يوم واحد بين وفاة ''طنطاوي'' و''كيرلس''.. سنوات في خدمة ''الأزهر والكنيسة''
كتبت - نوريهان سيف الدين:
يوم واحد في ترتيب أيام الشهر يفرق بين الذكرتين، و39 عاماً تفرق بين رحيل الأول ولحاق الثاني به، بالأمس مرت الذكرى الثالثة لوفاة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الراحل ''محمد سيد طنطاوي''، واليوم تحل الذكرى الـ42 لوفاة البابا ''كيرلس السادس'' بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية .
عاش ''طنطاوي'' و''كيرلس'' فترة من أهم فترات مصر، وشهدا على عدد من الأحداث في أكبر الكيانات الدينية ليس فقط في مصر، بل في العالم أجمع.
على أرض مصر في مدينة دمنهور، ولد ''عازر يوسف عطا'' في 8 أغسطس 1902، ونشأ في أسرة ملتزمة دينيا، أحب الصلاة والاطلاع على علوم اللاهوت، وسمت روحه بالخلوة والتأمل في الملكوت منذ صغر سنه حتى بلغ 25 عاماً، حين قرر أن يسلك مسالك الرهبان.
في البداية، قاومت الأسرة الشاب ''عازر'' الموظف في أحد الشركات الإنجليزية أن يصبح راهباً، وحاولت إثنائه عن قراره، إلا أنه كان قد عقد العزم أن يصبح خادما للرب وحاملاً لرسالته، والتحق بدير البراموس عام 1927، وتمت رسامته ''قسا'' في 1931 وتسمى بـ''كيرلس''، بعدها درس بكلية الرهبان اللاهوتية بحلوان، ليهاجر إلى أحد الطواحين المهجورة في صحراء مصر القديمة، ويتخذها ''مقلاة'' تعبد واعتكاف في 1936.
بعد عام ومن خلال النذور ''الصدقات'' القليلة، يشرع ''عازر'' في بناء ''كنيسة القديس مارمينا'' بمصر القديمة، وكان يقوم بالبناء بنفسه مع العمال، في 10 مايو 1959، اعتلى ''عازر'' كرسي البابوية، وبعد 50 يوماً من عهده تعود الكنيسة الأثيوبية لأحضان ورعاية الكنيسة المصرية، وقبل نهاية العام يرسي حجر الأساس لدير الشهيد ''مارمينا العجايبي - أحد شهداء المسيحية الأولى في مصر'' بصحراء مريوط.
علاقته بالسياسة كانت مثار إعجاب، ولم تقتحم الكنيسة معترك السياسة، علاقته بالرئيس ''عبد الناصر'' كانت طيبة للغاية، وفي عهده تم بناء ''الكاتدرائية المرقسية بالعباسية'' وحضر افتتاحها ''بد الناصر'' والإمبراطور الحبشي ''هيلاسيلاسي'' في 25 يونيو 1968، وفي اليوم الثاني نقل لهيكل الكنيسة رفات القديس ''مارمرقس'' وأقيمت الصلوات عند المذبح ابتهاجا بعودة رفات القديس لمصر بعد قرون من سرقتها.
الرحيل كان في 10 مارس 1971، بعد فترة من المرض حرص فيها ألا تنقطع خدمته لتلاميذه والقادمين لالتماس صلواته للشفاء، وفي 25 نوفمبر 1972 ووفقا لوصيته، تنقل رفاته إلى ''دير الشهيد مارمينا'' بمريوط؛ حيث بدأ سني رهبنته الأولى، ويشيع في احتفال جنائزي مهيب وسط دفء المصريين.
على نفس الأرض الخصبة ''مصر'' ولد ''محمد سيد طنطاوي'' في 28 أكتوبر 1928 بإحدى قرى سوهاج، انتقل في صغره من الصعيد للإسكندرية، و أتم حفظ القرآن الكريم هناك، درس الفقه المقارن وجاءت رسالته للعالمية ''الدكتوراه'' لدراسة رسالة ونبوءة سيدنا سليمان.
تولى ''طنطاوي'' مهام ''مشيخة الأزهر الشريف في الفترة من 1986 ولمدة 10 سنوات خلفاً للمفتي السابق الشيخ الدكتور ''عبد اللطيف عبد الغني حمزة''، وبوفاة شيخ الأزهر الإمام الأكبر ''جاد الحق علي جاد الحق'' خلفه ''طنطاوي'' وأصبح شيخ الأزهر الشريف - أكبر وأعرق مؤسسة دينية في مصر والعالم الإسلامي - وذلك منذ 1996 وحتى وفاته في 2010.
شهد الأزهر الشريف في عهده صعوداً وهبوطاً ومجالاً واسعاً في الفتوى وإبداء الرأي الفقهي، وكان لزاماً على ''شيخ الأزهر'' أن يبدي رأيه في بعض القضايا السياسية خاصة مع تصاعد الهجمة على مسلمي العالم في البوسنة وأفغانستان والعراق، وانصراف الأسئلة إلى وجوب فريضة الجهاد و محاربة الجيش الأمريكي وحماية مستضعفي المسلمين، إلا أن بعض فتواه جاءت مخيبة للآمال، واتهمه الشارع بـ''تسييس الفتوى لصالح السياسة العامة للدولة''، إلا أنه رأى أن ''اختلاف الفقهاء رحمة للأمة''.
مؤلفات وكتب دينية كثيرة صاغها الإمام الراحل، وحلقات إذاعية و تليفزيونية ''حديث الروح'' ظلت تبث بصفة يومية، يلقي فيها أحاديث حول التفسير والفقه والعلوم الشرعية، إلا أن الأضواء كانت تركز عليه في كل مرة تخرج فتوى تمس القرارات السيادية، وكانت ''فتوى منع الحجاب في فرنسا''، و''مصافحة بيريز''، و''فتوى جلد الصحفيين بعد حادث ابراهيم عيسى وأخبار موت مبارك'' هي أكثر ما أخذ على الإمام الراحل.
علاقة ''الإمام الأكبر'' بالكنيسة كانت مثار إعجاب من رعاة الحوار الوطني ومحبي الوحدة الوطنية بين عنصري الأمة، وعمل طوال سنين عمله داخل مؤسسة الأزهر على التقريب بين المسلمين والمسيحيين والحديث من منطلق وسطية الإسلام ونفي شبهة العنف عنه، وتأتي النهاية فجأة أثناء سفره لحضور تسليم جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام بالسعودية، ويتوفى في 9 مارس 2010، ويدفن بمقابر البقيع هناك، وتنعاه المؤسسات و الجماعات الدينية في مصر وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين و ''البابا شنودة''.
فيديو قد يعجبك: