إعلان

طلعت حرب.. رحلة صعود وانهيار الاقتصادي الأشهر في مصر

07:40 م الثلاثاء 25 نوفمبر 2014

طلعت حرب

كتب- محمد مهدي:

في ليلة ممطرة-25 نوفمبر- من عام 1867، وقف ''حسن محمد حرب'' الموظف بالسكة الحديد في حديقة القصر الذي يقطنه بحي الجمالية، غير عابئا بالأرض الغارقة بمياه المطر، قلقا يؤلمه صراخ زوجته القادم من غرفتهما في الدور الثاني، أثناء وضع مولودهما، دقائق وخفت الصوت، قبل أن تخرج إحدى الخادمات لتُلقي له بالبشارة ''ولد يا سي حسن.. ولد''، ينتفض الرجل وينطلق حيث المولود وأمه، يطمئن عليهما، ويُخبرها بأنه سيسميه ''مُحمد طلعت''.. فيما بعد سيُصبح الطفل أبرز اقتصادي في تاريخ مصر ويشتهر تحت اسم ''طلعت حرب''.

تربى الطفل في كنف والديه وجده أحمد بك صقر، في قصر ''الشوق'' بالقاهرة، حفظ القرآن الكريم في سن مُبكر، تدرج في دراسته حتى تخرج من مدرسة الحقوق الخيديوية في عام 1885، ثم عمل لـ 10 سنوات في السلك القضائي بداية من مترجم بدائرة السنية، حتى وصل إلى منصب مدير لقلم القضايا، بعدها تحول إلى العمل الاقتصادي عندما عُين مديرا لشركة كوم إمبوا في عام 1905.

عُرف عن طلعت حرب عشقه للتنظيم والتخطيط، بدى ذلك واضحا عندما انخرط في تعلم آليات الاقتصاد ودارسة اللغة الفرنسية للوقوف على تفاصيل الحياة الجديدة التي يخوضها أثناء عمله في شركة كوم إمبوا بجانب إدارة الشركة العقارية المصرية التي أسندت إليه، فضلا عن الطلبات التي انهالت عليه من أصدقائه في تنظيم وإدارة أملاكهم الزراعية.


بعد 3 سنوات من عمله في المجال الاقتصادي، بدأ حِلم فريد من نوعه في هذه السنوات يتشكل داخل عقل طلعت حرب، بإنشاء بنك مصري، يموله ويديره مصريين، يدخل السوق كمنافس شرس للشركات التابعة للاحتلال البريطاني-حينذاك-التي تحتكر الصناعات كافة بأبخس الأسعار، وطالب حرب في مؤتمر عن الاقتصاد عام 1908 بإنشاء البنك المصري ليجد من يدعمه ويشاركه الفِكرة.

في أواخر 1909 أسس طلعت حرب برفقة آخرين بنك التضامن المالي، كخطوة نحو حِلمه الأكبر، وصدر مرسوم سلطاني في 1910 يأذن بعمل البنك تحت مسمى الشركة التعاونية التجارية للائتمان، مشروع صغير لكنه تجربة للتعلم وإثبات الوجود، خرج منها بكتابه ''علاج مصر الاقتصادي ومشروع بنك للمصرين'' في نفس العام.

سنوات طويل يعافر الاقتصادي الطموح من أجل إنشاء أول بنك مصري، حتى حقق حِلمه في 7 مايو 1920 بعد شهر من صدر مرسوم سلطاني بإنشاء البنك كشركة مساهمة مصرية، برأس مال 80 ألف جنيه، موزعة على 20 سهم، ثمن الواحد 40 جنيه، ويُسند إدارة البنك إلى مؤسسيه وهم 8 أشخاص من بينهم طلعت حرب، والآخرين هم أحمد مدحت يكن باشا، يوسف أصلان قطاوي، عبدالعظيم المصري، عبدالحميد السويفي، الدكتور فؤاد سلطان، اسكندرية مسيحه، عباس دسوفي الخطيب.

20 موظفا هم اللبنة الأولى التي قام عليها بنك مصر بالإضافة إلى مؤسسيه، الذين اشترطوا على المقبلين لشراء أسهمه أن يكونوا مصريين، وأن اللغة العربية هي لغة البنك في كل أعماله، و

ترأس يكن مجلس الإدارة واكتفى طلعت حرب بمنصب النائب والعضو المنتدب في كل الشركات التابعة للبنك، وعمل لـ 5 سنوات دون أن يتقاضى أجرا، قبل أن يُعدل عن قراره بناء على ضغوط من المؤسسين.

انطلق بنك مصر في طريقه برعاية واهتمام طلعت حرب، استثمر في البداية أمواله في صناعة القطن-الصناعة الأهم في البلاد وقتها- أنشأ الشركات التي تقوم بحلجه ونقله وغزله ونسجه وتصديره، وخلال 19 عاما أسس حرب 22 شركة مصرية تابعة للبنك منها شركات في الطباعة، التمثيل والسينما، النقل والملاحة، صناعة الكتان، مصايد الأسماك، مصر للطيران، الملاحة البحرية، صناعة وتجارة الزيوت، الإسمنت المسلح، المناجم والمحاجر.

تحول بنك مصر خلال سنوات قليلة إلى أهم الكيانات الاقتصادية في البلاد، وبالتبعية أصبح طلعت حرب إمبراطورا في عالم الاقتصاد لتوسع أعماله المتنوعة ما بين زراعة وتجارة وصناعة ومجال السينما، جعله هذا محط سخط الشركات التي تتبع بريطانيا، ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية واضطراب الأوضاع في العالم، باتت الفرصة سانحة للقضاء على طلعت حرب وإقصاءه من الحياة الاقتصادية في مصر.

فوجئ طلعت حرب في أواخر عام 1939 بسحب عدد كبير من المودعين لودائعهم، مما عرض البنك لخطر الإفلاس، لتأتي الضربة القاضية في قرار صندوق البريد الحكومي بسحب ودائعه رغم عدم حاجته لها، وكخطوة بديهية لجأ بنك مصر إلى الاقتراض من البنك الأهلي لكن إدوارد كوك، المحافظ الإنجليزي للبنك رفض الأمر، ذهب طلعت حرب إلى حسين سري وزير المالية في حكومة علي ماهر، ليتدخل وينقذ البنك، ليجد رده ''موافق.. بس بشرط إنك تستقيل من البنك''.

أدرك طلعت حرب أن الأزمة التي تواجه بنك مصر تستهدفه شخصيا، فقدم استقالته في 14 سبتمبر 1939 من أجل إنقاذ البنك من الإفلاس، وضغط على المؤسسين لقبول استقالته، ليعتزل بعدها العمل الاقتصادي، وينزوي بعيدا عن الإمبراطورية التي حققها خلال 19 عاما، حتى وافته المنية في 13 أغسطس عام 1941، تاركا خلفه تاريخ لا ينسى.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان