيانًا، بسبب تفاديه أخطار أخرى ''في مرة ضاع مني أدوات تسليك بحوالي 500 جنيه، بعد ما وقعت في البلاعة، وكان عمقها 8 متر، منزلتش وراها طبعًا، حياتي أهم من الفلوس اللي راحت''.
بلدة الصديقين الأصلية هي مدينة الفيوم، خرجا منها منذ أكثر من عشرة أعوام بعد أن أضناهما البحث عن أرض يمتلكانها ببلدتهم ليزرعانها، بالإضافة لاضطرارهما ترك بحيرة ''قارون'' والتي كانت مصدر عملهما؛ فهما في الأصل ''صيادين.. زي آباءنا وأجدادنا''.
رغم لجوئهما للمدينة واستقرارهما بكل مهنة فترة، إلا أنهما لا يمانعان في أي وظيفة أخرى بعيدًا عن تنظيف بالوعات الصرف الصحي ''طالما هتبقى شغلة شريفة وفيها أكل عيش''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: