بين المجلات الثقافية في الماضي وحاليا.. فرق "حريات" و"إبداع"
كتبت-رنا الجميعي:
يمر القارئ الشغوف دومًا بالمجلة التي يقوم بشرائها في كل مرة تصدر فيها، يمرر عيناه سريعًا بين طياتها، مبديًا ابتسامة حينما يرى اسم كاتبه المفضل بين زمرة كتاب المجلة، فقد انتظر أيام الشهر بصبر أوشك أن ينفذ، ليذهب مسرعًا إلى بائعه ليشتري المجلة التي استطاعت أن تستميل قلبه بقلمها الأدبي وكتاباتها التي تفرض اهتمامه بها، مؤكد أن ذلك كان حال قارئ المجلات الثقافية في الزمن الجميل، زمن مضى، ليحتل بدلًا منه زمنًا يمر فيه العابرون بجانب الكتب والمجلات دون ذرة اهتمام، لا يعلمون محتواها الثمين، يمرون بجوار كنوز ثقافية اجتهد فيها من مال بهواه لإرثاء حب الثقافة، لكن يُصبح جَهده رهن النسيان أو رهن قارئ متميز مازال يعرف قيمة المجلات.
زمن استطاع فيه الشوام أن يرفعوا من قيمة الثقافة بمصر، كما قال "هشام عطية"، دكتور بكلية الإعلام، وأضاف "ساعدهم على كدا مناخ مثمر ووفرة اقتصادية" مما ساعد الشوام على استغلال مساحة كبيرة للمجلات الثقافية، ذلك في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
استطاعت المجلات الثقافية في ذلك الوقت على استقطاب فئات مهمة من الشعب "المنظومة الثقافية كانت متنوعة"، يحكي "عطية" تسلسل المجلات الثقافية "في فترة الخمسينات ظهرت مجلات تانية"، حيث أنتجت ثورة يوليو مجلات مختلفة "تحولت المجلات لملكية الدولة بعد ان كانت ملكية خاصة"، واصفًا ما حدث من تحول بتأميم الثقافة.
يشير "عطية" إلى ازدهار المجلات الثقافية في ذلك الوقت أيضًا في بلاد الشام "كان عندهم قاعدة ثقافية مهمة"، عاب المجلات كونها كانت تابعة للدولة فقط "الدولة كانت هي الكاتب والناشر والموزع كمان للمجلات"، غير أن ما أفاد المجلات "كانت منتشرة بشكل كبير وحركة النشر كانت قوية"، أضاف على ذلك "ارتفاع نسبة التعليم زاد من ارتفاع مساحة القراءة".
مؤشر الثقافة لم يظل بشكله الإيجابي فترة طويلة "في السبعينات ساء التعليم، وبدأت المجلات الثقافية تقف عشان مبقاش ليها جمهور"، وزاد من سوء حال المجلات الثقافية محاربة أنور السادات لليسار "وبالتالي المجلات الثقافية التابعة لليسار اتقفلت ومنها مجلة الطليعة"، كما قال "عطية".
يستكمل "عطية" حديثه "تمت محاولات لاعادة الحركة للمجلات الثقافية تاني لكن جمهور القراء نفسه انحسر والتعليم ضعف" مما أدى إلى قلة توزيع المجلات وبالتالي تدهور حال المجلات الثقافية نفسه، "التليفزيون توغل وفكرة الكتاب نفسها مبقتش موجودة زي الأول" أشار "عطية"، وكأنها سلسلة ما إن تنكسر حلقة منها حتى تتبعها باقي الحلقات "اتغيرت نظرة المثقف وأصبح منفصل عن الواقع، وبعدها تولى المجلات ناس محدودي القدرات" كل ذلك أدى إلى سوء مستوى المجلات الثقافية.
يُقابل تلك الظروف المتدهورة ظهور مجلات مدعومة في الوطن العربي منها مجلة الكرمل، ويؤكد "عطية" على أن المجلات الثقافية في الوقت الحالي نتيجة لكل تلك الظروف لم يعد لها سوق حقيقى "حتى وجهات نظر اللي تم الاحتفاء بيها فترة، مقدرتش تثمر اقتصاديًا".
الظروف التي مرت بها مصر بعد الثورة ما جعل المجلات الثقافية في حالِ سيء "دا أدى لعدم توازن المجلات الثقافية بسبب عدم انتظام ظهورها، وأفقدها مصداقيتها" على حد قول "جابر عصفور"، الناقد الأدبي، ويؤكد "عصفور" أن قلة الإمكانيات المادية أضعف من المجلات، وأضاف أن المجلات المصرية ليست بحال قوي لمنافسة المجلات الخليجية "عدد واحد من مجلة العربية بيكلف 15 آلاف جنيه"، وأشار إلى "جزء من كتابنا بيكتبوا هناك".
عدد من الأسباب التي أدت لتدهور حال المجلات الثقافية يوضحها "أيمن عبد الهادي"، مدرس بكلية الإعلام، منها انحسار جمهور المجلات "كمان الناس بقت منشغلة بمواقع التواصل"، وأشار إلى الصفحات الثقافية على مواقع التواصل تقدم أخبار سريعة ثقافية، يرى "عبد الهادي" أن غزو الثقافة البصرية من أهم أسباب انحسار قارئية المجلات الثقافية.
يرجع الناقد "شعبان يوسف"، أسباب تدهور المجلات إلى الظروف المحيطة بها "المجلات في التلاتينات والأربعينات زي مجلة الرسالة والثقافة والكتاب كانت بتتمتع بمناخ ليبرالي، وكل الكتابات مطروقة" مضيفًا "مكنش فيه سقف"، أما في فترة الخمسينات وبعد ثورة 25 يوليو فالمجلات مثل مجلة الرسالة الجديدة والتحرير أصبحت حريصة نوعًا ما.
ويوصف "يوسف" فترة الستينات ب"انفتاح المجلات" فوقتها كان ثروت عكاشة هو وزير الثقافة، مستدركًا أنه على الرغم من كثرة المجلات حينها إلا أنها "مكنش فيه معارك ضارية زي التلاتينات والاربعينات".
تقهقهر حال المجلات بعد ذلك في السبعينات "السادات ألغى مجلات كتير وأنشأ مجلات هزيلة وظهرت طبعات الماستر منها أدب الغد"، ومع رحيل السادات بدأت المجلات تستعيد أنفاسها "ظهرت مجلة فصول لصلاح عبد الصبور"، ويوضح "يوسف" أن المجلات المستقلة استطاعت أن ترتفع بسقف الإبداع، واصفًا المجلات المستقلة ب"الثورية" "منها مجلة الكتابة الأخرى ومجلة أمكنة".
يحكي "يوسف" عما حدث لمجلة إبداع وأنها عانت من سقف الحريات المنخفض "كان فيه قصة ليوسف ادريس اسمها "العتب على النظر" ودي حصلت خناقة عشان متنتشرش، والمجلة صودرت مرتين منها بسبب قصيدة "شرفة ليلى مراد" للشاعر حلمي النمنم".
أصبحت المجلات الآن "مقلمة الأظافر" و"منزوعة الدسم"، على حد قول "يوسف"، مؤكدًا أن تكلفة المجلات المستقلة أصبحت مرتفعة وأن إدارات المجلات الحالية غير كفء و لديهم خيال قاصر "رئيس التحرير في بعض المجلات بيفضل فترة طويلة وبيعرض المجلة انها تبقى من وجهة نظر واحدة".
تابع موضوعات الملف
''مجلة أمكنة'' .. رحلة البحث عن فكرة
المؤمن بفكرة يسافر القمر ليبلغها، ويقوم مطاردو الأفكار بالبحث عنها لتعلق بشباكهم، ليتنقلوا بعدها بين النجوع ليُدركوها، ليظهر بعدها بعام كامل أو أقل تفاصيل تلك الفكرة بين طيات مجلة تسمى "أمكنة"، لتصل أعدادها حتى الآن إلى عشرة أعداد.
مجلة ''الثقافة الجديدة''.. مستمرة رغم الصعوبات
تظل أوراق مجلة ''الثقافة الجديدة'' التي تعدت المئة صفحة شاهدا على فترات طويلة من العصر الثقافي بمصر لمدة أربعة والأربعين عاما، هذه الكلمات التي طبعت من آلة كاتبة في إبريل عام 1970 برئاسة الكاتب المسرحي، سعد الدين وهبة
''مجلة ''أدب ونقد''.. ''زي مصر''
ثلاثون عاما مروا على مجلة كانت لسان حال حزب ''التجمع''، في عام 1984 وُلدت مجلة ''أدب ونقد''، لتكون رمزا لاستمرارية اليسار في وجه السلطة بعد ما سمي بـ''مذبحة المجلات الثقافية'' التي قام بها السادات بعد اعتقال المثقفين.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: