لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

عام على أحداث مسجد الفتح.. الخسارة للجميع

12:50 م السبت 16 أغسطس 2014

كتبت-دعاء الفولي:

لا يعرفون بعضهم، بمحيط مسجد الفتح 16 أغسطس 2013 اجتمعوا، حيث مطحنة اشتباكات بين الشرطة ومؤيدي الرئيس السابق ''محمد مرسي''، انتهت بضحايا ومصابين، وخلّفت فيهم أثرًا لا يموت، فالأول اُصيب برصاصة في البطن، الثاني من أهل المنطقة عايش تفاصيل اليوم، ومات عنه صديق، الثالث اُعتقل، والأخير بائع أتى من سوهاج ليعمل جانب المسجد، يعتبره قِبلة للرزق والقرب من الله، مرّ ما يقرب العام منذ ألمّ بهم ما جرى في المسجد والميدان، نأى اثنان منهم عن المكان، آخر ظل فيه بحكم العمل لتحيا الذكريات أمامه دائمًا، أما البائع فيعرج يوميًا على المسجد متسائلًا بيأس ''هو هيتفتح إمتى؟''.

وقعت أحداث مسجد الفتح عقب ساعات من فض اعتصام رابعة والنهضة، بدأت بتظاهرات، ثم استخدام المسجد مستشفى تستقبل الجرحى، واحتماء المتظاهرين به حتى اليوم التالي الذي انتهى بخروج البعض واعتقال آخرين، كان اليوم وبالًا؛ أرواح تساقطت، والمسجد تضرر بشكل ضخم؛ فتم إغلاقه منذ ذلك الحين للإصلاح حسب التصريحات الرسمية، أما الميدان فيسعى من فيه للعودة لأيام ما قبل الحدث، لكن التخوف في نفوس من عايشوا تلك الساعات جعل ذلك عسيرًا.

أن تكون من سكان رمسيس

''وسام سيد'' من أبناء منطقة الضاهر، يفصله عن الميدان والمسجد دقائق، يأخذ الشاب العشريني شهيقًا قبل القول: ''مبدأيا أنا مش إخوان ونزلت 30 ستة..بس اللي شوفته اليوم دة كان صعب''، مستغرقًا في العمل على فرشة لبيع الأحذية كان عندما أتى المتظاهرون في اتجاه نهاية كوبري 6 أكتوبر، وقت المغرب أقاموا الصلاة ''في نص شارع رمسيس.. قاطعينه بالعرض''، أطلقت قوات الشرطة بإطلاق قنابل الغاز المسيلة للدموع، على حد قوله ''الناس خرجت من الصلاة وجريوا في الشوارع الجانبية.. واليوم اتحول للأسوأ مع الوقت''.

استياء اعترى الشاب عندما رأى غضب المحتجين يخرج بطريقة خاطئة ''يعني ليه يكسروا السور الحديد بتاع الجنينة اللي جنب المسجد؟ والجنينة بوظوها.. زائد إني شفت إطلاق نار من المأذنة''، أحداث غريبة شهدها الساكن بالمنطقة ''ضرب النار من الشرطة بقى شديد وناس وقعت والغاز كان صعب لدرجة إن والدتي باتت برة البيت بسببه''، حوصر المسجد بعدها من قبل قوات الشرطة والجيش وبعض المواطنين حتى صباح اليوم التالي، قبل الحصار ووقت الاشتباكات لم يكن هناك بُد أمام طالب كلية الآداب وزملاءه سوى مساعدة الجرحى ونقلهم للمستشفيات، سواء سيد جلال، أو مسجد ''السنية''، وهو الأقرب للفتح ''الناس نقلوا الجرحى بالموتوسيكلات''.

صديقه ''محمد بيومي'' كان مارًا بدراجته النارية حين استوقفه أحدهم وقت الضرب، متوسلًا له أن ينقل مصابًا للمسجد، وافق ووضعه على الدراجة ''وهو سايق أخد طلقة في جنبة اليمين خرجت من الشمال.. مات بعدها والمُصاب اللي هو جايبه اتعالج''.

سمع سيد عن ابن منطقته الذي مات ''نادولي عشان أتعرف عليه.. أخدت والدته وهي منهارة وروحت''، داخل المسجد تراصت الجثث ''مشفتش حاجة بالبشاعة دي قبل كدة.. الناس صعبت عليا رغم كُرهي للإخوان''، بشكل عام يعتبرها من أسوأ الليالي التي مرت بحياته ''مطلعناش من اليوم دة غير بموت الناس وقفل الجامع اللي اتربينا جنبيه.. حتى الميدان بقى الشغل فيه مش زي الأول.. وأهو فات سنة وحالنا زي ماهو.. المسجد دة كان بييجي ناس من سفر ياكلوا فيه ويناموا ويستريحوا دلوقتي خلاص''.

جُرح بطول 22 سم

في تلك اللحظات كان ''محمد الشافعي'' خريج كلية الشريعة والقانون، بجامعة الأزهر، قريبًا من كوبري 6 أكتوبر، قبل أن تعلو الخسائر ''لقينا الضرب بدأ على الكوبري، فردينا بالطوب.. بدأنا نطلع على الكوبري شوية''، أمام قسم الأزبكية لكن أعلى الكوبري كان مكانه ''جبنا صفايح الزبالة والكاوتش عشان نصد بيها عننا.. كان ضرب الرصاص شغال''، المسجد بدا واضحًا في خلفية المشهد أمام الشاب الأزهري ''صلينا فيه الجمعة وخطب بينا الشيخ صلاح سلطان''، الطلقات تقترب ''فيه رصاصة عدت جنب رأسي خبطت في صندوق الزبالة اللي استخبيت وراه''، مع اشتداد الوضع اتصل بالوالدة ''سلمت عليها وقلتلها تدعيلي''، كان ذلك قبل دقائق من رصاصة دخلت بطنه؛ فهتّكت الأمعاء واستقرت بها.

يذكر الشافعي بعض الأحداث قبل أن يدلف غُرفة العمليات بمستشفى الدمرداش في الخامسة عصرًا ولا يخرج منها حتى الثانية عشر ليلًا، غير أن علاجه كان أكثر إرهاقًا ''قضيت أسوأ أسبوع في حياتي.. كان فيه خراطيم في بطني وأنفي.. مباكلش ولا أشرب.. دلوقتي تعافيت لكن فضلت آثار صحية زي الحموضة الزائدة''.

يعمل خريج الأزهر بالقاهرة ''عشان كدة بعدي على الميدان كتير''، قرر في مرة صعود الكوبري حيث اُصيب واستعادة ما حدث ''كنت عايز أكتب عن التجربة.. ومكنتش هعرف أكتب إلا لما أكون هناك''، تركت الذكرى له جُرح طوله 22 سم يمتد من الصدر وحتى المثانة، عليه التعايش معه.

''العقرب'' نقطة الوصول

ضمن التظاهرات التي انطلقت لمسجد الفتح برمسيس يوم الجمعة خرج ''إبراهيم مشالي''، ''كنت غضبان بعد رابعة وعدد الناس اللي ماتوا''، حضر تواتر الأحداث، غير أنه فكر في التحرك من المكان بالسادسة والنصف مساءًا ''لما لقينا الناس بتقع مرضيناش نروح لحد ما نشوف هيحصل ايه''، استمر الكرّ والفر بين الشوارع الجانبية في منطقة بين غمرة ورمسيس، في الثامنة مساءًا قرر الجمع المتجه لمدينة نصر _حيث يسكن_ التحرك سويًا ''لقينا ضرب النار ابتدى تاني علينا من فوق كوبري أكتوبر''، تفرقوا فتحرك مشالي مع صديق له سيرًا على الأقدام محاولين العودة للمنزل.

كانا قد وصلا عند كوبري القبة عندما استحوذ عليهما الإرهاق، خاصة مع إغلاق الطريق المؤدي لمدينة نصر ''كان لازم نروح مصر الجديدة الأول..قلت لصاحبي تعالى نمشي وخلاص''، في شارع الخليفة المأمون كانت أحد كمائن الجيش المتمركزة عندما تم القبض عليهما وترحيلهما لسجن العقرب مشدد الحراسة، ليخرج مشالي بعدها بشهر واحد بقضية لازال على ذمتها. الذهاب لرمسيس لم يتوقف يومًا رغمًا عنه، ينتابه نفس الشعور كلما مر به ''الناس اللي ماشية في محيط رمسيس كأنها بتدوس على دم.. لسة لما بروح مببصش بتركيز أوي على الأرض''.

ورجل قلبه مُعلقٌ بـ''الفتح''

من سوهاج جاء ''طارق بيومي'' منذ 25 عامًا للقاهرة ليعمل، إلا ان الأهل هناك، يتردد بين القاهرة والصعيد كل بضعة أسابيع بحكم عمله كبائع أحذية برمسيس، المسجد له معه تفاصيل، تلمع عيناه حين يذكرها، عندما كان يأتي من البلد وحتى أوقات عمله تعود الأكل على مائدة الطعام الموجودة به دائمًا ''كانت بتفرحنا كغلابة.. بدل ما اتغدى على حسابي هوفر فلوس لعيالي''، لم يتعلق الأمر بالمائدة فقط ''روح المسجد جوة جميلة.. انا عشان غريب زرت مساجد كتيرة لكن الفتح أحبهم للقلب''.

عندما كانت ''البلدية'' تعترض تواجده بالمكان فتأخذ البضاعة ''كنت بجري على الفتح أصلي فيه وأدعي ربنا''، أما أيام الرخاء فلم تبتعد قدماه عن المسجد حتى عقب إغلاقه في أحداث أغسطس الماضي ''زعلت أوي وقتها.. بيت ربنا مفروض ميتقفلش.. كان بيلم الناس''، جزء من اعتراضه كان على سياسة الدولة في تأجيل افتتاحه، والآخر متعلق بمن احتموا به ''مكنش ينفع الإخوان برضو يبوظوه كدة''.

يسأل ''عمار'' الابن الأكبر للبائع الأربعيني عن المسجد ''مش هتودينا نزوره يا بابا تاني؟''، لم يأت أحد من الابناء الثلاثة سوى هو لذا تعلقه به مختلف، إذ كان أول مكان زاره عقب وصوله القاهرة، كذلك الزوجة الصعيدية التي أبهرها تصميمه وكبر حجمه عندما دخلته، بينما كانا متزوجان حديثًا ''أصلها متعودة إن المساجد عندنا للسيدات ضيقة جدًا.. لكن الفتح فيه متسع ليهم''، يتعايش الأب الأربعيني مع إغلاق المسجد منذ العام حتى الآن بزيارته وإن لم يكن مفتوحًا، يتحرك من منطقة الإسعاف بوسط القاهرة حيث عمله إلى هناك سيرًا ''لازم أروحه كل يوم عشر دقايق.. أبص عليه وأسأل.. بقول جايز ألاقيهم يوم فتحوه''.

حول المسجد الوضع بدا طبيعيًا، أبوابه المُغلقة لم تعد تسترعي انتباه المارّة والقادمين للقاهرة من محطة مصر، حارسه الذي رفض الحديث عن الذكرى استراح أخيرًا من الأسباب التي تعيّن عليه أن يحكيها للغرباء الذين لا يستوعبون إغلاقه، الميدان لازال مزدحمًا بباعة لا يجدون ملجئًا غيره لـ''أكل العيش''، مستعدين في أي لحظة للاختباء حال تكرار الحدث، وحتى ذلك الحين يحاول الجميع التعايش مع الخسارة.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان