إعلان

بالصور: "تموين" بطعم الذُل.. حلم الوصول لـ"شباك البيه الموظف"

01:10 م الخميس 06 نوفمبر 2014

كتب- محمد منصور:

مع أول خيوط أشعة الشمس، استيقظت السيدة العشرينية، ألقت نظره على طفلتها الرضيعة التى لا تزال تغرق فى نوم عميق، دعت الله أن يوفقها فى مهمتها التى فشلت فيها على مدار إحدى عشر مرة، ألبست الصغيرة رداءً ثقيلا، وتلحفت هى بطرحتها السوداء، حملت الصغيرة واتجهت إلى الشارع الرئيسى، نظرت فى يديها وأحصت جنيهات معدودة وأدركت أنها لن تستطيع أن تستقل "توكتوك" حتى محطة مترو أنفاق المرج، فاضطرت لقطع المسافة - التى تُقدر بنحو كيلومترين إلى هناك- مشيًا على الأقدام، وصلت إلى المحطة فى تمام السادسة والربع، استقلت المترو المتجه لتصل إلى وجهتها فى السادسة وخمس وأربعون دقيقة.. لتفاجأ بالمشهد، فالطابور

أمام مركز شباب حدائق القبة، يقف المئات يوميًا، ليس لممارسة الرياضة، بل لإتمام الإجراءات اللازمة لحصولهم على "التموين".. بعضهم يصل فى السادسة صباحًا لحجز مكان أمام بوابة المركز الحديدية الذى يقبع بداخله إحدى النقاط الرئيسية لوزارة التموين، قبل موعد فتح البوابة بساعتين كاملتين، فمنذ إلغاء صرف المُقررات التموينية بالطاقة الورقية، يُعانى هؤلاء الأمرين للحصول على الدعم الحكومة الذى يُقدر بـ15 جنيهًا للشخص الواحد.

"البطاقة اتسرقت من مكتب تموين المرج" تقول السيدة منال فى مستهل كلماتها حول المشكلة "العويصة" التى تواجهها، فمنذ 3 أشهر، أخبرها مكتب التموين الفرعى بمنطقة المرج الجديدة أول أن عليها التوجه إلى نقطة التجمع الرئيسية بمركز شباب حدائق القبة لعمل "بدل فاقد" للبطاقة الرقمية التى تحصل من خلالها على تموين يكفى شخصين بواقع 30 جنيهًا شهريًا، ظنت السيدة أن المهمة بسيطة، فتوجهت للمركز فى صباح أحد الأيام لأنهائها، غير إنها لم تتمكن من ذلك، فـ"الطوابير" الطويلة منعتها من التقدم قيد أنمله، والموظفين المسئولين "كل ما يتضايقوا يقفلوا الشباك ويقولوا ملكمش عندنا بطاقات".

بعد محاولات دامت ست مرات، تمكنت السيدة من الوصول إلى "الشباك" والحديث مع الموظف الذى أخبرها بضرورة إعادة الاجراءات بشكل كامل "كأنى بعمل بطاقة جديدة مش بدل فاقد".. وحين أخبرت الموظف أن قاعدة البيانات مسجل عليها أسمها كمستفيدة من نظام الدعم أغلق الموظف "الشباك" فى وجهها وطالبها بالمغادرة.. بعدها، ذهبت إلى مكتب التموين الفرعى بمنطقتها واعادت الاجراءات بالكامل، وحتى الآن، لم تتمكن من الوصول إلى "شباك البيه الموظف"، ترى السيدة أن مكتب التموين الفرعى هو المسئول الحقيقى عن أزمتها "بطاقتى اتسرقت من هناك، المفروض هما اللى يعملوها.. مش يذلونا بسبب أخطائهم".

أعلى "مصطبة" أسمنتية، وقف أمين شرطة بزيه العسكرى، يمسك بعدد من بطاقات المحظوظين الذين تمكنوا من إنهاء إجراءات استخراج البطاقة، من ضمن هؤلاء رجل ستينى تمكن من تغيير البطاقة الورقية بنظيرتها الألكترونية بعد عام ونصف، حصل عليها ليكتشف أن أمامه عدد أخر من الخطوات "قالولى لازم تعمل الرقم السرى، وبعدين تنشط البطاقة، وساعتها بس أقدر أصرف التموين"، الرجل الذى يحصل على معاش الضمان الإجتماعى يعتبر البطاقة التموينية "طوق نجاة وسط الذل اللى عايشينه" فمعاشه الشهرى لا يوفر له كل الاحتياجات الأساسية للمعيشة "بطاقة التموين هى النوايه اللى بتسند الزير" يقول الرجل، مشيرًا إلى أن تغيير أنظمة صرف مقررات التموين "جه على دماغ الغلابة" ومؤكدًا أن ما يحدث فى المكان "هرجله وقلة قيمة.. أنا لسه قدامى ثلاث أو أربع شهور عشان أخلص الاجراءات.. وطبعًا التموين هيروح عليا".

من مكتب تموين باب الشعرية لبريد سوق الليمون  لمكتب أخر بمنطقة أرض شريف، "كعب داير" يقول "عفت" ممسكًا ببطاقته الألكترونية، يؤكد الشاب أنه حصل على بطاقة تموينية برقم سرى وتنشيط، غير إنه لم يتمكن من صرف السلع التموينية "كل أما أروح لموظف يبعتنى مكتب تانى، مش عارف الأزمة فين وبقالى بلف 20 يوم".. يرى عمرو محمود أن نظام التموين القديم "أحسن 100 مرة" فـ"السلع كانت أكثر بكثير من دلوقتى"، عمرو؛ الذى حضر من منطقة البساتين أكثر من مرة قرر تمزيق بطاقته التموينية وعدم الحصول على مستحقاته المدعومة من الحكومة "دول بيذلونا عشان 15 جنيه للفرد، زعيق من الموظفين وعطلة عن الشغل، الله الغنى".

"السيد مدير عام شركة التكنولوجيا للمعلومات.. برجاء التفضل بتنشيط البطاقة الذكية للمواطن صابر صديق"، ورقة طلب، حصل عليها "صابر" من مكتب تموين الزاوية الحمراء لتنشيط بطاقة التموين الخاصة به "البطاقة عليها فرد واحد يعنى 15 جنيه" يقول الرجل الخمسيني، مؤكدًا أنه بات ليلته الماضية أمام مركز الشباب لإكمال مهمته "دى رابع مرة، بس النهاردة خلصت الحمدلله، وهاجى كمان أسبوع استلم البطاقة متنشطه".

قبل عدة أشهر، قررت وزارة التموين تعويض نقاط العيش بسلع تموينية بواقع الضعف، وبحسب القرار فإن لكل فرد تمكن من استخراج البطاقة عدد خمسة أرغفه يوميًا يدفع 25 قرشًا مقابلاً لهم، وإذا لم يحصل عليهم، تضاف تلك النقاط إلى رصيده ليحصل على سلع تموينية بديلة لهم.. إلا أن الواقع مُغاير للقرار، بحسب حسين حامد، أحد المستفدين بنظام الدعم الحكومى، الذى يؤكد أن نقاط العيش المُضاعفة "سقطت ومش باخدها "، تلتقط منه السيدة "نعمة" طرف الحديث مؤكده إنها جاءت للمكان للحصول على بطاقة جديدة تُخول لها الاستفادة من نظام مقايضة الخبز بالسلع التموينية المُقررة "بوفر فى العيش، بدى العيل رغيف بدل اتنين عشان أصرف أخر الشهر زيت وسكر أضافى.. بس الحكومة ضحكت عليا ومخدتش حاجة".

إبراهيم أحمد السيد، القادم من منطقة سوق السلاح بالقلعة يؤكد أن تعامل الموظفين "غير آدمى"، فـ"الألفاظ النابية" أصبحت أجابات لأسئلة المواطنين و "المحسوبية" هى ما تحكم إنهاء الاجراءات بسرعة.. وبحسب "إبراهيم" فإن مشاجرة وقعت فى المركز قبل عدة أيام بسبب أولوية الحصول على الخدمة "جه واحد شكله نظيف ودخل المكتب وخلص ورقه، الناس هاجت وقامت الخناقة"... الموظف المسئول رفض الرد على اتهامات "إبراهيم" بسبب "ضيق الوقت وكثرة الشغل".

"يارب أوصل للشباك النهاردة" تقول منال التى تأمل فى الحصول على البطاقة الرقمية وتنشيطها ومعرفة الرقم السري، فزوجها "الأرزقى" متعثر فى العمل منذ عدة أيام، والحال ليس على خير ما يرام، لتنتهى أحلامها بصوت يخرج من مكبر صوت يًعلن قرار الموظف الذى يقول "المواطنين اللى واقفين، كله يروح، احنا خلصنا النهاردة".

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان