إعلان

"محمد محمود".. أثر الحدث باق في نفوس من عايشوه

06:02 م الخميس 20 نوفمبر 2014

كتبت-دعاء الفولي:

ربما في ساعة واحدة كانوا هم الأربعة بجانب بعضهم البعض؛ لا يعرف كل منهم الآخر، مُسعف، رسام جرافيتي، ثائر يصطحب دراجته النارية، وفتاة تقبع مختبئة داخل مكتبة تطل على شارع محمد محمود؛ الجميع لهم تفاصيل مع الأحداث التي اشتعلت مساء الثامن عشر من نوفمبر 2011، واستمرت إلى 25 نوفمبر، غير أن أثر التفاصيل لا يذهب عنهم، كل منهم تكونت عنده فكرة عن الأحداث الأولى فصارت وجهة نظره عن "محمد محمود" ثابتة لم تتغير مع السنين، رغم تقلب حال الشارع والدولة على مر الوقت.

الفاتحة على الشهداء

كان أحمد الجوهري يهتم بالكاريكاتير، حتى قرر أن ينضم إلى كتيبة رسامي الجرافيتي بأحداث محمد محمود، وجد من يشجعوه على الفكرة، بات يرسم أثناء الاشتباكات "بمجرد ما الفكرة بتيجي كنا بنرسمها"، قال الطالب بكلية التجارة، جامعة عين شمس، مع الوقت اعتاد ومن معه على الغاز المختلط بأنوفهم وأيديهم تخط الألوان على الحائط، أو في وقت الهدنة المختلس بين الشرطة والمتظاهرين، يذكر الشاب العشريني جرافيتي الكلب الذي يرتدي قبعة عسكرية، يعتبره أفضل ما رسم مع الأصدقاء، ورغم أن الكثير مما تم نقشه على حواجز المنطقة تمت إزالته، لكنه لا ينسى الوجه المبتسم على جدار فاصل بين التحرير وشارع قصر العيني "أحلى حاجة شفتها مرسومة في حياتي".

لم يتوان طالب التجارة في النزول إلى الشارع المُحبب في الذكرى من العام 2012 و2013، لم يأبه لمضايقات الإخوان المسلمين وتخوينهم إياه، لكنه يعلم أن دخول الشارع والمكوث فيه طويلا صار أمرا ممنوعا، فما إن تبدأ الهتافات حتى تلاحقهم الشرطة عادة، و2014 ليس مختلفا، يحكي عن كيفية نظرته إلى الشارع؛ يقول: "من اوله لآخره ليه قدسية خاصة عندي.. بنعتبره زي مكان كان بيجمعنا وراح خلاص"، الأثر الباقي عنده دماء الذين سقطوا أمامه من الأصدقاء، أو الرسومات القليلة الباقية، لم يصبح بيده شيء سوى أن يفعل كما يفعل الأحباء مع شواهد قبور ذويهم "مجرد ما بدخل الشارع بقرأ الفاتحة على اللي راحوا فيه.. هي الحاجة الوحيدة اللي فاضلة".


الوبال لازال هنا

لم تكن فاطمة تعارض فكر الثورة، لكن الأحداث أتت عليها وعلى المكتبة التي تعمل بها بشارع محمد محمود بالخراب، لم تكن أحداث نوفمبر 2011 هي الأكثر رعبا، لكنها تعرضت فيها للموت والإصابة بحكم مكان العمل "لما بدأ الضرب يوم السبت كان عندي زبونة قلتلها تروح وقفلت المكتبة أنا وزميلي واستخبينا في سلينترو"، لم تنو التوقف عن فتح المكتبة في أيام الاشتباكات الست، غير أن احتراقها في أحد ليالي الحدث لم يسمح بذلك "شوفتها على التليفزيون وهي بتتحرق مع جزء من العمارة"، بالإضافة لسرقة محتويات المكتبة.

الأحداث التي اشتعلت في الميدان في الثلاث سنين الماضية لم تجعل فاطمة تفكر في ترك الكتب ورواد المكان، هذا ما تُحب فعله رغم الخطر، بالنسبة لها الشارع مجرد ممر مؤدي إلى مكان العمل، كما أنه يُذكرها بخسائر فاضحة على مستوى العمل وعلى مستوى ضحايا الحدث، ومع كل تجدد للذكرى يعود لها الخوف ثانية.


موتوسيكل مسروق

لم يفوت محمد سيد أي اشتباكات في الميدان منذ 25 يناير 2011، إلا وشارك فيه، كان ودراجته النارية يتواجدان على الأرض دائما، بدافع سهولة الحركة، إلا أن أحداث نوفمبر 2011 حولته إلى مسعف متنقل، فعندما دلف الشارع حال الاشتباكات راكبا الموتوسيكل قاصدا الاطمئنان على بعض أصدقائه، شاهد آخرين يحاولون رفع مصاب من الأرض، لا يستطيعون ذلك بسبب الغاز والخرطوش "قلتلهم هاتوه على الموتوسيكل"، من هنا بدأت الحكاية، في الأيام التالية انتشر إسعاف الدراجات النارية "كل واحد كان بيدخل على قد ما يقدر"، صار لوسيلة تنقل "سيد" أهمية كبرى.

مصابين وموتى؛ لم يوقف صاحب الموتوسيكل عن النقل، وسط التفاصيل المحزنة هناك مواقف طريفة، كصديق "سيد" الذي وجده ملقى على الأرض فاقد الوعي من الغاز، وكان صديقه هو من باع له الدراجة النارية التي أنقذه بها، ليقول "سيد": "لما فاق شوية قالي حاسب ياض انا اللي هسوق".

صبيحة أحد الأيام عام 2013 نزل الشاب العشريني من بيته "لقيت الموتوسيكل مسروق"، لم يمر عليه فترة طويلة إلا وكان قد اشترى آخر جديد، لكن يظل المسروق الذي لم يعد ذو طعم آخر "حضر معايا كل حاجة"، عندما ذهب للإبلاغ عن الدراجة النارية لم يستطع أحد مساعدته "الظباط قالولي تستاهل.. عشان كانوا بيشوفوني بيه في كل الأحداث"، عرض أكثر من شخص على "سيد" أن يبيع دراجته قبل أن تُسرق، بسعر يقارب ضعف سعرها، غير أنه رفض، هذا العام لم يستطع النزول في التظاهرات بدراجته الجديدة لأن قدمه مصابة بكسر، بقي بعيدًا عن الشارع هذا العام، مصابا بإحباط، محتفظا بذكرى انطلاقه بدراجته المسروقة وسط الجموع.

تعاطف لا يموت

"مكنش مفروض كل دة يحصل"، تلك الجملة تتردد على ذهن ماجد ماهر، "محمد محمود" ارتبط عنده بأشخاص قدم لهم يد العون بحكم عمله كمسعف، ما حدث في نوفمبر هو فصل آخر من سلسلة الإصابات والغاز المسيل للدموع "كان أشد بكتير في نوفمبر عن كل مرة.. كنت اول مرة أشوف تشنجات عصبية بسبب الغاز"، في التحرير كانت سيارة الإسعاف التي يتبع لها "ماهر" متواجدة على مدخل الشارع المنكوب.

لم تسلم سيارة "ماهر" وأصدقائه من الضرب، تأتي طلقات الخرطوش من اتجاه الشرطة، بينما يحاول المتظاهرون الغاضبون تدمير السيارة، ظنا منهم أنها تتبع الأمن "كنا بنحمي نفسنا والمصابين"، أكثر من موقف رآهم "ماهر"؛ منهم فقدان أحد الصحفيين ذاكرته لمدة 7 ساعات تأثرا بالغاز "لما فافق مكنش فاكر حاجة عن نفسه.. فضل موجود لحد ما زمايله جم أخدوه"، وهناك ذكريات عن لحظات عايشها بنفسه؛ فبعد ضرب عدة قنابل غاز قريبا منهم فقد "ماهر" الوعي مع اثنين من زملاءه والسائق بالإضافة لأحد المصابين "فضلنا على الحالة دي شوية.. لحد ما عربية إسعاف تانية دخلت جابتنا".

قنص العيون بالعدد الذي رآه في بداية الأحداث تجعل شعور التعاطف هو ما بقي في نفس المسعف الثلاثيني وزملاءه؛ يؤدي عمله بنفس القانون "أهم حاجة ننقذ المصاب.. مش مهم هو مين"، لكنه تمنى ألا يكون هناك خسائر من الأصل، خاصة مع تواجده على الأرض في ذكرى الأحداث 2012 و2013.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك .. اضغط هنا

فيديو قد يعجبك: