فنادق ''وسط البلد''.. هنا سكن ''الخواجات'' والفنانون
كتبت - دعاء الفولي ورنا الجميعي:
في الزمن القديم، عندما لم يكن هناك فنادق بهذه الارتفاعات الشاهقة، كانت فنادق ''وسط البلد''؛ حيث لا يعلوا ارتفاع الفندق كثيرًا؛ بينما ترتفع مكانته بين ''أكابر'' مصر والبلاد الأخرى، وحيئذ، لم يكن هناك مناص من تشابه الفنادق مع معمار وسط البلد، فتتعانق أرواح المبانٍ؛ حتى لكأن الناظر لا يفرق بين شكل الفنادق والعمارات إذا ما مر.
وإذا كان الزمن يفقد الأِشياء رونقها؛ فبريق فنادق وسط البلد، لم يخبُ كثيرًا، وإن بهتت ألوانها، أو تساقطت أجزاء من جدرانها، أو تراجعت نسبة النزلاء فيها، ولولا التخاذل عن الاهتمام بها، لكانت إطلالتها الساحرة تغرد كما كانت من قبل.
''كوزموبوليتان''.. من كل الجنسيات
تخطو على سجاد أحمر مفروش بطول سلم الفندق، يقوم حارس المبنى بتفتيشك، يُقابلك زجاج يُشبه مداخل المطاعم والمحلات بأفلام الأبيض والأسود، تقوم بدفعه لتمر للداخل؛ فتشعر وكأنك داخل فيلم من الماضي، النجف الفخيم ومدفأة يعلو رخامها التحف ومرآة كبيرة حوافها مزخرفة.
فندق ''الكوزموبوليتان''؛ يزيد عمر الفندق عن المئة بإحدى عشر إضافية، عام 1902 بناه الإيطالي ''ألفونس ساسو'' وقام بتسميته ''متروبوليتان''، وأداره البلجيكي ''بهلر'' وهناك ممر في وسط البلد حتى الآن يسمى بهذا الاسم.
بعدها تولى إدارته ''لويجي ساسو'' عام 1958 وقام بتغيير اسمه إلى ''كوزموبوليتان''، ويعني ''متعدد الجنسيات''، وكمعظم العقارات الأخرى، في عام 1961 تم تأميم الفندق، والآن تتم إدارته من قِبل إحدى الشركات.
''سوزي''، إحدى العاملات بقسم الاستقبال في الفندق، عملت لمدة عشرين عامًا به، وتحدثت عن ساكني الفندق من مشاهير الماضي ؛ حيث أقام به الملك فاروق واللوردات الإنجليز، كما سكنه الفنان رشدي أباظة، الذي كان يمتلك شقة جانب الفندق وقام بإضافة غرفة من غرف الفندق إلى شقته.
أما عن الوضع الحالي للفندق فتقول ''سوزي'' أن رواده الآن ليسوا من المشاهير، وهم أجانب من جنسيات مختلفة وعرب ومصريون، وقد تدهور وضعه بعد الثورة.
''أحمد''، أحد العاملين بالفندق، والذي تعوّد أن يحكي للنزلاء عن المكان أحيانا؛ قال إن الفندق لم يتغير منذ بنائه سوى ألوان الجدران التي يتم ترميمها حتى لا تتآكل، وبالطابق الأرضي، بجوار قسم الاستقبال يوجد صالة مفروشة بالسجاد الأحمر والستائر البيضاء، يجلس بها رواد الفندق، وبها مجموعة من المناضد الرخام، وبعض الصور توضح أماكن للقاهرة في الماضي.
وهناك ''مطعم اللوردات'' العنوان مطلي بالذهب، مكان آخر بالفندق للطعام، صالة واسعة وسقف عالي يتدلى منه النجف، بها العديد من الطاولات؛ الفندق يتكون من 6 طوابق و 13غرفة، كل طابق يتكون من جزئين بينهما صالة صغيرة، ويقول ''أحمد'' ضاحكًا إنهم يتشاءمون من رقم 13 لذا يقولون 14 غرفة.
''كلاريدج''.. انتكاسة فندق
عمارة قديمة ضخمة، يكسو التراب واجهتها، ليس لها اسم محدد، مدخلها قديم، به مصعد متهالك، وعلى المصعد إعلان كبير عن وجود فندق في الطابق الثالث.
وفي الطابق المذكور، وضعت لافتة كبيرة على السلالم، كتب عليها ''إلى الفندق''، وسهم يشير إلى لافتة أخرى طبع عليها ''فندق كلاريدج'' بخط واضح، وكالعقار بدا الفندق من الداخل، فرغم نظافته، إلا أن روح التاريخ طغت على كل شيء فيه، بداية من مكتب الاستقبال الخشبي، ومرورًا بأبواب الغُرف المرتفعة ذات الألوان الباهتة.
أما مساحة الفندق، فلا تتعدى مساحة شقة كبيرة، لكنه ورغم ذلك احتفظ بـ''كافتيريا'' كبيرة، وضع على مدخلها خريطة مصر، وبعض التعليمات العامة، وبشكل عام، لا يحتاج أحد سوى لإلقاء نظرة على الفندق ليفهم أن عمره تجاوز المائة عام.
''أيمن الإتربي''، صاحب ''كلاريدج''، والذي ورثه عن والده، قال إن تاريخه يرجع لعام 1890 من تاريخ العقار نفسه؛ حيث اشتراه أحد اليهود الفرنسيين، وهي سيدة تُدعى ''أنا بكسيمارس''، وعقب ثورة 1953، تم تأميم العقار كغيره وأصبح ملكًا لشركة مصر للتأمين.
''كلاريدج'' هو اسم شارع في عاصمة البريطانية لندن، وقد اشترى ''حسن الأتربي'' الفندق من صاحبيه عقب التأميم، وتولى أمره الابن منذ حوالي 40 عامًا.
الوضع الحالي للفندق ليس جيدًا، فقد انعدم الزوار تقريبًا ''كان قبل الثورة بيجيلنا سياح يونانيين وفرنساويين، ويهود أجانب وعرب، دلوقتي محدش بييجي''، قالها ''أيمن''، موضحًا أن تراجع وجود النزلاء، ليس بسبب الثورات فقط، بل بسبب انعدام الأمن في الأساس.
الحالة العامة للعقار الذي يتواجد به الفندق، جعلت أصحابه يرفضون استلامه مرة أخرى ''في وقت مبارك، الحكومة طالبت اليهود ييجوا يستلموا ممتلكاتهم اللي اتأممت، وعندما عاد المالكون، وجدوا حالة العقار سيئة، من حيث البنية التحتية، والزخارف والشكل الخارجي، فلم يستلموه وعادوا لبلدهم.''، حسب قول ''أيمن''.
حال معمار العقار ككل والفندق، تغيرا منذ فترة طويلة، فلم يهتم السكان بشكله، على حد قول ''أيمن''، كما لم تهتم شركة مصر للتأمين، بإعادة تجديده أو إحياءه، خاصة مع أقدميته، وليس ذلك فقط؛ بل ''الشركة رافعة قضايا على 90 % من السكان في العقار عشان تمشيهم وتستغل هي الشقق''، حسب قول ''أيمن''.
قبل حالة الانتكاسة التي حلت بالفندق، كان يأتيه العديد من المشاهير، رغم عدم استقلاله بمبنى خاص، وكان له مكانة خاصة عند البعض كالرئيس الفلسطيني الراحل ''ياسر عرفات''، الذي نزل فيه عدة مرات عندما كان في مصر.
العامل ''محمد فؤاد''، والذي لا يعرفه الناس إلا بـ''عم رجب''، استدعى ذكريات الماضي في فندق ''كلاريدج''؛ حيث عمل لمدة ثلاثين عامًا، فقال ''المكان كله كان مليان أجانب وعرب، بس دلوقت مبقاش حد ييجي زي الأول، حتى المسجد كان مليان ناس لآخره دلوقت مفيش حد''.
وأشار عم رجب لكافتيريا الفندق التي كان يأتيها الرواد لا للأكل فقط ولكن النوم أيضًا، مضيفًا: ''الأجانب كانوا بيناموا حتى في الكافيتريا بسبب العدد''، حسب قول ''عم رجب''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: