خصص مشفاه لعلاج ''عيون الحرية''.. صلاح الدين يواصل الثورة رغم الألم
كتبت-إشراق أحمد:
في مشفاه بمنطقة المعادي، الذي يحمل طابعا مختلفا عن غيره، يقترب إلى الطابع الغربي في الاهتمام والدقة بالتصميم، لكن بأيد مصرية يتناسب مع راحة الوافدين من المرضى، لا يخلع أستاذ طب وجراحة العيون يحيي صلاح الدين معطفه الأبيض، يتولى الكشف على مختلف الفئات المشتركة في علة ما بالعين، بالمكان ذاته استقبل عدد ليس بالقليل من مصابي ''محمد محمود''، الذين لا تأتي ذكراهم، والحديث عن الثورة بشكل عام، حتى ينخلع عنه رداء الطبيب، ويظهر وجه ''ثوري'' أكسبه مرور الوقت شيئا من خبرة ''سياسي''، وإن لا تترك ملامحه الهدوء، ولا يغادر قلبه مشاعر أيام يصفها ''من أسوأ الأوقات اللي مرت على الواحد''.
شاب عشريني يبدو كغيره، لكنه ليس كذلك، على الأقل بالنسبة لطبيب عينه اليمنى، التي فقدها في أحداث محمد محمود الأولى، من الصعيد جاء، منذ ثورة 25 يناير أصبح لأمله مكان، غادر قريته إلى ميدان التحرير، وبعد 18 يوم ومرور قرابة 10 أشهر، بات له وجهة أخرى، بمجرد أن تطأ قدميه منطقة رمسيس، يهم بالمشي إلى المعادي، فما بحوزته يكفي لرحلة العودة من العاصمة، وما بين القدوم والرجوع يرتدي دائما بدلة، زيتية اللون قديمة الشكل، زينها دبوس لعلم مصر، هي بسيطة للغاية، غير أنها ما تسارع لذاكرة ''صلاح الدين''، رغم مرور ثلاثة أعوام على ''معركة العيون''-كما يطلق عليها البعض-، رحل عنه اسم عامل البناء، لكن اعتزاز الشاب بذلك الرداء لم يغادر الطبيب، الذي كان من أوائل المتطوعين لعلاج الإصابات التي سقطت، في مثل تلك الأيام من نوفمبر.
لم تغنِ 18 يوم ثورة يناير 2011 وبدء تعامل أستاذ العيون مع المصابين نتيجة طلقات الخرطوش، من الصدمة مع أحداث محمد محمود ''كانت بعد فترة من التعامل مع مآسي متكررة.. لكن الاختلاف كان عدد المصابين الكبير في وقت واحد وإصابتهم العنيفة جدا'' يقول ''صلاح الدين''، فمثل تلك الإصابات تعد ''أسوأ نوع'' على حد تعبيره ''لأن طلقة الخرطوش بتبقى سريعة فتؤدي للانفجار في العين''، تلك النتيجة التي شملت قرابة 70 في المائة من المصابين الذين كان أغلبهم شباب ''واللي حظه كويس اللي الخرطوشة عدت جنب العين''.
اختلفت طبيعة أستاذ طب قصر العيني مع أحداث محمد محمود الأولى، أضيف له صفة المحقق، لم يكتف فقط بالكشف والعلاج، لكن حرص على توجيه أسئلة معينة لكل حالة يتولاها ''شوفت اللي ضربك.. كنت بتعمل أي عنف.. الإصابة جت إزاي.. كنت نازل ليه'' خلفية المريض رغب أن يعرفها، لا لشك أصابه تجاه المتظاهرين، الذين كان واحد منهم، فسرعان ما توجه إلى الشارع فور علمه بفض اعتصام المصابين وقتها، ولكن ليطمئن قلبه، وقد كان؛ الغالبية العظمى رأوا أن مَن أصابهم كان من الشرطة حسب قوله، فضلا ليقين لم يفارقه طيلة السنوات الثلاث الماضية رغم اللغط الذي لازم الأحداث ''كانوا شباب مخلصين لبلدهم وزمايلهم.. معظمهم من اللي آمنوا بالثورة.. وكتير من اللي راحت عينيهم، كان اللي يهمه إن زميله يتعالج الأول''.
نزل ''صلاح الدين'' إلى شارع محمد محمود كما الثورة التي شارك فيها منذ جمعة الغضب، ومع سقوط أول مصاب في العين، وإبلاغه بالأمر، هرع ليخلع عباءة الثائر ويعود لمهنته كطبيب متوجهًا لمستشفى قصر العيني، قرابة 200 إصابة بالعين خلال فترة الاشتباك الواقع، تعامل الطبيب مع أغلبها، مشاعر مختلفة رافقت الطبيب الممارس لعمله يوميا مع المرضى ''اللي فقد عينه عشان عايز البلد تبقى أحسن تعاطفي معاه أكتر من اللي فقد عينه في حادثة'' يحكي جراح العيون، الذي عاني بالإحباط طيلة ما يقرب من أسبوع هي مدة الأحداث ''الإصابة بالخرطوش في العين أوحش نوع لأن نتيجته معروفة إلى حد كبير.. الواحد كان يقعد 3 ساعات في عملية وهو عارف إن العيان ده مش هيشوف''، فما كان هدف الطبيب سوى الحفاظ على العين سليمة دون تشوه.
كثرة إصابات العيون التي شهدتها أحداث محمد محمود، دفعت ''صلاح الدين'' بمشاركة رانيا صبحي أستاذ طب العيون أيضًا وغيرهم، إلى إنشاء رابطة لهم بعد شهر من الأحداث، في ديسمبر 2011 تشكلت جمعية أطباء عيون الثورة، ككيان يكثف الجهود لخدمة المصابين من ناحية، وتوعية المتظاهرين لتجنب مثل تلك الإصابات، وتوجيه الخطاب إلى السلطات ووزارة الداخلية للتعامل الأمني مع التظاهرات إن خرجت على السلمية دون سقوط مثل تلك الإصابات، التي بدا فيها ''تعمد الإزاء باستهداف الجزء العلوي من الجسد'' حسب أستاذ طب وجراحة العيون.
يمر العام تلو الآخر، ومعه تتغير مشاعر ''المواطن المصري'' الذي استجاب كغيره لأمل لاح في الأفق، والطبيب الملبي لنداء الواجب دون خوف، من أمل انتابه بعد أحداث محمد محمود ''حصل إحياء روح الثورة''، إلى أسف لم يبرحه، وجده في نفس البعض ممن ظل على تواصل معهم بصورة ''إحباط'' مما آلت إليه الأوضاع، وتوالي الأحداث الدموية، تغير الأحداث انعكس على وجهة نظر الطبيب، لم يعد يعتبر الاحتجاج وسيلة مجدية مثلما كان وقت الثورة وما تلاها حتى 30 يونيو، فنتيجته باتت محسومة لمزيد من الضحايا ''لازم نغير الاستراتيجية عشان نوصل للي أحنا عاوزينه''.
1800 مصاب ما بين فقد العين بشكل كامل والإضرار بها، منذ الخامس والعشرين من يناير وخلال عام 2011، رقم يحزن له الطبيب، يجده ثمن غال لم تسر الأمور ممهدة لرده، رغم نزوله في الـ30 من يونيو من أجل ذلك ''كان أملنا إن الناس تتحاسب'' لكن يجد في ذلك مبرر مفروض نظرًا للظروف التي وصلت إليها البلاد، توالي الأحداث ''واللي خلت الشرطة تتعامل بنفس النمط لأن مفيش حد طورها.. فرجعت تتصرف بالطريقة اللي عرفاها'' يقولها ''صلاح الدين''، معتبرًا أن تصرفات ''الاخوان'' من ناحية، وعدم إيجاد الفرصة لإعادة هيكلة الشرطة جعل المحصلة ''مش دي النتيجة اللي عايزينها''، وهو ما يفسر حالة الإحباط التي انتابت الكثير من الشباب.
في نظر طبيب العيون ليس فقط التعامل الأمني الثابت، والتضييق الذي يجد بعضه مبرر في الوقت الراهن، هو المتسبب في تلك الحالة من خفوت الأمل، لكن انسحاب الشخصيات المفترض أن تنقل مطالب الشباب الذي ضحى بالميدان، بعد توليها عدد من المناصب ''لكن للأسف مع أول ضغط عليها قالت لأ مش لاعب''، وذلك لا يستقيم برأي ''صلاح الدين''، فلابد من قوة تحكم، وإذا لم تكن هناك أخرى جديدة، ستظل منحصرة بين ''يا جيش يا تيار ديني'' حسب قوله.
لم يعد لدى ''صلاح الدين'' سوى رؤية واحدة يرى أنها السبيل للخروج من المأزق، وهي البناء ''من تحت لفوق''، بمعنى أن يكون للشباب مكان في المحليات، وللأحزاب دور حقيقي في الشارع ''غير كده هنفضل محلك سر ويبقى التضحيات دي فعلا ملهاش لأزمة''.
ينطلق أستاذ طب العيون في المستشفى، يركز ثورته به، قد أولى مزيد من الاهتمام لمثل إصابات العيون، التي لازمها طيلة عام، لا يغادره اليقين ''إن أي حد عمل حاجة هيتحاسب آجلا أو عاجلا''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: