''الإقامة الجبرية''.. لعنة حكم مصر على ''نجيب ومبارك ومرسي''
كتبت - نوريهان سيف الدين:
''حكم مصر لعنة''.. مقولة أطلقها حكام مصر قبل أن يصدق عليها الشعب بنفسه؛ فبين ''لعنات الفراعنة'' وانتهاء حياتهم بشكل غامض أحيانًا، مرورًا بالاغتيالات والانتحار، وصولاً إلى ''الخلع عن الحكم''، وربما ''الجنون''، كما حدث مع ''محمد علي باشا''، والي مصر، بعدما صدر فرمان ''خلعه عن ولاية مصر''، إلا أنه في التاريخ الحديث تعلق في أذهان الشعب المصري نهاية ''الخلع وتحديد الإقامة'' مع ''ثلاثة رؤساء''.
''نجيب ومبارك ومرسي''.. الأول جنرال عسكري جاء من خلال ''انقلاب عسكري'' أبيض اكتسب مذاق الثورة بتأييد الجماهير لمن قاموا به ''الضباط الأحرار''، إلا أن إصراره على ''الديمقراطية'' أمام رؤية ''الضباط'' لوجوب تمديد بقائهم في الحكم وضعه في صدام معهم، وكانت علاقته الطيبة مع ''الإخوان'' وبالاً عليه، وانتهى به الحال بشكل مأساوي بعد ''إلقاء القبض عليه'' و''عزله عن منصبه'' و''تحديد إقامته'' يعيش وحيدًا مع ''كلب''.
والثاني ضابط بالقوات الجوية، تدرج في الرتب العسكرية إلى أن صار ''فريق'' شارك في ''حرب أكتوبر'' بصفته ''مدير مدرسة الطيران''، لتضعه الأيام في منصب ''نائب رئيس الجمهورية''، ثم ''الرئيس'' بعد اغتيال ''السادات''، ليصبح ''مبارك'' أكثر الرؤساء حكمًا لمصر ''30 سنة''، شهدت فيها مصر تحولات كثيرة على كافة الأصعدة، وانتهت بمشهد درامي أبهر العالم على نغمة ساحرة ''ارحل يا مبارك .. الشعب يريد إسقاط النظام''.. ليسقط النظام''، ويرى الشعب ''مبارك داخل الزنزانة'' وأفراد نظامه، ثم تحت ''الإقامة الجبرية'' بعد إخلاء سبيله على ذمة القضايا التي وجهت إليه عقب ثورة 25 يناير من قتل المتظاهرين والفساد المالي.
والثالث ''مدني'' ودراسته ''الهندسة''، قادمًا من مدرسة ''الإخوان المسلمين، وضعته الظروف ليكون بديلاً عن المرشح ''خيرت الشاطر''، واستمرت الظروف لتضعه منافسًا لـ''الفريق شفيق''، وتصاعد المشهد ليكون ''أول رئيس مدني منتخب'' في الجمهورية المصرية الثانية بعد ''ثورة 25 يناير''، إلا أن ذكرى يوم ''قدومه'' كانت موعد خروج الشعب ليطالب برحيله، ويوضع تحت ''الإقامة الجبرية'' تمهيدًا للتحقيق معه ومحاكمته.. وتبدأ القصة من جديد.
نجيب.. اللواء والديمقراطية و''الكلب''
''السادة أعضاء مجلس قيادة الثورة.. بعد تقديم وافر الاحترام، يحزنني أن أعلن لأسباب لا يمكنني أن أذكرها الآن أنني لا يمكن أن أتحمل من الآن مسؤوليتي في الحكم بالصورة المناسبة التي ترتضيها المصالح القومية، ولذلك فإني أطلب قبول استقالتي من المهام التي أشغلها، وأني إذ أشكركم علي تعاونكم معي أسأل الله القدير أن يوفقنا إلي خدمه بلدنا بروح التعاون والأخوة''.
بهذه العبارات المختصرة قدم محمد نجيب استقالته لمجلس قيادة الثورة في 22 فبراير 1954، وكانت هي الشرارة بينه وبينهم انتهت باعتقاله وتحديد إقامته 30 عامًا، حتى وفاته في أغسطس 1984.
سعي ''نجيب'' لتطهير الجيش والدولة من رموز الملكية الفاسدة، والتأسيس لدولة مدنية دستورية ثم عودة الجيش لثكناته، وعدم إقحامه طويلاً في مهاترات سياسية، إلا أن ''مجلس قيادة الثورة'' آثر البقاء بحجة عدم استعداد البلاد للحياة المدنية، وخوفًا من ''فلول الملكية''.
وكانت هذه أسباب خلافه مع ''المجلس'' بجانب الاختلاف حول ''المحاكم الثورية''، وقرار اعتقال ''مصطفى النحاس'' على رأس قائمة كبيرة بتهمة ''إفساد الحياة السياسية''.
قدم ''اللواء نجيب'' استقالته لمجلس قيادة الثورة، ولكن مظاهرات شعبية خرجت تنادي برجوعه، ليعود بعد 5 أيام مواجهًا مخالفات بعض الضباط، ومصرًا على ''مدنية الدولة والديمقراطية النيابية''، لكن ''أزمة مارس 1954'' دقت جرس الإنذار لاشتعال الخلافات أكثر بينه وبين ''المجلس''، وتدور إشاعات تفيد باتصاله بكوادر ''الإخوان'' لتخطيط ''انقلاب على الحكم''، وإقصاء ''عبد الناصر''، و تخرج مظاهرات العمال ترفض ''الديمقراطية'' وعودة البرلمان، وأيدت بقاء مجلس قيادة الثورة في الحكم لفترة أخرى.
''حادث المنشية أكتوبر 1954'' واتهام ''الإخوان'' بتدبيره، ومحاكمتهم أمام ''محكمة الثورة'' وإعدام عدد من قادتهم على رأسهم ''المرشد حسن الهضيبي''، وبقي ''نجيب'' تحت المنظار حتى يوم ''14 نوفمبر 1954''، ليلقى القبض عليه أثناء توجهه لمكتبه في ''قصر عابدين'' ويقرر ''مجلس القيادة'' إعفائه من منصبه وبقائه مؤقتًا، في فيلا ''زينب الوكيل حرم مصطفى النحاس''، إلا أن الاعتقال طال لثلاثين عامًا، يخرج ''نجيب'' فيها قهرًا من التاريخ والكتب المدرسية، ولا يستطيع الخروج لجنازة ولديه ''فاروق وعلي''، ولا يؤنسه في وحدته سوى ''كلب'' حزن عليه ''نجيب'' بشدة عند موته، ودفنه في حديقة الفيلا كاتبًا على شاهد قبره ''هنا يرقد أعز صديق لي''.
مبارك.. العسكري والمدني و''المخلوع والبريء''
لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع أن تنتهي مسيرة ''طيار حربي'' وصاحب سيرة مرموقة داخل الجيش بهذا الشكل، سيرة وكفاءة أهلته لأن يختاره ''السادات'' نائبًا للرئيس'' بوصفه ''من جيل أكتوبر''، إلا أن الدائرة تدور سريعًا ويسقط ''السادات'' برصاصات أثناء العرض العسكري، ويختير ''مبارك'' رئيسًا للجمهورية، يأبى الرحيل عنها إلا بـ''طلوع الروح''.
''الشعب يريد إسقاط النظام''.. هتاف زلزل ميادين مصر في 25 يناير 2011، بعد 30 عامًا أشتد الظلم والقهر والفقر والمرض و ''قانون الطوارئ'' و''أمن الدولة'' في آخرها، ويخضب ''دماء الشهداء'' مشهد النهاية بقتل المتظاهرين، وتشهد مصر 18 يومًا عصيبًا، تتكلل بـ''قرر الرئيس التخلي عن منصبه''، ويسند الأمر للمجلس الأعلى للقوات المسلحة لإدارة شئون البلاد، ويرحل ''مبارك'' إلى شرم الشيخ، إلى أن يلقي القبض عليه تمهيدًا لمحاكمته.
''محاكمة القرن''.. رغم شك البعض في إمكانية رؤية ''فرعون العصر'' ينال عقابه على سنوات ''عجاف'' انتهت بـ''ثورة شعبية''، إلا أن ''مبارك'' ظهر في أغسطس 2011 أمام القضاء توجه إليه التهم ويرد بـ''أتكرها جميعًا''، وتستمر الأحداث حتى صدور الحكم بالسجن المؤبد له في يونيو 2012، قبل أن تعاد المحاكمة من جديد، ويعلن القضاء ''براءته'' في قضايا القصور الرئاسية وهدايا الأهرام وغيرها، ويخلى سبيله لقضائه ''عامان'' في الحبس الاحتياطي وفقًا للقانون.
يخرج ''مبارك'' وينتظر النطق بالحكم في ''قضية قتل المتظاهرين''، إلا أن الجماهير تغضب لإطلاق سراحه، فقرر نائب الحاكم العسكري وضعه ''تحت الإقامة الجبرية'' وفقًا لقانون الطوارئ، ويحبس الشعب أنفاسه في انتظار الحكم الأخير نحو مبارك.
مرسي و''السجن'' و''الجماعة'' و''الشرعية''
رغم فراره من ''سجن وادي النطرون'' على خلفية فتح السجون والانفلات الأمني عقب ثورة يناير، إلا أن التسجيلات أشارت لتورطه في قضية ''تخابر'' واستعانة بعناصر أجنبية لزعزعة الأمن والسلم العام، ليشاهده المصريون على نفس المائدة مع ''عمر سليمان'' مع أطراف المصالحة الوطنية، بينما الشارع يعج ثائرًا ضد ''نظام مبارك'' والمعارضة ''المريضة''.
''الإخوان مش هترشح حد.. الإخوان رشحت الشاطر''.. قرارات متضاربة لكنها أكسبت ''الإخوان'' تواجدًا في المشهد السياسي، خاصة بعد فوز ''حزب العدالة والحرية'' بالانتخابات البرلمانية، إلا أن ''الشاطر'' لم يستطع الاستمرار بسبب القضايا السابقة والحالة المرضية، ليقرر ''الإخوان'' سحبه وترشيح ''مرسي'' بدلاً منه، وينجح في جولة الإعادة، ويستمر في حكم مصر ''عام كامل'' انتهى في نفس يوم آدائه لليمين الدستورية.
30 يونيو .. الشرعية أمام إرادة المعارضين، ويضع ''الجيش'' كلمة النهاية وقرار الحسم بانضمامه للتظاهرات وقرر ''عزل مرسي''، وتعيين رئيس مؤقت للبلاد، بجانب عدة إجراءات إصلاحية، ويختفي ''مرسي'' عن الأنظار، ويعلن المجلس العسكري عن تحفظه عليه حتى تقرر النيابة وضعه بـ''سجن استقبال طرة''، تمهيدًا لتوجيه اتهامات ''الهروب من السجن، التخابر، الاستعانة بعناصر أجنبية تخريبية''.
فيديو قد يعجبك: