اللغة النوبية.. تفاصيل الحنين لروح الوطن
كتبت – دعاء الفولي:
بينما هو صغير، جلس بجانب الجدة مع الأقارب من نفس السن، جمعتهم حولها تقص عليهم حكايات التاريخ، تروي لهم فصولًا من الخيال، تخلطها بالواقع، يتسمعون بروية لما تقوله، يفهمون لغتها النوبية، يحبون التفاصيل، يكبر الصغار، تموت الجدة، اللغة تتأرجح بين كبار يتقنونها، شباب لا يعرفون منها كثيرًا، وثقافة تنتظر أن تُنقل بلغة البلد الأصلية، يقرر البعض السعي في تثبيت قدم اللغة كما وجدوها في البرديات، محاولة فاشلة، تتبعها خطوة ناجحة، أشخاص قرروا الاعتكاف على تدريسها حتى لا تُنسى.
جلباب وعمة نوبيين مثله، لا يتنازل عنهما كحال اللغة، مكتب بمنطقة باب اللوق يستقبل فيه ''محي الدين صالح'' تلاميذه من راغبي تعلم اللغة النوبية، يرى أن أهميتها تكمن في كونها موروث ثقافي ''النوبة من الحضارات اللي تراثها ثقافي بحت معندهاش معابد وغيره زي الفراعنة''، لم تندثر ''النوبية''
على حد قوله، كغيرها من اللغات، خاصة عند دخول اللغات المرتبطة بعقائد كالمسيحية والإسلام إلى النوبة ''اللغة العربية كمثال محت لغات كتيرة لكنها لم تستطع محو اللغة النوبية''.
نقوش على المعابد، هكذا وجد العلماء اللغة النوبية، بحروف يونانية قديمة، قبل سنة 800 ميلاديًا، بعد ذلك اختصرت اللغة في برديات ونقوش، حتى مرحلة الخمسينيات من القرن العشرين، عندما قام أحد المهتمين بالشأن النوبي وهو ''محمد متولي بدر'' الذي كان يعمل مفتشًا بالتعليم في أسوان، بمحاولة نشرها من خلال عمل قاموس للغة النوبية عام 1955، كان قد اعتمد على تجميعه من اللغة المنطوقة وقام بكتابتها بحروف لاتينية ''مكنش فيه استقرار على شكل الحروف فيه ناس كتبتها عربي وناس كتبتها لاتيني''، الاختلاف في طريقة الكتابة أوجد مشكلة أخرى وهي عدم توحيد شكل الحروف ''تلاقي مثلًا حد بيكتب حرف معين بشكل والتاني بشكل مختلف''.
بعيدًا عن مجال اللغة كانت دراسة ''صالح''، المحاسبة التي تركها في التسعينات حل محلها الاهتمام بالنوبية، صلة قرابة جمعته بـ''مختار خليل كبارة''، الذي كان له باع ضخم في تدوين اللغة النوبية كما جاءت بصيغتها القديمة، بدأ الأمر عندما كان ''كبارة'' في بعثة لألمانيا ''في متحف برلين كان فيه مخطوطات اللغة النوبية القديمة''، وقتها مرت المخطوطة مرور الكرام على علماء المتحف، لكن ''كبارة'' رفض اعتبارها ''لا لغة'' كما أخبروه وقتها، وأوضح أنها اللغة النوبية، وعلى هذا الأساس بدأ في تدوينها كتابة عام 1997 بالحروف اليونانية القديمة ''وده اللي بنتبعه حتى الآن لأنه مُتفق عليه''، دفعه ذلك لتأليف كتاب ''اللغة النوبية كيف نتقنها'' ليغلق باب الاختلاط في شكل الحروف.
''إحنا بنعلَم اللغة النوبية من وقتها لكن الموضوع بدأ بالمعارف وبعدين أصبح بشكل أكثر منهجية''، تلاميذ ''صالح'' جميعهم نوبيون ''اللغة صعبة جدًا على غير النوبيين''، يعهد المُعلم إلى تلقينهم قواعدها الصحيحة، يساعده في ذلك أنهم يتقنون جزء ليس بيسير منها ''بيبقوا بيسمعوها علطول من الكبار لكن مش بيتكلموها كتير لأنهم بيبقوا في المدن''، ثلاثون حصة يحتاجها الدارس ليتكلم لغته بطلاقة.
24 حرف هي مضمون اللغة، منها 4 حروف غير منطوقة باللغة العربية، بينما يوجد في الأخيرة 12 حرف غير منطوقين في النوبية، كحال كثير من الأشياء المرتبطة بالنوبة لم تسلم لغتها من التغريب ''اللغة مش واخدة حقها في الإعلام''، لم يطالب النوبيون بعمل قنوات تليفزيونية خاصة بهم، بل أضعف الإيمان هو عدم إبعادها تمامًا عن المناهج بالجامعة ''ممكن يبقى ليها قسم زي اللغة العبرية والفارسية بكلية الآداب''.
فيديو قد يعجبك: