الثورة يعملها ''الشباب''.. ويحكمها ''الكبار''
كتبت- دعاء الفولي:
في الوقت الذي نُصب فيه ''ماتيو رينزي'' رئيسًا للحكومة الإيطالية، وحصلت حكومته على ثقة مجلس الشيوخ، كانت الحكومة المصرية تُشكل من جديد أيضًا، اختير لها وزير الإسكان السابق، المهندس ''إبراهيم محلب''، إلا أن ''رينزي'' الإيطالي لم يتجاوز عمره 39 عامًا، وهو أصغر رئيس وزراء إيطالي، بينما جاوز ''محلب'' الخامسة والستين، بين تعجب بعض الشباب من عدم وصول ممثل لهم لمنصب رئيس الوزراء حتى الآن.
مر على مصر منذ انتهاء ثورة يناير 2011، حتى الآن، خمس رؤساء للحكومة، لا يقل سن أحدهم عن الخمسين عامًا، كان هذا ''هشام قنديل'' الذي تولى إبان فترة حكم الرئيس السابق محمد مرسي، ورغم صغر سنه نسبيًا، لكنه لم يلق قبولًا بين الشباب، أما الآخرين، ''عصام شرف''، ''حازم الببلاوي''، ''كمال الجنزوري''، وأخيرًا ''محلب''، أصغرهم سنًا لم يقل عن الستين، بينما يتهم البعض الشباب في المقابل بانعدام الخبرة، وعدم القدرة على تحمل مسؤولية المرحلة الثقيلة الحالية.
اعتبر ''خالد تليمة''، نائب وزير الشباب، أن عدم تولي الشباب لمناصب الوزارة مرتبط بعدة أمور، منها عدم خبرة بعضهم بأجهزة الدولة وكيفية إدارتها، متسائلًا إذا كان هناك شخص كفء بالقدر الكافي ليستطيع تولي منصب رئيس الوزراء، وأضاف ''تليمة'' -الذي تم اختياره في منصب رسمي كأحد شباب الثورة- أن المجتمع ليس مؤهلًا بعد لتقبل وجود الشباب في مناصب كبرى ''حتى الآن الشباب لم يرأس أحد منهم وزارة، ما بالنا برئاسة الوزراء؟''.
يلتمس ''تليمة'' العذر للمجتمع في حالة الخوف التي تنتابه، بسبب عدم الاستقرار عقب ثورة يناير، والإرادة الجارفة لدى المواطنين في الاستقرار، مما جعلهم يلجأون للحلول الأسهل، وهي تقبل وجوه تبدو أكثر دراية بكيفية إدارة المرحلة، متجنبين بذلك تجربة الشباب في مناصب وزارية ''لكن في الحقيقة هي الدولة بتجرب فيهم برضو، لأنها على مدى الثلاث سنوات غيرت الحكومة أكثر من مرة بعد ما أثبتت فشلها''.
نماذج شبابية عديدة تستطيع إدارة المرحلة الراهنة على حد قول ''تليمة''، لكن الفرصة لم تُتاح لها بشكل كافي كي تحاول، كما أن المؤمنين بالثورة عليهم عبء توعية الناس بأهمية دور الشباب، خاصة مع ظهور الصوت الواحد دون الاستماع للآراء الشبابية التي تخالف آراء القائمين على الدولة ''فيه أزمة كبيرة، هما عايزين اللي يقول زيهم وميعارضش''.
''ايه المشكلة لما يجربوا.. لو حد عنده أربعين سنة بيبقى عنده خبرات كافية''، قالت ''أمل عثمان''، تعتقد الشابة الثلاثينية أن حركة الوزير الأكبر تكون غير متناسبة مع التطورات السريعة في الدولة، طبقًا لخبرتها مع الذين تولوا المنصب من قبل ''الشباب عنده الشجاعة إنه يطور مشاريع مبتكرة ومختلفة''، لم تر ''عثمان'' حتى الآن تمثيل جيد لمن هم في مثل سنها بالحكومات ''أومال إحنا قمنا بثورة ليه؟''.
رغم كبر سنها، تعتقد ''فاطمة إبراهيم'' أن تمكين الشباب أمر هام، ترى أن ذلك حدث جزئيًا عندما تولى ''قنديل'' الوزارة ''لكن الشباب مكانوش متوافقين على وجوده''، تتمنى السيدة السبعينية أن تُراضي الحكومة طموح الشباب ''على الأقل لو مش هيبقى الوزارات كلها شباب يبقى فيه جزء منها تابع لهم''، أما تولي أحدهم لرئاسة الحكومة ''مينفعش، لازم نعترف إن الشباب تنقصه خبرة إنه يدير مجموعة وزارات تحته، لكن لو تم اختباره ووجدوا إنه كفء فمفيش أزمة إنه يأخذ فرصته''.
قبل الثورة المصرية، لم تكن آليات الترشح لمنصب رئيس الوزارة واضحة، ففي عهد الرئيس المخلوع ''محمد حسني مبارك''، لم يكن الوضع مشرقًا، مديرو الحكومة كانوا كبار سن، لم يحاول أحد حينها طرح أسماء شبابية، وعندما طُرحت الأسماء على الساحة، تصدر ''جمال مبارك'' المشهد مرشحًا لرئاسة الجمهورية –وهو يقترب من الخمسين، ما أطلق عليه النشطاء وقتها ''مشروع التوريث''، ومع رئاسته للحزب الوطني المنحل، كان تواجده على الساحة ليس إضافة للشباب.
''أحمد القاضي'' طالب بكلية الهندسة، وعضو بحزب مصر القوية، قال إن الدولة لم تدرب الشباب قبل الثورة أو بعدها على خوض مجال السياسة، نتج عن ذلك اضمحلال خبرتهم ''لكنهم لو لقيوا اهتمام هيوصلوا بسهولة للمناصب''. يرى ''القاضي'' أن رؤساء الحكومة، لم يتولوا المنصب بسبب الكفاءة، أما السن فهي ليست عائق ''قدرات الناس مختلفة ملهاش علاقة بالسن''، مُضيفًا أن الدولة أمامها الكثير كي تتيح الفرصة للشباب.
المعايير التي يتم على أساسها اختيار رئيس الوزراء باهتة، على حد قول ''طارق فهمي''، أستاذ العلوم السياسية، ''هناك حالة غموض في اختيار الوزراء''، مستغربا ''عندما تولى ''الببلاوي'' الحكومة، كانت التبريرات أن مصر تمر بمرحلة حاسمة وانتقالية، تتطلب حكومة قادرة على تهدئة الأوضاع ولما حكومة الببلاوي فشلت في تهدئة الوضاع جاءت حكومة محلب بوجوه غير جديدة''. مشيرا إلى أن الشباب قد عادوا لأماكنهم على مواقع التواصل الاجتماعي ''بيراقبوا الوضع العام بعد ما أصبحوا ملهمش مكان داخل الحكومات''، يعتقد أستاذ السياسة أن تنحية الشباب عن المشهد سيؤدي لثورة جديدة قريبًا تطيح بالقيادات القديمة.
''الاعتراض ليس على شخص رئيس الوزراء الجديد، بل على عدم وجود آليات''، قال ''فهمي''، مشيرًا إلى أن اختيار رؤساء الحكومة بالطرق الحالية، يُعبر عنه بمصطلح ''الشلة السياسية''، التي تعتمد الإتيان بوجوه من داخل دائرة محكمة، دون تجديد، حسب وصفه.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: