مصراوي يحاور أهل الطفل الذي أشعل اختطافه الحرب في غزة
كتبت-دعاء الفولي:
4 ساعات فقط فصلت بينهم وبين الخبر اليقين، بينما وقف محمد أبو خضير ذو السبعة عشر عامًا قريبًا من باب المحل الذي يعمل به مع أبيه، اختطفه مجهولون في الثاني من يوليو، دون سابق إنذار وضعوه بسيارة ''هوندا'' سوداء، تقطع أصوات استغاثته هدوء الفضاء، لم يُفلته أحد من أياديهم، أسئلة لا تتوقف من الأهل، كر وفر مع سلطات جيش الاحتلال، سكون من جهة السلطة الفلسطينية، نحيب وبكاء وتسليم للأمر الواقع، إلى أن وجدته السلطات محترق الجسد في أحد الأحراش بمدينة دير ياسين، بين الخطف وعودة الشاب جثة هامدة، تفاصيل رجت صدور العائلة، يذكرها العم سعيد أبو خضير جيدًا، لكونه شاهدًا عليها من جهة، ولأنه كان يعتبر الفتى واحدًا من ابناءه.
''بعد صلاة الفجر خرج محمد من المسجد.. يبعد عن بيته والمحل خمس امتار لا أكثر''، ''شعفاط'' هي المنطقة التي يسكن فيها الفتى والعائلة، تقع شمال القدس، الشهود العيان وكاميرات المراقبة بالمنطقة لهم الفضل في رواية ما حدث ''اثنين نزلوا من السيارة راحوا على محمد كان بمفرده.. سألوه عن عنوان أو شيء بهدوء''، المنطقة التي وقعت بها الحادثة تقع على مقربة من مستوطنات إسرائيلية ''لذلك مزدحمة دائمًا لكن وقتها كان فجر فالزحمة أقل''، لم تمر ثوان حتى رفعه الشخصان من الأرض، ضربوه على الرأس ووضعوه في السيارة منطلقين، ابن العم كان معه قبل الاختطاف بأقل من دقائق ''راح يجيب مياه يشرب رجع لقاه بيتضرب''، انطلقت سيارات الشباب بالمنطقة تحاول تتبع الخاطفين دون نتيجة، لم يبق لهم سوى اللجوء إلى سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
لم تُعط سلطة الاحتلال اهتمام لنداءات الأسرة ''مع إننا أكدنا إنه المسألة جدية''، في الجهة الأخرى من الزمن صرخ الشاب دون مُجيب، يلعن المستوطنين الذين خطفوه، الضربة التي جاءت على الرأس لم تجعله يفقد الوعي تمامًا، حسبما قال تقرير الطب الشرعي والمتهمين في التحقيقات، فبعد إلقاءه في الأحراش؛ وضعوا حوله الكثير من الحجارة ''ودلقوا عليه بنزين''، فعلوا ذلك بينما يغنون بأريحية وخيلاء حول جسد الفتى المشتعل، طبقًا لأقوالهم في التحقيقات، تم القبض على ست مستوطنين من جماعة يهودية متشددة، أما تقرير الطب الشرعي الأولي فأفاد أن الفتى حُرق حيًا حيث وجدوا في الرئة أجزاء من مادة مُحترقة ''في الغالب استنشق دخان أثناء احتراق جسده''.
تلك الحادثة ليست الأولى بالمنطقة، قُبيل اختطاف ''محمد'' بأيام، هجم مستوطنون على طفل عمره عشر سنوات لنفس الغرض ''لكن استطعنا تخليصه منهم لأنه كان بالضهر''، يعتقد عم الفتى الشهيد أن ذلك جاء انتقامًا من المستوطنين، بعد اختطاف ثلاثة من عندهم وقتلهم ''لكن لأنهم إسرائيليين فهما عنصريين ساديين''، لم يتوقع العم ولا الأهل أن يُحرق الابن ''توقعنا طعن أو ضرب بالرصاص لكن ما تخيلنا هيك''، أما ما يجري بغزة الآن، فيرى العم أنه استمرار لمسلسل القمع الإسرائيلي.
كانت لــ''محمد'' أحلام، رواها لعمه رغم بساطتها ''كان بده يبقى مهندس عشان يساعد والده''، يعمل الأب كهربائي للمنازل، لديه سبعة أبناء، ربّى صغيره الشهيد على تعلم المهنة حتى يؤهله لدخول الهندسة، ومن ثم العمل بنفس المجال، لم يطمح الفتى لأكثر من ذلك ''كان شاب بسيط وخجول ومؤدب وراضي بالحال.. كان بياخد مصروفه لسة من أبوه''، هكذا يصفه العم، حتى التطورات السياسية بفلسطين بشكل عام لم يغوص فيها ''السياسة بعيدة عن مجال اهتماماته''، كان يكره المُحتل لأنه اغتصب الأرض غير أنه لم يحاول ''جر شكل'' المستوطنين كما يفعل غيره.
''السلطة الفلسطينية في الصف الأخير من اهتمامنا''، عتاب لا تختفي فيه نبرة الغضب بصوت العم، فالسلطة الوطنية لم تُقدم جديدًا في قضية ابن أخيه سوى مزيد من الأسف والتعازي، بينما يرى أن تلك الإجراءات ما هي إلا لتحسين الصورة أمام العالم، وبعد رحيل ''محمد'' لم يعودوا يأبهوا لذلك، ليست السلطة الفلسطينية فقط من يريد تحسين صورته، على حد قول ''سعيد''، بل سلطة الاحتلال أيضًا ''نتنياهو طلب يأتي للعزاء لكننا رفضنا''، مصيبتهم لن تجبرها الكلمات، حاولوا التنفيس عن الحزن بمظاهرات خرجت عقب دفن الشهيد ''رام الله رجعت تنتفض مرة ثانية''، شعفاط أصبح دخول المستوطنين فيها شبه ممنوع ''ما بيقدروا يدخلوا الشارع عندنا.. شبابنا الجدعان راح يتصرفوا معهم''، ما عاد التعايش بينهم ممكنًا، على حد تعبيره.
لا تسقط مصر أبدًا من ذاكرة المشهد الفلسطيني، حتى ولو اختلط الأمر بالتقصير والعتاب، فـ''سعيد'' أصابه إحباط لتأخر الإعلام المصري عن تغطية الحدث في القدس، رغم أن ممارسات المستوطنين معهم ليست جديدة، غير أنه لم يفقد الأمل في اهتمام الشعب المصري بالقضية ''بدنا منهم يآزرونا بكل شيء.. بالدعاء والتظاهرات.. القضية مش محمد وخلاص.. اللي جرا له ممكن يجرا لكتير غيره''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: