الفتى ''جافريلو''.. أشعل الحرب العالمية الأولى وقتله'' السُّل''
كتب ـ محمد الصاوي :
فتك به ''مرض السل'' دون أن يعلم أنه تسبب فى تغير مجري العالم، وتفتيت امبراطورياته، وأشعل فتيل أول حرب عالمية عرفها التاريخ والتي خلفت الكثير من الكوارث والعديد من الضحايا، هو الشاب الفلاح جافريلو برينسيب. الشاب الصربي الذي قطن البوسنة ولد عام 1894، و توفي في أبريل عام 1918.
كان وطنيًا يوغسلافيًا انخرط في حركة البوسنة الشابة، وكان عضوًا في مجموعة معروفة باسم ''الاتحاد أو الموت''، ومنبثقة من مجموعة ''البوسنة الشابة''، وكانت تعمل من أجل استقلال الشعوب السلافية الجنوبية من الحكم المجري النمساوي.
وأعلن الامبراطور النمساوي، فرانز جوزيف، في أكتوبر 1908، ضم البوسنة والهرسك، مما خلق كثيرًا من الاستياء لدى الشعوب السلافية لجنوب أوروبا.
وكانت صربيا، 1912، متأهبة من أجل حرب البلقان الأولى، وطلب ''برينسيب'' الالتحاق بمجموعة عرفت باسم ''اليد السوداء''، ولكن عضويته رفضت لصغر قامته، فقرر الالتحاق بمجموعة أخرى فرفضت لنفس السبب.
لكن جافريلو لم يستسلم لهذا الرفض بل بات يحلم بالفرصة التى يحظي بها لكي يثبت لهم أنه ليس أقل منهم قوة أو شجاعة ولكي يكون جدير بمشاركتهم الكفاح ، وكانت تلك العملية اغتيال ولي عهد النمسا والمجر.
ولد غافريلو حسب موسوعة ''ويكيبديا '' في قرية فقيرة، وكان فرد فى أسرة تتكون من تسعة أطفال، خمسة أولاد و أربع بنات، توفي منهم ستة في طفولتهم، وواحداً من 6 عناصر كلفتهم منظمة ''القبضة السوداء'' النشطة ذلك الوقت لاستقلال صربيا، باغتيال ولي عهد النمسا حين زيارته لسراييفو، وجميعهم كانوا مسيحيين من الصرب، إلا واحدًا كان مسلمًا من البوسنة اسمه محمد باشيك، وهو المخطط الأول لعملية الاغتيال .
وكانت المحاولة الأولى بالفعل أثناء بدء الزيارة ومرور موكب ولي عهد النمسا، أمير المجر وبوهيميا الأرشيدوق فرانز فرديناند، يوم الأحد 28 يونيو 1914، مكونًا من ست سيارات سريعة باتجاة قاعة الاحتفالات الكبرى للمدينة، وفي ذلك الطريق كان عناصر المنظمة ينتظرون اللحظة المناسبة والتي يمكن فيها تنفيذ مهمتهم. واتخذ كل منهم مكاناً مختلفاً عن الآخر وفي حوزته قنبلة يدوية لرميها على سيارة الأرشيدوق حين يمر موكبه أمامه، إلا غافريلو الذي اقتصرت مشاركته على المراقبة، لذلك تسلح فقط بمسدس، وانتظر في منطقة بعيدة كليا عن التي كان يتجول فيها موكب الزائر الرسمي، ومرت سيارات''ولي العهد'' وتم إلقاء قنبلة على الموكب أصابت بعض الحرس الخاص بأمير النمسا، إلا أنها لم تصب الهدف المطلوب.
توقف الموكب لحظات، ثم تابع طريقه، وعرف غافريلو أن مؤامرة الاغتيال فشلت، وبعد فشل العملية جسم الإحباط واليأس على صدر برنسيب وتوجه إلى أحد مقاهي المدينة حيث جلس يحتسي كوبًا من القهوة.
إلّا أن الحظ كان حليف جافريلو وأبت عملية الاغتيال أن تنفذ على يد أحد غيره.
قام ولي العهد بزيارة مستشفى نقل إليه من أصيبوا بجروح من انفجار القنبلة التي ألقاها أعضاء المنظمة خلف الموكب، وحين خرج وبرفقته زوجته أخطأ السائق بالطريق، فانحرف إلى شارع في زاوية كان فيها المقهي الذي يجلس بداخله ''جافريلو برينسيب'' ، فسمع ضجة فهم من مجلسه وفوجئ أن موكب ولي العهد قادم وأصبح قرب المكان.
وقف غافريلو ينظر إلى السيارة المقبلة نحوه وعليها ولي العهد، لكنه ظل يراقبه بعينه في السيارة حتي أصبح أمامه على مسافة مترين أو أقل، فسحب مسدسه الـ ''براوننج 9 ملم 1910FN '' بلجيكي نصف أوتوماتيكي، وعاجله برصاصة، تلاها بثانية قتلته وزوجته.
وأسرعت الشرطة لاعتقاله في مسرح الاغتيال، فابتلع سم ''زرنيخ'' كان بحوزته، لكنهم أدركوه وغسلوا معدته وأبقوه حيًا، ثم زجوا به في زنزانة انفرادية، واعتقلوا بقية المتورطين، فمثلوا أمام محكمة أدانتهم جميعًا بالإعدام، إلا ''جافريلو''، لأن عمره آنذاك كان 19عامًا، أي كان لا يزال قاصراً في نظر القانون ببدايات القرن الماضي، لذلك أدانوه بالسجن 20 عامًا، مع حرمانه يومًا كل شهر من الطعام.
ولم يمر شهر على الاغتيال، إلا وانتقمت ''الامبراطورية النمساوية - المجرية'' من مملكة صربيا في 28 يوليو 1914 بإعلان الحرب عليها ذلك اليوم وغزوها، فردت ألمانيا بغزو بلجيكا ولوكسمبورج، وواجهت إعلان حرب عليها من بريطانيا، وبعد 3 أشهر انضمت الدولة العثمانية للقتال، وبعدها ذهبت مملكة بلغاريا ومملكة إيطاليا للحرب عام 1915 ومملكة رومانيا عام 1916 والولايات المتحدة عام 1917،وكانت الحرب العالمية الأولى وابتليت أوروبا بأسوأ حرب دامت 4 أعوام.
ومع نهاية الحرب العالمية الأولى تم حصر خسائر الحرب التي حصدت أرواح أكثر من 16 مليونًا إضافة إلى 21 مليون جريح ومشوّه مما يجعلها من أكثر الصراعات دموية في تاريخ البشرية .
بعد 4 سنوات في السجون، وفي أبريل 1918 وقبل أشهر من نهاية الحرب العالمية الأولى، استفحل مرض ''السل العظمي'' به ففتك بمجمل عظامه وجعل وزنه 40 كيلوجرامًا تقريبًا، فمرض إلى درجة اضطروا معها إلى بتر إحدى ذراعيه بالكامل، ثم مات برنسيب غافريلو دون أن يدري أنه أحدث انقلابًا في العالم بأسره، دفع ثمنه معظم قاطني الكرة الأرضية وساهم في تغيير خريطة العالم بأسره عامة، وقارة أروبا بصفة خاصة .
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: