إعلان

حكاية ''القطارات'' في مصر.. من دخول ''العفريت'' إلى ''باب الحديد''

01:56 م الإثنين 30 سبتمبر 2013

كتبت - نوريهان سيف الدين:

157 عامًا على القضبان، آلاف الرحلات سنويًا يقطعها هذا ''العفريت'' الحديدي على شبكة ممتدة في سائر أنحاء مصر، تماثل تمامًا ''العروق داخل الجسد''، صفارات قدوم ورحيل لا تنقطع معلنة عن وجهة جديدة للقطار، ومحطة يسكنها مؤقتًا، لا يلبث أن يغادرها محملا بمئات من البشر، ومع كل رحلة تبدأ حكاية، إلا أن حكاية اليوم هي حكاية ''خط القاهرة - الإسكندرية'' نفسه.

ميلاد ''القطار'' في ''منجم فحم''

''القطار''.. ظهر لأول مرة بإنجلترا في 1814، وأصبح وسيلة مواصلات بعد مد خط (ليفربول/مانشيستر) في 1830، على يد الإنجليزي المهندس''جورج ستيفنسون'' صاحب أحد مناجم الفحم، وبعد 20 عامًا، كانت ''مصر'' هي ثاني بلد على مستوى العالم يدخلها القطار مطلع خمسينات القرن الـ19.

فكرة ''الباشا'' ألغتها ''مطامع الاستعمار''

فكرة (السكة الحديد) بدأت قبل ''قناة السويس''، منذ عهد ''محمد علي باشا''، بعد أن عرضت عليه ''إنجلترا'' مد خط قطار يربط بين ''السويس و الإسكندرية''، لتسهيل حركة التجارة ونقل البضائع، بدلا من تفريغها من السفن و تحميلها على (الجمال) إلى الميناء الآخر، لكن ''فرنسا'' وقفت بالمرصاد لهذه الفكرة منافسة لإنجلترا و طامعة في مصر، ونجحت في إثناء ''الباشا'' عن فكرة ''القطار''، لتنجح بعدها من خلال ''الفرنسي ديليسيبس'' في تنفيذ فكرة ''شق قناة السويس'' وإدارتها من خلال شركة فرنسية.

دخول ''العفريت'' لمصر على يد ''أفندينا''

في أواخر سبتمبر 1856، انتهى العمل في مد أول خط (سكة حديد) يربط القاهرة بالإسكندرية، وذلك في عهد ''الخديوي عباس حلمي الأول - حفيد محمد علي باشا''، بعد توقيع العقد مع ''روبرت ستيفنسون'' نجل ''جورج ستيفنسون''، وكان هذا التعاقد في 1851، ليبدأ العمل في سبتمبر من العام التالي، ويتكلف (56 ألف جنيه استرليني) مقسمة على أقساط قيمة كل قسط (8 آلاف جنيه استرليني)، وتتكفل الحكومة المصرية بتوفير العمال (بلغوا 24 ألف عامل) و الخيام و الأدوية، و توفر الشركة الإنجليزية المهندسين و عربات القطار و الجرارات البخارية.

''كفر الزيات'' بديلاً لـ''زوارق'' ترعة المحمودية

حفل افتتاح مهيب شهده ''أفندينا عباس الأول'' و كبار رجال الدولة و قناصل الدول الأوروبية، دشن فيه أول قطار متجه من ''محطة مصر'' إلى ''كفر الزيات- انتهى العمل بها في 1853''، في الطريق إلى الاسكندرية، مارا بـ12 محطة هي المحطات المعروفة الآن، مختصرا زمن الرحلة من 40 ساعة إلى 7 ساعات فقط، بعد أن كان الانتقال للإسكندرية يتم عن طريق الزوارق في (ترعة المحمودية) أو نهر النيل ثم البحر.

مراحل تطور ''القطارات'' في مصر

في عهد ''الخديوي اسماعيل''، تم مد خط (القاهرة/حلوان) في 1872، و كذلك أدخل ''التروماي'' لشوارع القاهرة و الإسكندرية، بإدارة من شركتين فرنسية و بلجيكية.

أثناء ''الحرب العالمية الأولى''، وبعد إعلان الحماية البريطانية على مصر، فكرت بريطانيا في إقامة خط (شرق القنطرة/غزة) ليربط بين ''مصر و فلسطين'' لنقل الذخائر و الجنود، و بالفعل؛ حصلت على موافقة من الشركة الفرنسية المديرة لقناة السويس، بمد جسر حديدي فوق القناة، لربط خطي (القاهرة/السويس) بـ(سكك حديد فلسطين) مباشرة، بشرط تفكيك الجسر بنهاية الحرب، و اكتمل الخط في 1918.

''ثورة يوليو'' اهتمت بخطوط السكك الحديدية لنقل المواطنين، و زاد الاهتمام بالقطارات أثناء ''بناء السد العالي''، لنقل العمال و المهمات اللازمة لإنجاز هذا المشروع القومي العملاق.

''إسرائيل'' و ''القضبان'' و ''خط بارليف''

بعد حرب 1967 واحتلال سيناء، قامت القوات الإسرائيلية بتفكيك خط القطار الواصل إلى رفح، واستخدمت قضبانه في تدعيم أعمدة خط بارليف، و حتى الآن لم يظهر الخط مرة ثانية، وقطع الخط الرابط بين مصر و فلسطين و بلاد الشام المنشأ منذ عهد ''الدولة العثمانية''، وانتهى معه مشروع ''قطار الوطن العربي'' الممتد بموازاة ساحل المتوسط من ''المغرب'' و حتى ''سوريا''، بعد أن احتلت ''إسرائيل'' أرض فلسطين.

''سكك حديد مصر''.. الأكثر حيوية لدى المصريين

انتشر ''العفريت - كما أسماه المصريون''، وتم مد خط (القاهرة/السويس) في 1858، ثم (القاهرة/ بورسعيد) في 1860، ثم (القاهرة/ أسيوط) 1874، ثم إلى (الأقصر) 1898، ليخترق حدود السودان إلى (وادي حلفا) في 1926، وتمتلك مصر الآن 28 خطا حديديا، وصل طولها لأكثر من 9750 كم، من خلال 760 محطة ركاب بجميع أنحاء الجمهورية، يسير عليها ما يفوق 1800 قطار، يعملون على تلك الخطوط ذهابًا وإيابًا، تنقل أكثر من 1.5 مليون راكب يوميًا، مما يجعل ''القطارات'' الوسيلة الأكثر حيوية، و''السكة الحديد'' أهم مرافق النقل العام في مصر.

متحف سكك حديد مصر.. ''المنسي''

هو الأول في مجاله خارج الولايات المتحدة و أوروبا، و ثاني متحف ينشأ للسكك الحديدية في العالم بعد ''متحف انجلترا القومي''، و يكفي القول أن مثيله في الولايات المتحدة مرفوع فيه تمثال ''ستيفنسون'' مبتكر القطار الإنجليزي.. المتحف افتتح في 1932 في عهد ''الملك فؤاد الأول''، بمناسبة انعقاد ''مؤتمر السكك الحديدية'' بالقاهرة في 1933.

المتحف يعاني تجهيلا شديدا، حتى أن الكثير لا يعلم أن هناك متحفا لسكك حديد مصر، موضوع به تحف و مجسمات صغيرة لأوائل القطارات المسيرة بمصر (مثل قطار الخديوي اسماعيل و العربات الملكية)، وكذلك صورًا هامة من تاريخ مصر (مثل صورة زيارة الملك فؤاد برفقته ملك وملكة بلجيكا، و زيارة ''الأمير فاروق'' لمحطة مصر).

المتحف الكبير متوسط زيارته شهريا حوالي (700 زيارة)، ولا يأتي لزيارته سوى قليل من (الرحلات المدرسية)، أغلبها تلك التي تقوم بها ''مدارس الرهبان'' بمصر، و اغلبها من مدارس المحافظات، حتى أن هناك ''مدرسة بأسوان'' تقوم برحلة سنوية ثابتة للقاهرة، و ''زيارة متحف السكك الحديدية'' أحد محطاتها الثابتة ببرنامج الزيارة.

زمان ''باب الحديد''.. الآن ''محطة مصر''

أول محطة خرج منها القطار كانت ''محطة المحروسة - القاهرة''، وكان مقرها هو الحالي بميدان رمسيس العريق، وبجوارها تقع أكبر ورشة لإصلاح الجرارات و القطارات ''ورشة الشرابية''، وكانت وجهة القطار هي ''محطة الإسكندرية''، وأطلق عليها أيضا (محطة مصر) كمثيلتها بالقاهرة، و أضيف إليها هناك ''محطة سيدي جابر''.

على مدار السنوات، اشتهرت ''محطة مصر'' بـ''محطة باب الحديد''، و اكتسب الميدان اسمه و شهرته منها ''ميدان باب الحديد''، و تغيرت صورتها مرات كثيرة، بعد أن كانت (الحمير) هي (ركوبة) المسافرين و وسيلة نقل أمتعتهم، مرورا بـ(التروماي) الممتد بأنحاء القاهرة، وصولا إلى (مترو الأنفاق) بخطوطه الثلاثة الآن، بجانب ''موقف المكروباصات'' و المواصلات العامة و الأجرة و الخاصة.

''أجنبي و مصري'' .. رؤساء السكة الحديد

أولهم الإنجليزي ''ريتشارد''، والذي اعتنق الإسلام و عاش بمصر حتى وفاته، ثم الأرميني ''نوبار باشا''، ثم ''محمد سعيد باشا''، تلاه الإنجليزي ''بوناهيت''، لتنتقل الإدارة بعده للمصريين منذ 1933، أولهم ''محمد شاكر باشا''.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة واغتنم الفرصة واكسب 10000 جنيه أسبوعيا، للاشتراك اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان