لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بالصور- كبائن خدم الملك فاروق.. من جاور السعيد ''يحزن''

08:54 م الثلاثاء 25 نوفمبر 2014

كتب- أحمد الليثي ومحمد مهدي:

في ليلة صيفية مقمرة عقب توليه عرش مصر والسودان بأيام، كان الملك فاروق يسير كعادته يوميا وسط حاشيته في قصر المنتزه، فيما استوقفه مشهد غريب حين رأى عددا من الأطفال يلهون على غير هدى قاطعين خلوته، وحين سأل أحد معاونيه عن هوية الأطفال جاءته الإجابة: ''دول ولاد الخدم يا فندم'' وقتها قرر أن يصنع لمساعديه وخدمه العاملين بالقصر مساكن منفصلة عن المكان، في 50 فيلا فخمة بُنيت على عينه. كان ذلك قبل 76 عاما، وتحديدا في صيف عام 1937، غير أن الحال لم يبق على ما هو عليه فصارت الفيلات مهددة بالسقوط وأضحت الكبائن تمثل وجعا في رؤوس قاطنيها وباتت الدولة تنغص على من كانوا يوما مقربين من بلاط السلطة.

''إن لله وإن إليه راجعون، توفى إلى رحمة الله تعالى الحاج عبدالمنعم محمد صادق والعزاء بعد صلاة العشاء'' كلمات تأتي عبر مذياع مشوش صادر من مسجد قريب من تلك الجهة المقابلة لبوابة قصر المنتزه المطلة على شريط القطار حيث تقبع ''كبائن المنتزه''، مُعلنا رحيل مسؤول ''السويتش'' بالقصر الملكي، أخر عمال الملك فاروق، في ساعة متأخرة من ليلة 17 نوفمبر من العام 2014، فيما كان الحاج محمد شحاته، يتمتم بالدعاء رحمة على روح الفقيد وهو يفتح باب منزله المتهالك ''ارتاح من الهم'' يقولها بزفرة وهو يشير إلى الحال التي وصل لها مستقره.

''أنا بعتّ بنتي تقعد عند أخويا عشان خايف سقف البيت يقع علينا'' يذكرها وهو يقف أسفل قطع خشبية تدلت من السقف الذي نكسه قبل عام في الشتاء الماضي، عدد من السجاد وضعه الرجل الثمانيني أعلى سرير غرفة نومه عسى أن تقيه شر الأتربة والأمطار التي تُغرق البيت ''كل سنة أعمل حصوة بالأسمنت ومشمع وبرده مش نافع''.

الحاج شحاتة، العامل السابق بالمصانع الحربية، ورث المنزل-67 مترا- عن والده أحمد الدلال الذي عمل كرئيسا للجناينية. كان الملك فاروق قد أمر المقاول ''علي بك إبراهيم'' أشهر بناء حينها، لتنفيذ المشروع بأسرع وقت ممكن، فقسّم المكان إلى مساحتين، الأولى 100 متر ناحية اليمين لرؤساء الخدم وكبار العمال، والأخرى 67 متر في اليسار لصغار الخدم من فراشين، بناها معتمدا على الأخشاب، حتى ينفذ عرض الملك، وقد تم ذلك في غضون شهر، على أكمل صورة، لكن بمرور الزمن تبدلت الأحوال على ''شحاتة'' ورفاقه.

بعض القاطنين بالمكان حصلوا على مأواهم من خلال السُكان الأول، وبينما كان الأمر في البداية مبهجا صار فيما بعد حملا ثقيلا لأخشاب تنوء عن حملها الأمطار وأراضي متهالكة وصرف صحي لا يتجدد وعدم وجود ذكرى تجعلهم يتشبثون بالمكان كباقي أحفاد الخدم الأصليين.. داخل منزل مساحته 100 متر مقسم إلى غرف ثلاث تسكن أم سيد وولدها الأكبر وجارتها بعد تسلمهم المكان من أحد الخدم القدامى، رئيس العمال المسئولين عن تقليم حدائق القصر ''كنا دافعين 90 قرش خلو رجل''.

في أرض طينية وحوش 4 متر يتفرع منه ثلاثة غرف، ودورة مياه مشتركة تعيش الحاجة صفية عبد الله قطب –أم سيد- بعمر يقارب الثمانين لا تحلم سوى بمكان ينقلها من ''عذاب العيشة'' كما تقول، تنظر نحو أسقف المكان المثقوبة بفعل المطر، لا تملك المرأة المسكينة معاشا ثابتا يحفظها شر السؤال ''أنا ناعية مجية الشتا.. ومش معايا حق المشمع، إحنا مننا للسما، هنجيب منين كل سنة 1000 جنيه.. بس لينا رب اسمه الكريم''، من إحدى ثقوب السقف ينظر حفيدها نحو مباني كناطحات السحاب حالما أن ينتقل به الحال إليها؛ بدلا من حياة تتمنى أسرته زوالها بلا رجعة ''التربة أنضف من الحياة اللي هنا.. على الأقل القبر متمحر ومتبيض''.

قبل الثورة لم تكن المباني المواجهة لقصر المنتزهة والتي تقبع خلف الكبائن تتخطى حاجز الطابقين غير أن الأمر أضحى مختلفا خلال الانفلات الأمني فبات المشهد عشوائيا.

مع قدوم كل شتاء تستعد السيدة العجوز وابنها وعائلته بالجرادل والأواني لنزح مياه الأمطار ''في الصيف بنلف في الشوارع م الصهد وفي الشتا بنعوم في المايه''، لا تقتصر معاناة أم سيد على الأسقف التي استبدلتها بأبواب خشبية عفا عليها الزمن وإنما تئن من حشرات ترافقها المعيشة، وصرف صحي غطته بكراتين عدة، وقلق دائم من سقوط السقف على رأسها أو حرائق تشب بفعل البيوت المعتمدة على الخشب ''حصل حريقتين قبل كدة هنا وعدت على خير''.

في الماضي كانت هناك نقطة مطافئ في أعلى مكان بالمنطقة، مسؤوليتها خدمة مساكن الخدم. وكانت الشوارع تُرش بالمياه في الصيف بشكل دوري، بأمر من الملك، قبل أن تنتقل من حيازة القصور الملكية إلى سيطرة القصور الجمهورية.

ممسكا بمكواة حديدية يفرد بها ملابسه استعدادا لأداء واجب العزاء في آخر خدم الملك، راح الحاج ''عادل'' يتذكر تلك الأيام الخوالي حين شب طفلا داخل كبائن المنتزه، يُعامل بالنظام الملكي، عربة خاصة تنقله إلى المدرسة في زي رسمي، سيارة مُخصصة لرش المياه دوريا في الصيف، وأعمدة إنارة خشبية صممتها شركة ''لبون'' الفرنسية لا تغيب عن مخيلته، وهواء نقي، جعله يعشق تفاصيل المكان رافضا أن يبرحه رغم امتلاكه لمنزل أخر خارج المنتزه ''أنا شوفت الملك ونجيب وناصر والسادات ومبارك ومرسي والسيسي.. كل دول عدوا عليا''.

لا يتحدث الرجل الثمانيني- ابن رئيس الأقسام الهندسية بقصر الملك- بصيغة الجمع، يقول بقلب واثق ''إحنا أحسن من غيرنا.. وبيوتنا زي الفيلل''، يحافظ الرجل على منزله، حيث يبدو مقارنة بجيرانه أفضل حالا، يزينه ويعتني به كما كان يفعل والده في بيته داخل القصر الذي يشبه الحالي تماما ''احنا انتقلنا بنفس الترتيب من جوه القصر.. المكان ده خرّج نوابغ اللي مدير عام وطبيب ومهندس ودكتور الجامعة والمعلم''.

''الأرض دي العين عليها كتير'' يقولها عادل بوجه مبتسم، راويا تفاصيل الخلاف بين وزارة الأوقاف وحفيدة الخديوي عباس حلمي الثاني، اللذين يتنازعان على ملكية الأرض فيما يذكر بثقة ''احنا هنا بقالنا أكتر من 70 سنة.. دا لو وضع يد تبقى الأرض بتاعتنا، وبعدين مفيش حاجة اسمها الأرض بتاعت حفيدة الملك.. احنا المُلاك الأصليين''.

يصمت الرجل لوهلة قبل أن يسرد تلك الواقعة التي جرت في سبعينيات القرن الماضي وقتما وقف أمام القاضي وفي المواجهة له محامي وزارة الأوقاف وهو يخرج ورقة يحتفظ بها كوثيقة تدل على أحقيته وباقي العاملين في المكان، حيث كتب الملك ''تفضل حضرة صاحب الجلالة ملك مصر والسودان بالتنازل عن أملاكه الخاصة 5 فدانين بأنشاص مقابل 5 فدانين مقابل قصر المنتزه''.

يحتفظ الحج ''عادل'' سنويا بفواتير المياه والكهرباء والتليفون، التي استجدت قبل أعوام قليلة ''المنتزه طول عمرها مستقلة بكل تفاصيلها ولها صرف صحي خاص ومحطة قوة كهربائية ومحطة مياه كاملة''. موضحا أن ''فاروق'' قرر مد خدمه بنفس مميزاته لذا مازالت تلك الأنبوبة الضخمة تمر أسفل قضبان السكة الحديدة المقابلة لقصر المنتزه والطريق المؤدي إلى سكن الخدم منطلقة من ''فنطاس'' ضخم يعلو أحد المباني لم يتبدل منذ أكثر من 75 عاما.

أبا عن جد ورثت ''إيمان عبد المعطي'' منزلها، ورغم اعتزازها بالمكان تتمنى الرحيل منه بعد أن ضاق بأسرتها التي تزيد يوما تلو الأخر ''رجال الأعمال طمعانين في المكان وعايزين يرمولنا الفتافيت''، ما بين هيئة الأموال المستردة ووزارة الأوقاف شبه نزاع يخشاه الأهالي ومعهم حفيدة ''جنايني'' قصور الملك ''هما لو عايزين يمشونا من هنا يدوا لكل فرد فينا شقة أو يملكونا ونبني إحنا بمعرفتنا''.

في ركن قصي تستكين خديجة صالح وشقيقاتها كدليل على الوحدة التي استمرت أعوام بين مصر والسودان، كأبناء لأمين مخازن القصر سوداني الجنسية الذي تزوج من مصرية واستقر بجوار عمله بقصر المنتزه كخادم لجلالة الملك بعد أن انهى دراسته الثانوية، في تناقض تام تعيش المرأة الخمسينية لمنزل يعج بمياه الصرف الصحي وتطل منه أشجار الليمون والتفاح الشاهدة على أيام العز ''الحي خد من حقنا أوضة كاملة.. وقالولنا هنجيب لكم شقة بس تدفعوا 2000 جنيه''، غير أن شُح الموارد وقف حائلا أمام انتقالهم من منزلهم المتهالك.

تابع باقي موضوعات الملف:

في إسكندرية.. البحر غضبان ما بيضحكش (ملف خاص)

2014_11_25_21_46_0_697

بالصور- مصراوي داخل ''مساكن السجون''.. الحياة في زنزانة مفتوحة

1

 

بالصور- ''مخابئ'' القباري.. معجزة الحياة تحت الأرض

2

 

بالصور.. مصراوي على ضفاف ''فينيسيا'' المعجونة بمياه الصرف

 

4

 

مأوى الصيادين.. بيوت تغرق في "شبر مايه"

5

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان