بالصور.. لعبة القط والفأر بين الباعة الجائلين والحكومة
كتبت - دعاء الفولي:
منذ 40 عامًا، جاء ''رجب إمام'' إلى ميدان رمسيس، قبل ازدحامه بالمارّة، موقف السيارات، ومحطة المترو، وجد مكانًا ليبيع فيه بضعة ''خردوات''، ينادي عليها ويعود آخر النهار بجنيهات، لم يتململ من صعوبة الوضع، رغم حصوله على بكالوريوس التجارة؛ فمهنة البائع فرضت نفسها عليه، كما فعلت بوالده ومن قبله الجد. مع الوقت أصبح الضيق أكبر، الحملات الأمنية تزداد، خاصة بعد الثورة، لم يأبَ الرجل الدفع مقابل ''الفرشة''، لكنه يرفض مغادرة المكان حتى تُثبّت الحكومة قدمه بمكان آخر.
لعبة القط والفأر، هي الوصف الأمثل لما يحدث بين الباعة الجائلين والحكومات المصرية المتعاقبة والمحافظة، يبدأ الأمر بإنذار للباعة أحيانًا، أو حملات أمنية مفاجئة، يعقبها هروب الباعة من المنطقة، ثم أيام تتسم بهدوء الحملات، ليعود الوضع على الأرض كما كان عليه، باعة متجاورين، بميادين وشوارع مزدحمة بالسيارات والسكان. ينتظر بعضهم حل الحكومة، والآخر يأس من التصريحات المتوالية أن الأسواق جاهزة لاستقباله.
سلّم ''إمام'' بالواقع ''أنا قبلت بالمتر في متر وربع اللي واقف عليهم في رمسيس، بس عايز رخصة''، ورقة صغيرة استلمها من المحافظة، بشكل مؤقت حتى ينتقل للسوق المزعم إنشاءه، لا يُعتد بها كرخصة أو إثبات لامتلاكه تلك المساحة، ومن حق الدولة إخراجه من المكان بأي وقت طبقًا لما جاء بالورقة ''يعني أنا واقف على كف عفريت''.
عندما تم الإعلان عن إمكانية نقل الباعة الجائلين لأماكن أخرى، انفرجت أسارير ''حسين مهنى''، أو ''شيخ البياعين''، كما يلقبه أصدقائه برمسيس، عمره لا يتعدى الثانية والخمسين ''بس هنا من أول ما وعيت على الدنيا''، إذ يمتلك ''كشك'' صغير لبيع الحلوى والسجائر. كان ذلك في بداية التسعينات، عندما قررت المحافظة نقلهم لمنشأة ناصر ''كانوا عايزين يودونا في الجبل''، فرفض كالآخرين، وبعد سنوات كرّ وفرّ مع الشرطة ''احنا ممكن في لحظة تيجي الحملة يقولي يلا ياض من هنا''، لا يمانع الانتقال إلى أسواق الحكومة ''بس تبقى في مكان قريب وعندي استعداد أدفع كهرباء وإيجار بس باحترامي''.
''أحمد حسين'' رئيس نقابة الباعة الجائلين، قال إن المشاورات بينهم والحكومات المتتابعة استمرت منذ نشأة النقابة، بعد ثورة يناير 2011، حاول القائمون على النقابة عمل حصر بعدد الباعة، وتقديم مشروع لمحافظة القاهرة واقتراح الأراضي التي يمكن استخدامها لأسواق قريبة من أماكنهم الحالية ''مش هينفع أبعت البياع 15 مايو طبيعي إنه يفضل وسط البلد''، وطبقًا لقول ''حسين''؛ فقد دخلت عدة أماكن كالموسكي التي تشمل الحسين والأزهر والعتبة وضمت 4500 بائع جائل، في حصر تم إنجازه عام 2013، كذلك حي الأزبكية حوى 941 بائع، وقد شمل الحصر منطقة وسط المدينة بشكل عام.
عقب الثورة بات انتشار الباعة الجائلون في أنحاء القاهرة الكبرى مثيرا للتساؤل؛ على أرصفة محطات مترو الأنفاق، في نهر الشوارع الرئيسية بوسط البلد، حتى في وسط الكباري، وعلى أبواب دور العبادة، الأمر الذي اعتبره البعض نوع من ''البلطجة''، فيما ألقى آخرون المسئولية على عاتق الحكومة في إهمالها لفئات عديدة لم تجد سوى الشارع والبيع في طرقاته كحل أولي لسد الرمق.
''لو احنا بلطجية كنا عرفنا ناخد حقنا من زمان''، يقول ''إمام''، تُزعجه النظرة التي يرمقه بها الكثيرون، رغم بقاءه في المكان نفسه منذ زمن ''عمري ما ضايقت ضابط ولا ضايقت حد'' يقولها بصوت صادق. حالة من الخوف تعتري الرجل الخمسيني ''أنا بقيت أنزل الصبح وأقول يارب عدي اليوم على خير من غير مشاكل مش بتمنى إني أبيع قد ما نفسي أقف في أمان''، يعلم أن الدولة في حالة ركود عامة ''وفاهم إن فيه حكومة انتقالية بس كل الحكومات اللي قبل كدة عدت علينا ومعملتش حاجة، إحنا اللي بنتضر في الآخر''.
لجانب محطة مترو رمسيس، تراصت أشياء الباعة المتنوّعة، وبعض أكشاك جديدة لاحت في الأفق، صغيرة الحجم، تُشبه بعضها، صفراء اللون، تواجدت على طرف الحديقة الموجودة في الصينية الموجودة بوسط الميدان، لم يفتح منها سوى 3 أكشاك تقريبًا ''أهو كشك صغير ماشي بس على الأقل مش عامل إشغال طريق''، قال ''مهنى'' متحدثًا عن المشروع الذي أعطته له الحكومة، بالرخصة المؤقتة التي تسمح لها بترحيله على السوق عندما يصبح مهيئًا، يدفع مبلغ شهري يتراوح بين 150 و200 جنيهًا لمحافظة القاهرة كإيجار للكشك.
تحدث نقيب الباعة الجائلين عن انفراج في الأزمة ''بقالنا 6 شهور مقدمين مشروع لأرض موجودة في شارع الجلاء جنب سفارة إيطاليا ممكن تاخد باعة كتير جدًا''، كانت الأرض تتبع إحدى الشركات وهي ملك الدولة الآن، وبعد مناقشات مع مسئولي المحافظة، توجه وفد من المهندسين بها لمعاينة الأرض ورفع المقاسات ومعرفة مدى صلاحيتها لضم الباعة، مع مراجعة الحصر الذي قدمه العاملون بالنقابة ''مفروض منتظرين الفترة القادمة المحافظة ترد علينا بالشأن دة''.
يلمس ''عيد محمد'' الثلاثيني العمر، مشكلة الباعة بمنطقة رمسيس، رغم كونه بالعتبة ''أنا في شارع جانبي مش عامل إشغال طريق''، مع ذلك يرحب بالذهاب إلى سوق جديد ''لو قريب من هنا''، أما مساحته الصغيرة فلن يتركها حتى يتأكد تمامًا من المكان ''أنا مش بلطجي، بس أنا مش همشي من هنا إلا لو فيه بديل، عشان مش أول مرة الحكومة تقول على أسواق وتطلع في الآخر أماكن بعيدة متنفعناش''.
قال اللواء ''إبراهيم الزيات''، مدير الإدارة العامة لهيئة مرافق القاهرة، إن إجراءات الأرض الجديدة بشارع الجلاء لازالت تحت دراسة المحافظة، لمعرفة مدى صلاحيتها، وعن خلافات الباعة الدائمة مع الحكومة، أكد أن ذلك مرجعه محاولة الحكومة توفير أفضل أماكن لهم. أما الوقت الذي سُيعلن فيه عن فتح السوق الجديد فلم يُحدد بعد ''في أقرب فرصة هنجهز المبنى والأرض ونبلغ البياعين''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: