مجلس ''الدُمى''.. ''بروفايل)
كتبت- إشراق أحمد:
اصطفت بمحاذاة بعضها البعض، ألوان وأشكال مختلفة تحمل صفة واحدة ''دُمية''، أخبروه أن يختار من بينها ما يشاء، ينتقى واحدة تلو الأخرى، يمسك بها، يضعها أمامه، يحتضنها، يلقيها أرضًا، يعيدها لأحد الرفوف، حيثما ولى يريدها، إن شاء يحنو عليها أو يقسو، يجعلها تتحدث، أو يشير بإصبعه ''مستأسدًا'' عليها كي تصمت، يهبها لنفسه في الخفاء، ويترفع عنها في العلن، يزعم أنه أنضج من التفكير في شراهة امتلاكها، فلا حاجة له بها، وما هي إلا زخرفًا يزين بيته رفيع الشأن والأصل، كلما أراد نظر لها، إن ابتسم رآها تفعل، وإن حزن أبصرها قاطبة الجبين.
الدُمى مجموعة من لحم ودم، سادة قوم، منتخبون، هكذا يُقال، أسفل قبة معزولة عما سواها داخل بناية ذات حجر أبيض ناعم مزخرف برخام أصفر، تجتمع في العاصمة منذ عام 1932، سُمي مجلس الشورى، بخيط شفاف لا يُرى يتحرك أحدهم متحدثًا عن مرسوم تشريعي؛ يعلو صوت القذف، تتهاوى بيوت، تتناثر الدماء، تنخلع قلوب رعبًا، وتبقى هي في أماكنها، يخرج عليها ''الأسد''، زعيمها، موزعًا نظراته عليها، متحدثًا لها بنبرة ساكنة واثقة إنها ''الحرب على الإرهاب''، فتبتسم له ملبية، وتوجم مع كلماته استجابة لتعبيرات وجهه ومطالبته بالقضاء عليه.
تقول الأسطورة إن ''الدُمية'' رفيقة الفتيات، بينما تجافيها الصبية، يشتد عودهم، فينأون عنها، فيما بقي هو في حنين دائم لها، يطمع في امتلاكها وإن لم يجد، أو فقد الثقة فيما توارثه؛ والأدهى أن الدُمى تتمايل في خنوع له، غير مبالية بشعب يتفتت إربا.
بخيوط يحركها أو دون لا يهم، فالمهم أن تمضي على عينه. يمكث في المنزل منذ توفى عنه أبيه عام 2000؛ سنوات يحرص فيها على دمياه، يرعاها، ورثه من والده، تعكس صورته، هكذا أراد.
كلمات مثالية ''نحو الديمقراطية والوطنية نسير''، تقال داخل مجلس ''الدُمى''، تتحرك إحداها، تعترف الشاشات بوجود قتلى ''شهداء''، ومهَجرين لكن كل ذلك بفعل ''الجماعات الإرهابية المسلحة''، أو ''الجيش الحر'' في روايات أخرى، لذا هذا لا يعطل المضي نحو قانون انتخابات، مناقشة لتحسين أحوال المواطنين، يقولون إنها حربًا على الإرهاب، فيموت الصغار، يُذبح العجائز، تُقصف المساجد، وينزح أهل الديار لائذين بالفرار.. ويبقى ''بشار'' في مأمن، يداعب دماه في حنو.
وفقًا للأمم المتحدة منذ بدأت الأزمة السورية في مارس 2011، بلغ عدد النازحين 9 مليون، بينهم مليونين ونصف مسجلين أو في انتظار التسجيل لاجئين في البلاد المجاورة، 37 مخيم لجوء حتى عام 2013، 21 في تركيا، 13 في العراق، 4 في الأردن، وبلغ معدل النزوح في ذلك العام 127 ألف شخص في الشهر، فقد تم تسجيل السوريين لاجئين عالميين، بينما قاربت أعداد القتلى على 162 ألف حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
لم تنتشر الشاشات حينها لكن التاريخ سجل اللحظات، كانت-الدمى- على اجتماع بالمكان ذاته تتحرك كعادتها رغم الحل الذي أصابها بحكم الزمن. الثمانينيات يشير التاريخ، تحركت القوات، فـ''المالك'' أعلن خوضه المعركة، دُكت البيوت، وسُلبت الأرواح وطُورد أخرون، لا ''حماة'' لهم غير سماء لها يستمر لجوء الأجيال تضرعًا وخشية كلما لاحت لها الذكرى، وتعبت من ''جولان'' طيفها، سواء كانت حمراء لونها مثل التي خطبت الأرض أو خضراء لون ''الريف''، أو قاسية ''حمص''، بينما ظلت هي على ابتسامتها ونظراتها الثابتة وصمت الرضا على الأمر.
أمام شاشة ليست بفضية لكن إلكترونية حيث يشاهد أخرون غير –الدمى- وشاريها وبائعها، وقف ملقيًا خطبة الجمعة، تهتز أركان المسجد بدوي إطلاق قذيفة خارجه، يهرع المصلون ويبقى الإمام ثابتًا، يستمر في الحديث حتى إقامة الصلاة، يقترب الصوت فتتناثر دماء الشيخ على المنبر، يصيح الصغير مشيرًا بإصبعيه الصغيرين لعلامة النصر ''يلا أرحل يا بشار.. يا الله عجل نصرك يا الله''، أم فقدها، وأب خلف قضبان الاحتجاز ينتظره الطفل نازحًا خارج الوطن، بينما تأتي أصوات داخل البناية؛ تتناغم الكلمات أمام عدسة مفتوحة تبث الحديث على شاشة تلقى أضوائها على المتفرجين، يتمايل أشخاصها، يتناقشون، يصوتون، ويصدرون قرار؛ وصخب الدوي يرتفع.
يتقدم ''ملك البيت'' مُظهرًا الخضوع، مطالبًا إليها التقدم بين أخرين لتختار فيما بينهم أيهم أفضل في البقاء صاحبًا لها، لا تتردد وتقبل خوضه المنافسة بين اثنين، وعلى المقيمين خارج البناية البيضاء أحجار نشأتها المشاركة ''صوتك أمانة''. ملايين بساحة على أطراف تلك البناية المتمركزة تركوا ديارهم، نزحوا قسرًا، ينتظرون العودة لا فارق لديهم مَن يفوز، المهم الرجوع، وليصقف الباب على –الدمى- ومالكها.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: