صور- مصراوي يرصد إضراب الأطباء ومعاناة الفقراء داخل مستشفى ''المنيرة العام''
كتبت- إشراق أحمد:
لم يخلعوا عنهم معاطفهم البيضاء وإن اختلف اليوم، العمل متوقف لكنهم مستمرون في البقاء، يستجيبون لقرار اتفقت عليه الجمعية العمومية لنقابتهم لعله يلفت أنظار المسؤولين لحالهم، يشارك البعض بغير رضا، يرفض توقيت الوسيلة وليس غايتها، يجاري تطبيق القرار بطريقته فالهدف واحد "تحسين منظومة الصحة"، متهمون بالتقصير والإهمال وقسوة القلب، مدافعون بقلة حيلة اليد، وبذل الجهد ما استطاعوا إليه سبيلًا، تُحدثهم أنفسهم بالمهانة، وتعيدهم الرغبة إلى الصبر، النفس تأمل بالفائدة وتواجه الواقع الذي يخبرها إن "مافيش فايدة".
"إضراب الأطباء" استقبله عام 2014، حيث قرر مجلس نقابة الأطباء، مع الأول من يناير بدء الدخول في إضراب بالمستشفيات التابعة لوزارة الصحة بواقع يوم واحد في الأسبوع، على أن يكون تصاعدي إذا لم يتم الاستجابة للمطالب المرتكزة على تطبيق الكادر الطبي ووضع خطة إصلاح لمنظومة الصحة بشكل عام، ومع بدء شهر فبراير زادت أيام دعوة الإضراب إلى يومين.
يعد الإضراب الثالث بالنسبة له، إذ أغلق أبواب قسم الاستقبال والطوارئ في أكتوبر 2013 لما شهده من حالات اعتداء على الأطباء، موقعه القريب من منطقة "التحرير" حيث قلب الأحداث طيلة ثلاثة أعوام فضلًا عن خدمته لمنطقة "السيدة زينب" إحدى المناطق الشعبية، جعلته وجهة لرصد حال الأطباء به وقت الإضراب، "مستشفى المنيرة العام" ضمن 86 مستشفى مشارك في الإضراب الجزئي من أصل 514 على مستوى الجمهورية وفقًا لبيان لجنة الأزمات بوزارة الصحة، شارك في الإضراب الأول الذي دعت إليه النقابة أواخر عام 2012 وكان أطول فترة إضراب للأطباء تنوعت بين جزئي وكلي.
ورغم ما أسفر عنه هذا الإضراب من موافقة مجلس الشورى حينذاك بشكل مبدئي في يونيو الماضي على قانون كادر بمقتضاه يحصل الطبيب حديث التخرج على راتب أساسي 1400 جنيه غير أنه توقف بحل المجلس بعد عزل "محمد مرسي"، ولم يتم تطبيق مطالب الأطباء منذ ذلك الوقت.
الثامنة صباح يوم الأربعاء يفد المغادرون بالأمس لينضموا إلى زملائهم المرابطين بأقسام وعيادات المستشفى لساعات لم تنقطع إلا بقدر من الراحة بالنوم في السكن المتواجد بالطابق الثاني من مبنى المستشفى الرئيس.
على الحائط الأيمن لبوابة الدخول جوار لافتة اسم المستشفى عُلقت ورقة تضمنت تلك الكلمات" "عزيزي المواطن...بذمتك إنت عاجبك أحوال المستشفيات الحكومية؟"، بيان عن نقابة الأطباء باللهجة العامية ينبه المواطنين الدالفين للمستشفى بتوقف العمل بالعيادات الخارجية والخدمات الطبية خلال يومي الاثنين والأربعاء من كل أسبوع طوال الشهر، يشرح سبب قيام الأطباء بذلك "الإضراب مش ضد المريض لكن عشان نقدر نقدم خدمة طبية أحسن..لأن الحكومة تظلمك وتظلمنا"، يقدم اعتذار مقترحًا على مَن يرغب الكشف بالعيادات خلال أيام الإضراب التوجه للمستشفيات الجامعية.
العيادات الخارجية.. الحالة العامة إضراب
بعد بوابة الدخول، ساحة انتظار مليئة بالسيارات في محيط ثلاثة مباني أحدهم للإدارة والأخرين يمثلون كيان المستشفى، مع الساعات الأولى تتجلى حركة أقدام بين زائرين، ومرضى تعبر البوابة بينما يظهر بعض الأطباء بالساحة وقوفًا وسيرًا، هدوء يخالف حالة العيادات الخارجية على غير المعتاد يعلن عن حالة الإضراب، مقاعد خلت من المرضى إلا القليل، نوافذ استقبال نتائج وإجراء تحاليل الدم خاوية على عروشها، كذلك الطرقات القابع بها حجرات مصطفة على الجانبين في ممر منها المفتوح والمغلق أبوابه، الممرضات جلوس على مقاعد انتظار المرضى، أطباء منتظرين خلف مكاتبهم لموعد الانصراف، استعدادًا لليوم التالي حيث يشتد العمل بتوافد أعداد المرضى على العيادات بعد توقفها يوم كامل.
أمام شباك مكتبهم الخالي، وقفت "منى جلال" فنية تحاليل منذ 16 عامًا، لا عمل اليوم لها، فقط وقعت بالحضور وبانتظار موعد الانصراف، ليست المرة الأولى التي تشارك فيها السيدة الثلاثينية بالإضرابات التي دعت إليها نقابة الأطباء متمنية في كل مرة تحقيق المطالب من أجل أن تكون"مستشفيات الحكومة زي الخاصة.. يبقى في صرف علاج له فايدة مش مجرد برشام"، لا تتوقف "جلال" منذ يناير الماضي عن الشرح للمرضى الغاضبين من فعل الأطباء أن "ده لمصلحتهم هم".
بين الوقوف أو السير والجلوس داخل المعمل ذو النافذة المطلة على الساحة، تتنقل الطبيبات "نجلاء" ورئيستها "إلهام أحمد" التي تتمنى منذ ثلاثة سنوات الحصول على إجازة لقضاء وقت أطول مع عائلتها لكن لا تستطيع بسبب حالة الطواريء المرفوعة أغلب الوقت نظرًا لما تمر به البلاد من ناحية، وموقع المستشفى في محيط الأحداث من ناحية أخرى.
"منكم لله ..حسبي الله ونعم الوكيل" كلمات تسمعها السيدة الخمسينية التي تأتي يوميًا من "مدينة نصر" حيث تسكن إلى "السيدة زينب" حيث المستشفى، ولا تملك سوى تهدئة روعهم بإيضاح الموقف "في حاجات كتير ناقصة..مريض السكر عشان يجدد القرار يطلع بعد شهر ليه زي اللي لسه بادئ، ليه مايطلعش بعد 3 أيام بدل ما يبقى الفترة دي كلها رايح جاي مش لاقي علاج".
تساؤلات تصاحب "إلهام" طيلة عملها التي قاربت على 29 عامًا منها ما يتعلق بالمريض "يعني إيه العلاج المهم مش موجود"، وما يتعلق بها وزملائها من الأطباء"يعني إيه طبيب يقعد 24 ساعة شغل عشان ياخد 15 جنية، يعني إيه البدل 19 جنية إحنا إيدينا كلنا في الدم.. يعني إيه وزارة الكهرباء والبترول والبنوك ياخدوا ضعف اللي بياخدوا الطبيب"، إضرابات شاركت بها الطبيبة من أجل ذلك لكن " مافيش حاجة اتطبقت".
700 جنيه راتب أساسي لرئيسة قسم التحاليل دون الحوافز، والحصول على مقابل نظير ساعات العمل الإضافية التي تضطر فيها لمواصلته على مدار 24 ساعة، ومع ذلك تحرص على الحضور في موعدها بالثامنة وتعمل غير عابئة ظاهريًا بالمقابل، خاصة مع اقتراب سن بلوغها المعاش، فتبتسم قائلة "لو على قد فلوسهم مش هنزل من بيتنا".
توقف العيادات الخارجية يضيع على المستشفى وبالتالي الوزارة أموال طائلة في اليوم الواحد، ومع ذلك "الوزارة ولا فارق معاها، لما يدخل للمستشفى 20 ألف جنية في اليوم لما يتوقف يوم المستشفى بتخسر كتير" حسبما قالت "إلهام"، مدللة على ذلك بأن اليوم التالي للإضراب "بيبقى الشغل جامد جدًا".
وعلى المقعد المقابل لمدخل الطرقة التي تتواجد به العيادات الخارجية، احتضنت "نورا" ابنها في انتظار والدتها التي تجري أشعة مقطعية، لم تعلم السيدة الثلاثينية بوجود إضراب ولم تعبأ لخلو المكان على غير العادة فالمهم أن تطمئن على والدتها.
يلتزم الأطباء بقرار النقابة فمخالفته قد يعرضهم للمساءلة التحقيقية، لكن لا مانع من العمل بروح القرار عند الكثير، فلم يتوان أحد عن توجيه الحالات السائلة لقسم الاستقبال والطواريء لأن اليوم"في إضراب".
تضارب أقوال
من عيادة "الباطنة" خرجت "سهير أنيس" محدثة "شيرين منير" -كلاهما ترتدي معطفها الطبي- "هو مش في إضراب يا دكتورة"، فقالت "لأ يا فندم مافيش ورقة رسمية جت من النقابة لسه الجمعية العمومية هتجتمع يوم الجمعة".
متجولة بالطرقة بين العيادات يتوجه إليها المرضى على قلتهم، فتهديهم "أنا سمحت النهاردة للعيانين الغلابة ياخدوا علاجهم من غير قطع تذاكر مش الإضراب عشان مايدخلش دخل للوزارة خلاص"، بطريقتها شاركت طبية الروماتيزم "شيرين" غير مخالفة للقرار الذي أكده "أحمد شوقي" مشرف النقابة على الأطباء بالمستشفى ، بينما السيدة الأربعينية على يقين أنه لا يحق لها الإضراب طالما لا توجد ورقة رسمية كما حدث في يناير الماضي "إحنا حكومة بنشتغل بورق".
لا تمانع "منير" الإضراب كوسيلة للحصول على كادر طبي أفضل "أناعايزاه وكل حاجة" لكن "في الوقت المناسب" حسبما ذكرت، فهي ضد الإضراب بالوقت الحالي "لما البلد تقف أطالب باللي عايزاه" فضلًا عن المرضى الذين تتعاطف معهم كأغلب الأطباء كٌل بطريقته، وأما السيدة الأربعينية فتجد أن "راجل عيان واخد مشوار قد إيه عشان يجي يصرف العلاج ماينفعش أقوله في إضراب ده مش منطق".
ورغم أن طبيبة الروماتيزم ترى راتبها البالغ 1200 جنيه بعد الحوافز "مش مناسب" لكنها تصر على أن"لو كل واحد قال يلا نفسي البلد هتخرب".
"أنا زهقت من الإضراب"، قالتها "سهير أنيس" التي جلست خلف مكتبها إلى جوار "سيد فتحي"، كلاهما دكتور "باطنة"، منذ الصباح الباكر جاءا للعيادة التي يتواجد بها سرير واحد للمريض وراء ستار، حسابتهما أن اليوم "إضراب"، نفذا ذلك بالتزام مكانهما لكن كلمات طبيبة الروماتيزم أثارت ضيق "أنيس"، فبقدر الاستياء من أحوال ظروف الأطباء، غضبت من "تضارب الكلام" وتذكرها أن" مافيش حاجة اتحققت مش عارفة ليه".
وجدت السيدة الأربعينية أن توقف العمل لن يجدي في ظل تجاهل الوزارة بينما أخذ النقابة رد فعل كحال المؤسسات التي يتم تلبية مطالبها دون إضراب هو الحل.
شجن بنفس طبيبة الباطنة تبوح به بينما لا يقبل أي مريض ولو للسؤال إلى العيادة وهو ما أكده الطبيب المجاور" الحالات قليلة جدًا وده معناه إن الناس عارفة أن في إضراب"، تتوالى كلمات الطبيبة بأن "الدكتور مهان على جميع المستويات ماديًا ومعنويًا وإداريا"، متذكرة مواقف تواجهها أثناء عملها بينما تأتي كلمات الوزارة حينما يصاب الطبيب أو توفى بأنه "لم يلتزم بإجراءات الوقاية".
تذكرت منذ أسبوع عندما اضطرت أن "كتمت جرح بإيدي" حينما تعرضت سيدة لنزيف نتيجة إغفال الممرضة وضع ضمادة بعد سحب عينه منها، كانت في ذلك الوقت تمر بين العيادات، فلم تجد سوى رد الفعل التلقائي هذا، ومنذ وقت قليل دخل أحدهم الحجرة وأخذ في "الكح"، فليس هناك ما يمنع العدوى حسبما قالت "أنيس" ليكون في المقابل البدل "30 جنيه إيه المهانة دي".
"يارب أطلع معاش" أمنية ترغب بها الطبيبة الأربعينية رغم أنه مازال أمامها 12 عامًا لبلوغ ذلك السن، فلم يعد الحال يرضيها ليس ماديًا فقط إذ بلغ راتبها 1000 جنيه بعد 22 عامًا ممارسة للمهنة، تقول بفرحة "الحمد لله جوزي مهندس"، ويتملكها الحزن مع مقولة ابنتها المقبلة على المرحلة الجامعية "محبش أطلع دكتورة زيك"، ويزداد ضيقًا مع أيام الإضراب الذي لا تعارضه لكن تستنكر رد الفعل تجاهه ""عشان هي مهنة إنسانية يبقى يتقال للدكتور ما تخدتش حقوقك".
مثال طريف يتبادل الأطباء كان يقال لهم وقت الجامعة "الدكتور أربعة ع.. عيادة وعروسة وعربية وعمارة وعزبة"، وتتعالى الضحكات مع قول "سيد فتحي" :"احنا دلوقتي يا دوب عين واحدة.. العروسة".
ثلاثة أبناء يسعى من أجلهم "فتحي"، لدرجة جعلته يترك السعودية منذ ستة أشهر رغم سبع سنوات من العمل بها، ليعود مضطرًا لمزاولة المهنة نهارًا بالمستشفى وبعد ذلك في عيادته، فالراتب الأساسي للطبيب بعد 27 عامًا 510 جنيه.
"فتحي" لا يجد جدوى من الإضراب لكنه ينفذه "الموضوع مش محتاج ضغط لكن تفهم وإيمان بالقضية، ناس كتير بقى لهم كادر من غير إضراب، بيبقى الوزير كلمته مسموعة لكن إحنا مافيش حد له كلمة أو مقنع".
يستنكر طبيب الباطنة الرؤية القائلة بأن تلك المرتبات أفضل من غيرها بزعم أن للأطباء عيادات خاصة يتكسبون منها "مش الكل عنده عيادات خاصة ومش كل اللي عندهم عيادات شغالين، في أطباء بتبقى تعبت هتعمل ايه"، معتبرًا أنه بفرض ذلك، فإن الطبيب "اللي عايش عيشة كريمة في مصر بيبقى ميت اجتماعيًا يعني ليس له علاقة بأهله"، وهكذا حال "فتحي" منذ أن عاد إلى مصر، فكل علاقته بأهله عبر التليفون "إخوتي نفسهم يزوروني والله بتكسف منهم طيب إزاي وأنا مش موجود".
الوجه الآخر للإضراب
مستشفى المنيرة التي كانت تعج بالمرضى بين طرقاتها خاصة وقت وقوع اشتباك "بالتحرير"، وفي الأيام العادية بالمترددين عليها من أصحاب الأمراض المزمنة، تصبح في يومي الإضراب خواء، تجلس الممرضات لا يشغلها شيء فقط قليل من الكلم ترشد به أصحاب الحالة الطارئة التي ساقها طريقها إلى العيادات غير مدركة بالإساس لفكرة الإضراب "اللي تعبان أوي بيروح الاستقبال" قالتها "عايدة" إحدى الممرضات التي بدت في ضيق من أمرها.
بالمقابل جلست "أم عصام" برداء بني موحد لجميع العاملات بالمستشفى، تلقي بسماتها ودعواتها على المارة مَن تعرفهم أو لا، خاصة في مثل هذا اليوم الهادئ، فربما بالأيام الأخرى لا تستطع لأن "أيام الشغل الحقيقي بتبقى موت "، لم تعتد السيدة الستينية بالإضراب فمجيئها للمستشفى يعني العمل ولو لم يحدث "كله وقف حال أصل إحنا بنشتغل كده كده يبقى لزمته إيه".
شهدت "أم عصام" إضراب 2012 فهذا ما تعترف به السيدة التي أبت أن تترك العمل رغم بلوغها سن المعاش "عشان بنتي مريضة"، 40 عامًا قضتها ذات الرداء البني في العمل بالمستشفى منذ أن كان الراتب "ربع جنية في الشهر أول لما تعينا وبعدين بقى 25 جنية".
"اعمل إيه مهما أعمل ومهما أكلم مش هزيد" هكذا ارتضت والدة الابنة المريضة بحالها، فلا معنى للإضراب لديها وإن كانت تشارك به شاءت أم أبت، فمعاشها يزداد وهذا هو المهم حتى أنه وصل إلى 350 جنية.
صيادلة العيادات الخارجية.. مَضروبين وليس مُضربون
تزداد عقارب الساعة تقدمًا وتنحسر أعداد المترديين على المستشفى أكثر، خلعت كل من "إلهام" و"نجلاء" معطفهما أبيض استعددًا للرحيل فالساعة تقترب من الثانية ظهرًا، بينما آخرين لم يرتدوا معاطف من الأساس، فلا حاجة لهم بها.
"صيدلية العيادات الخارجية"، بين أعداد مهولة من علب الأدوية جلست "شيماء شحاتة" خلف المكتب، انضم إليها "إبرام ماجد" يتبادلون الحديث لعل الساعات تمر، هم كذلك مشاركين في الإضراب ومتحمسين له بشدة بدت في كلمات "شحاتة" :"عايزين الكادر"، فجميع العاملين بالصيدلية مرتبهم لا يتعدى الـ 800 جنيه، والإضراب بالنسبة لهم وسيلة ستحقق أهدافها مع الوقت، فلا بديل للاستسلام في ظل معاملة سيئة يتلقونها وقت توزيع الأدوية على المرضة من خلال الشباك الذي خلا اليوم من الطوابير، وعبر عن ذلك "محمد أحمد" صيدلي آخر "إحنا مضروبين مش مُضربين".
الإضراب بالنسبة "لإبرام": مطالبة للحكومة بس الجدوى ممكن تبقى في شهر 6 عشان الموازنة" فوضع البلد "غير الطبيعي سياسيًا حسبما ذكر الشاب الصيدلي هو ما يؤخر من الاستجابة للمطالب بتفعيل الكاد، موقنًا بأن الإضراب "هيبقى له أثر لكن مش دلوقتي".
ما يقرب من ثلاثة آلاف متردد على صيدلية العيادات الخارجية، ينقطعون أيام الإضراب، لكن ذلك لا يمنع من بعض التجاوز لحاجة بعض المرضى للدواء خاصة أن أغلب الحالات خاصة بالأمراض المزمنة " في عيانين بيجوا يصعبوا علينا بنديهم أدوية" قالتها"شحاتة" رغم استياءها من المرتب الذي تتقاضاه مقارنة بسنوات الدراسة التي قضتها وانفق فيها أضعاف ذلك "كان بيدفع لنا في التيرم الواحد مش أقل 6000 آلاف" فلم ينفعها بعد ذلك غير "الصيت" بأنها طبيبة، فيما سخر "ماجد" من ذلك قائلًا "عادي هو عمل تطوعي مايتسماش تحت أي بند بالمبلغ اللي احنا بناخده غير كده".
كان حال الاستقبال مختلفًا الحركة تدب شيئًا ما بأركانه، في تلك الطرقة البيضاء، وبالأدوار المتواجد بها حجرات عمليات الجراحة وغيرها من الأقسام، الكثير مؤيد للإضراب لكن مكان عمله لن يسمح بذلك، فقسم الاستقبال والطوارئ غير مصرح له بالإضراب، وهو من يتولى الحالات التي تختص بها العيادات الخارجية إذا كانت طارئة.
من بنها وفد "إسلام خضر" ومن "كفر الشيخ" جاء "محمد عبد العليم" كلاهما ابتغا علمًا أفضل، فالراتب بطبيعة الحال لا يُرضي، عمل "عبد العليم" بالعظام يجعله بعيدًا عن مشكلة لحق بزملائه وهى العدوى بينما تبقى له مشكلة الراتب التي من أجلها يؤيد الإضراب ليس فقد من أجل المال لكن من أجل راحة يبتغيها كطبيب شاب تغنيه عن الانهاك في العمل بأكثر من مجال، وكذلك توفر له حياة كريمة تناسب حلمه واغترابه عن الأهل.
أما "خضر" فأولوية العلم جعلته يفاضل بين العمل في مستشفيات بنها و"المنيرة" بالقاهرة على أساس "أحسن الوحشين"، لا يتناسى حقه لكنه يصبر في التعامل مع المرضى، خاصة أن يعمل بقسم الجراحة، يتذكر بأسى أحد زملائه الذي اضطر للإنفاق على علاجه 4 آلاف جنيه نتيجة عدوى أصابته من مريض بينما البدل 19 جنية، ومع ذلك يهم بمساعدة مريض انهكه السعال بمنطقة الكشف حتى فقد توازنه وسقط أرضًا، دون أن يلق بالًا لارتداء كمامة، فرد الفعل التلقائي للأطباء الغالب إلا القليل.
وبين ذهاب وإياب المرضى جلست بمدخل الاستقبال على كرسي خلف "مكتب" يتوافد عليها المرضى للسؤال يعرضون عليها إشاعة فتُطمئن والدة على ابنها، وترشد آخر بأن يأتي غدًا للعيادات الخارجية لأن اليوم"في إضراب".
"شيماء سلطان" مارست المهنة كطبيبة بقسم الجراحة فور تخرجها منذ 2004، أصابتها الصدمة مع الحصول على أول راتب لها 535 جنيه، مازالت تتساءل حتى اليوم كيف توفر احتياجاتها وهى تنفق بوسائل المواصلات على أقل تقدير 20 جنيه، حتى تستطع المجيء في الموعد بالثامنة صباحًا من حدائق القبة حيث تسكن أو العودة بوقت متأخر، فلا سبيل آخر في تلك الأحوال من استقلال "تاكسي".
"الوضع سيء ده المفروض يبقى إضراب كلي مش جزئي" قالتها "سلطان" ساخرة من العشرة جنيهات بدل أيام "النبطشية" والتي يتحصلون عليها "بطلوع الروح"، فيما بادلتها "مها أحمد" التي وضعت كمامة على فمها "مافيش حاجة تمنع العدوى عشان كده بناخد بدل عدوى 19 جنيه".
"أوضة السكن".. تجمع الأطباء ما بين أوقات الإضراب والعمل
"أوضة السكن هتعرف الناس ليه الأطباء بيضربوا" قالتها نائبة الجراحة، ابتسم لها الأطباء، فهنا يلتمس جميع أطباء المستشفى قدر من الراحة، وإليها ينتهي يوم العمل بتغيير ملابس الطبيب.
بالطابق الثاني، باب يُعرف بسيماه المختلفة عن أبواب حجرات المرضى، ثقيل في دفعه، وراءه، كانت الطبيبات، ضوء يحاول اختراق الستائر الموضوعة على النوافذ، لينثر أشعته على محتويات الحجرة، 8 أسرة، بين بعضها خزانات حديدية تحمل المتعلقات الشخصية لكنها لا تغني عن بعثرة الملابس على الأسرة وحامل متحرك تواجد خلف الباب، تليفزيون على طاولة خشبية، مُبرد جوار حمام يتبادله الجميع، وعدت إدارة المستشفى بإعداد حجرة أكبر شيئًا بعد سنوات ظلوا بها في تلك الحجرة.
"أحياناً بيضطر 2 يناموا على سرير واحد" قالتها "رغدة حسن" التي تجد إن الإضراب ليس لتنفيذ مطالب الأطباء المادية فقط لكن "عشان الناس تعرف إن الدكاترة مش هم السبب في قلة الخدمة"، فالمريض وأهله لا يجدون سوى الطبيب للتنفيس عن غضبهم إذا ما تعرضوا لأزمة أو مشكلة داخل المستشفى.
طبيبة الأطفال ترى أن الغرفة شيء هين لما تقابله الطبيبة "في مشاكل تانية أكتر من الأوضة، احنا تعايشنا معاها خلاص".
"ماما بتقولي أقرأي الأذكار قبل ما تنزلي عشان ربنا يحفظك من الناس" لم تترك الطبيبة العشرينة نصيحة والدتها بعد فترة قليلة من عملها بالمستشفى في فبراير 2011، فقد تعرضت "رغدة" لأكثر من موقف "عنف" حسبما ذكرت من أهالي المرضى جعلها تتحول من التعاطف مع الأهل -خاصة أن مرضاها من الأطفال- إلى الغضب "بقيت أسيبهم يبرطموا مع ولادهم"، فتلك المرة التي جائتها طفلة صغيرة في حالة غيبوبة سكر، أسعفتها بما متاح لديها من محاليل بينما لم يكن متوافر لديها "أنسولين"، فأخبرت الأب أن يذهب بابنته لإحضاره لها، لكن إذا به يصيح بها ويسبها "أنتم بقر .. يا كفرة".
عدم معرفة المرضى والأهالي بما يعانيه الأطباء سبب في تعاملهم العنيف حسبما ترى "رغدة" متذكرة موقف أكد لها دور الإعلام في تبنيهم هذا الموقف، حينما تشككت في إصابة طفل بالجلطة بعد ان أجرت الكشف عليه، فأخبرت الأب أن ينتظر حتى تستدعي الطبيب المختص "مافاتتش 3 دقائق وراح قال هو فين الدكتور"، حدثته أنه بالطريق، لتنصدم بكلماته "تلاقيه بيتغدى صح أنا عارف أنتم عايزين فلوس وبس قالوا إنكم عاملين إضراب عشان كده في التليفزيون".
مشادات كلامية كثيرًا ما تقابل طبية الأطفال لتوافر 10 أسرة بالقسم بينما عدد المرضى يفوق ذلك، الأمر الذي يعوقها عن استقبال الجميع، ومن ثم الغضب منها "إحنا اللي بنبقى في الواجهة".
500 جنيه راتب الطبية التي ما أن يدخل فصل الشتاء حتى لا يتركها نوبات البرد عدوى من مرضاها "تقريبا كل أسبوع بيجيلي برد"، رغم وضعها للكمامة، فذلك لا يمنع انتقال العدوى الذي تبتسم الفتاة العشرينية بتذكر بدله "19 جنية" وكذلك أحد المواقف "الطريفة" في ظاهرها حسبما ذكرت عندما قالت لها والدة طفل مريض "ما أنت لابسة كمامة على بوقك مش هيعديكي"، فتلك الكلمات صاحبت "عطسة" من الطفل في وجه الطبية أخبرته بعدها بلهجة تناسب مريضها الصغير" أبقى ودي وشك الناحية التانية لما تعطس أو تكح عشان ما تعديش حد".
ست ساعات تنقضي مع تمام الثانية ظهرًا بأيام الاثنين والأربعاء يزداد معها مدة الإضراب، لا تخلو من شكوى مريض يقف خارج أسوار من سواء المعاملة كحال "مصطفى" مصاب بعموده الفقري لم يلق رعاية طبية جيدة حسبما قال.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: