من سقوط جدار ''برلين'' إلى ''إسرائيل''.. النهايات الحلوة تبدأ بـ''ثغرة''
كتبت-رنا الجميعي:
عقول حاكمة توحدت على السيطرة وإلغاء التفكير، رغم اختلاف الظروف والأماكن، إلا أن السيطرة تتشابه، عقول ورثت العناد وأخرى ورثت الأمل، ورغم تتابع الأيام إلا أن فعل المنع واحد، يبنون أسوارا للتحكم، وأيادي صغيرة تقوم بهدمها، مستحضرين مقولة الشاعر أمل دنقل ''ربما ننفق العمر كل العمر كي نثقب ثغرة، ليمر النور للأجيال مرة''.
فجأة وجدوا مدينتهم تحولت إلى بلدتين، والتحرك مترا للأمام يعني الموت، أصبحت تلك الخطوات الاعتيادية التي يتخذها أحدهم في سيره إلى عمله ضفة أخرى ممنوع من تجاوزها، وأصبحت الأوقات التي قضاها مع أقاربه وأصدقائه هناك محض خيال، ذكريات تملأ عقله ولا يستطيع تجديدها، ذلك حدث مع استيقاظه صباح 12 أغسطس عام 1961حيث اتخذ برلمان ألمانيا الشرقية قرار بغلق الحدود بين برلين الشرقية والغربية، فأصبحوا بلدتين كل منهما تتبع دولة مختلفة، الشرقية تتبع الاتحاد السوفيتي والغربية تتبع الولايات المتحدة.
عبث وفوضى صارت إليها العاصمة الألمانية، الكل يريد الاتصال بأقاربه وأماكن عملهم، وفي ليلة 13 أغسطس بدأ القرار فعليا، أسلاك شائكة وكل الأشياء التي تصير موانع بين البلدين، جدار خرساني طويل يُقام، يصبح حدًا بينهما، وكان يبلغ 106 كيلومترات، قطع الجدار 97 شارع و6 فروع لمترو الأنفاق.
تحكي نادين رشوان عن تلك الفترة من الانقسام، بينما كانت صغيرة السن لا تتجاوز الثانية عشر، ''كان الجدار بالنسبة للألمان كلهم بيجسد الانقسام''، وكيف كان السور مانعا للناس لرؤية بعضهم البعض، حاول عدد من الناس تجاوز السور، وتقول الإحصائيات أنه خلال الأسابيع العشرة الأولى لقى 15 شخص حتفهم من بين أكثر من 100 شخص فقدوا على مدار 29 عام، فكر البعض في تسلق الجدار، هناك من وجد الحل في صنع أنفاق للمرور من تحته، بينما جاء بعقل أحدهم أن يحلق من فوق الجدار بمنطاد هوائي، فلم يغلقوا السماء بعد.
مع تزايد محاولات الناس كانت السلطات تزيد من ارتفاع الجدار مرة أخرى، حتى أنهم أغلقوا نوافذ العمارات السكانية المقامة أمام الجدار بالطوب، تقول ''نادين'' أن كبار السن فقط من سمحوا لهم بالعبور لزيارة عائلاتهم ولفترة قصيرة فقط، تتذكر ''نادين'' أنها اعتادت في تلك الفترة على الذهاب للمعرض الزراعي ببرلين، وكان يتحتم عليها العبور للعديد من نقاط التفتيش في طريقها، وكل مائة متر يقابلهم مجموعة من الجنود وأسلاك شائكة مشحونة بالكهرباء ''كان شيء مذل جدًا''، هذا بالإضافة إلى العبور من شارع واحد فقط.
ظلت تلك السنون بعقل نادين الطفلة الصغيرة، تتذكر والدها حينما كان يزور أحد البازارات ببرلين الغربية المقابلة للسور، تقول ''نادين'' إن السور من تلك الجهة لم يكن محاط بأي خطر ''الناس كانت تقدر تشوفه وتلمسه من الجهة دي، على بعد خطوة واحدة من الجهة الخطر''، رغم أن نادين لم يكن لها أي أقارب على الناحية الأخرى إلا أنه كان أمر محزن بالنسبة لها، تتذكر قصة المرأة التي تزوجت رجل سوداني وغادروا معًا إلى السوان للبقاء معًا دون أن يمنعهما السور.
على الصعيد السياسي حدث تقارب بين الدولتين بمرور الوقت واتفاقيات استدعت حالة من الود، ومنها إزالة بعض الألغام المزروعة عند السور، مع تصاعد وتيرة الأحداث وسقوط الأنظمة الشيوعية في بلدان عديدة، ووجود مطالبات عديد رافضة للانقسام، بدا أن الفكرة جاءت بعقل الجميع مرة واحدة، معول صغير باليد ونية في هدم السور، وفي مساء 9 نوفمبر 1989 سقط الجدار بشكل شبه كامل.
تتذكر ''نادين'' التي لم تكن وقتها ببرلين المشهد على التلفاز، تجلس لتشاهده آلاف الناس صعدوا أعلى الجدار للاحتفال بسقوطه ''كانت لحظة سعيدة''، يتبقى الآن من الجدار بعض رسومات الجرافيتي عليه وأسلاك شائكة تذكيرًا لكل من يمر بجواره على لحظة انتصر فيها الشعب.
تلك اللحظة التي استدعت آلافا في وقت واحد، تشابهت مثلها بمصر، يسرد نور محمد حينما اتجهوا جميعا من ميدان التحرير أثناء جمعة التصحيح في التاسع من سبتمبر عام 2011، في طريقهم إلى السفارة الإسرائيلية بمطارق صغيرة، جمعت نياتهم وقتها هدم ذلك الجدار المصنوع من الداخلية لحماية السفارة كرد فعل بعد أحداث مقتل أربعة جنود على الحدود، حينما وصلت تلك المظاهرة إلى السفارة، بدأت الأيادي في تكسير الجدار، فيما ترددت في الأجواء الهتافات ''هنرددها جيل ورا جيل، بنعاديكي يا إسرائيل''.
مشهد آخر يُقارب ذلك المشهد، عدة جدران تم بناؤها بمحيط الداخلية إلى ميدان التحرير، وتحديدا في شارع محمد محمود، تم إنشاء جدار خرساني بمنتصف الشارع، بعد أحداث محمد محمود في 19 نوفمبر 2011، وفي ذكرى الأحداث عام 2012، في المساء تجمع عدد كبير من الشباب بأيديهم حبال، اعتلوا الجدار، بدأوا في ربط تلك الحبال بالكتل الخرسانية المنفصلة عن بعضها البعض، واستطاعوا إسقاط عدد منها، تقول ''نورا سامي'' التي شهدت تلك اللحظة أن البعض كاد أن يهلك تحت تلك الكتل بسبب ثقلها، تقول سارة أن الشباب اكتفوا بإسقاط عدد من الكتل ''الكتل ضخمة جدًا، بعدها قامت الداخلية بإزالة باقي الجدار.
مع حلول الذكرى الخامسة والعشرين من هدم سور برلين، قام بعض النشطاء الفلسطينيين بهدم جزء من الجدار العازل، كما أوردت وكالات الأنباء، وحسب وكالة الأناضول فقد أفاد أحد النشطاء أن ما أحدثوه من ثغرة هو بداية نهاية جدار الفصل العنصري الذي يفصل بين الأراضي الفلسطينية ويقسمها لصالح المستوطنات الإسرائيلية.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: