موسم الحج.. في دوائر القُرب الإلهي
كتبت- دعاء الفولي:
قبل أن توجد البيوت كان هو، أول البيوت، ليس مثلها، تُليت على أستاره دعوات إبراهيم عليه السلام ''ربنا وابعث فيهم رسولا يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة''، جاء الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فُرض على عهده الحج؛ فصار منسكا في وقت معلوم من كل عام، ومعه يوم عرفة المشهود، أشتاتا يتوافد المسلمون من كل فج، لا يكاد معظمهم يفهم لغة الآخر، سوى كلمات ''لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك.. لا شريك لك''، همهمات الذكر سيد الموقف، من الإحرام _نية الدخول في المناسك_، ثم الوقوف بعرفة، طواف الإفاضة، والسعي بين الصفا والمروة، بها تكون أركان الحج قد اكتملت، وبينما يؤديها البعض سعداء بما نالوه، حُبس الآخرون عن اللحاق بهم.
أعداد لا تُحصى، هكذا تظن ''ابتسام محمد'' كل عام عند رؤيتها طواف الحجاج على شاشة التلفاز، تقترب بسرعة لتتابع دورانهم عكس عقارب الساعة، قطرات الدموع الساخنة تتسلل خفية إلى خدها؛ تمسحها سريعا، يُسلي حنينها أنها ذهبت منذ ثلاث سنوات، كانت يوما معهم، لا تعرف السيدة الستينية أن الأعداد الماثلة أمامها وصلت بموسم 2014 إلى 1.9 مليون حاجا من 180 دولة، بزيادة حوالي ثماني آلاف حاج عن العام الماضي، وبلغت نسبة الذكور 55%، والإناث 45%.
اتخذت المملكة العربية السعودية إجراءات لتأمين الحجاج، بداية من الجهة الصحية، حيث وفّرت 22 ألف طبيب موزعين في مكة المكرمة والمدينة، وتجنبا لوقوع إصابات بأي من فيروسي ''إيبولا وكورونا''، ألزمت وزارة الحج شركات السياحة بتخصيص خيمة لكل منها تتضمن طبيب عند مشعر منى.
خرجت ''محمد'' على سن المعاش في نفس السنة التي أدت بها فريضة الحج ''مكافأة الخروج بتاعتي خدت جزء منها عشان أطلع بيه''، لم يكن ذلك كافيا، فتعين عليها بيع ما تملك من ذهب لتحصيل الثمن الكلي للرحلة، الذي وصل _ وقتها_ إلى 35 ألف جنيها، من الطريق البرّي بدأت، موقنة أن سعره أقل من حج الطيران ''لكن فيه مشقة عظيمة.. 3 أيام رايح وزيهم جاي.. كنا عايشين في الشارع''، 26 ألفا و959 جنيها هي تكلفة حج القرعة لعام 2014، الذي تُشرف عليه وزارة الداخلية المصرية، حيث تعتبر أسعاره هي الأقل مقارنة بالحج السياحي، البالغ في بعض الشركات ما يقارب خمسين ألف جنيها.
في إطار التوسعات التي تقوم بها المملكة في المنطقتين الشمالية والغربية من الحرم، ارتفعت تكلفة الحج، غير أن اللواء ''مصطفى بدير'' مساعد وزير الداخلية للشئون الإدارية ومدير بعثة الحج، أكد أن إقامة الحجاج المصريين ستكون بفنادق تقع بالمنطقة المركزية بمسافة لا تبعد أكثر من 700 متر عن الحرم المكي الشريف ولا تبعد 350 مترا عن المسجد النبوي، تيسيرا عليهم.
''أصعب منسك بالنسبة لي كان السعي.. فاكرة إني وقفت أكتر من ساعتين عشان أعرف أسعى''، مشقة المناسك والنوم في خيام لمدة ثلاثة أيام قبل يوم عرفة كلها صعوبات واجهت السيدة المصرية، صديقتها الأكبر سنا فقدت وعيها عدة مرات حال آداء المناسك ''مكنتش بعرف أوصل لحرم الكعبة.. كنا بنصلي على الأسفلت، الجمار كنت باخدها من الأرض بالعافية وخايفة يتداس عليا''، 20 يوم قضتهم ''ابتسام'' بالأراضي المقدسة، هي على استعداد لتكرار التجربة، لولا تقدم سنها وعدم توافر المال ''أسعار الحج مش رخيصة.. بس أكل وشرب وإقامة الواحد بتبقى مكلفة عشان كدة الأسعار غالية''.
هذا الموسم وصل عدد الحجاج المصريين إلى 62 ألفا، تُوفي منهم 15 شخصا، وأرسلت وزارة الأوقاف المصرية 31 واعظا، للتأكد من وجود واعظ بكل فندق لمدة 24 ساعة للإجابة على استفسارات الحجاج، ولإلقاء دروس دينية عقب صلاة العشاء يوميا، كما تم إنشاء 10 عيادات تتبع وزارة الصحة المصرية بأماكن الحجاج المصريين، وتم التنظيم مع أطباء لضمان إجراء عمليات الغسيل الكلوي لمن يحتاجون، والاهتمام بكبار السن.
للحج واجبات أيضا؛ منها الوقوف بعرفة حتى الغروب، المبيت بمزدلفة ليلة النحر، رمي الجمار، الحلق والتقصير وطواف الوداع، تذكر ''ابتسام'' الأخير جيدا، كيف كان آخر ما فعلته عند الكعبة المُشرفة، يفصلها الآن عن أرضها المفضلة آلاف الكيلومترات، وعيناها تطوف مع الطائفين، ٍقلبها ينحني مع الركع السجود، تلمس بيديها لا إردايا شاشة التلفاز كلما رأت الكعبة، وكلما جاء يوم عرفة حيث الناس وقوف على الجبل ''ربنا يعلم نفسي أروح أد إيه''، بين الحين والآخر تتوقف عن تمتمة التلبية لتتحدث عن ذكرى معها هناك ''أقعد أقول انا دخلت من الباب دة.. أو عديت من الحتة دي.. كأني كنت هناك إمبارح''، ولأنها لا تعلم الغيب فتتمسك بأمل لا يبرح صدرها أن تسافر ثانية، وحتى هذا الحين لا تملك سوى الدعاء.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: