إعلان

سميح القاسم.. أثر القصيدة لا يموت

02:48 م الجمعة 22 أغسطس 2014

سميح القاسم.. أثر القصيدة لا يموت

كتبت-دعاء الفولي:

تسير بسرعة معقولة بين شوارع مدينة بيت لحم، يرمقها المارّة الإسرائيليون بنظرات مرتابة، لا تُلقي لها اهتماما لعلمها أن ذلك طبيعي بما إنهم أعداء، تستمر في التقدم تجاه جامعتها، تتردد في قلبها تلك الجملة من القصيدة "منتصب القامة أمشي.. مرفوع الهامة أمشي"، تدندنها بصوتها الرخيم، لو بينها وبين شاعرها المُفضل سميح القاسم خيط لكان هو ذلك المقطع من قصيدته، ربّتها الأم على معانيها؛ لذا أول ما قررت عبير صنصور ابنة فلسطين الغناء كانت هذه القصيدة، لم تتح الأيام فرص كثيرة للقاء يجمعها بالقاسم، رحل الأخير عن عالمنا منذ أيام وظلت هي وكل من تأثروا به كشاعر ومُعلم ومناضل يتذكرونه، يتحدثون عنه كي تبقى سيرته حيّة في وجدان الناس، كما هي في أرواحهم.

1939؛ وُلد القاسم ببلدة الرامة الفلسطينية، أتم فيها حياته الدراسية، ثم جاء انضمامه للحزب الشيوعي، تبعه الانصراف للعمل الأدبي، لم يكن يكتب ليعيش؛ بل ليحارب الاحتلال، لسان حال حياته تختصره كلمات من إحدى قصائده، تقول "وأنا أحمل شمسا في يميني.. وأطوف في مغاليق الدجى، جرحا يُغنّي"، هذه شيمته في الحياة حتى عنما فرضت عليه قوات الاحتلال الإقامة الجبرية واعتقلته عدة مرات لما يكتب.

التباهي هو سيد الموقف عندما كانت "صنصور" تسمع اسم شاعرها المفضل "كان بيكتب اللي بدي كفلسطينية أقوله"، عندما صار الغناء حياتها اختلطت روحها بقصائده والشاعر محمود درويش، يمثلان سويا خليط شبه متكامل رغم اختلاف ما يكتبونه. "تقدموا تقدموا.. كل سماء فوقكم جهنم وكل أرض تحتكم جهنم"، كثيرا ما تشدو الفنانة الثلاثينية بتلك القصيدة "رغم إنه كتير ما بيعرفوها"، حتى عام 2000 كان القاسم بالنسبة لها مثل تراه من بعيد، حتى التقيا في أحد الفاعليات التي دعا لها الرئيس الراحل "ياسر عرفات" في بداياتها الفنية؛ فاعتبرت نفسها محظوظة أنها قابلته.

"لما بتشوفي حد من هادول العمالقة بتملّي عينك منه.. مبتبقيش مصدقة حالك.. بالإضافة لكونه إنسان بسيط ومتواضع"، بعد الموت تيقنت المغنية الفلسطينية أكثر أنه لم يحصل على حقه إعلاميا كما ينبغي "فيه ناس ما بتستحق خدت ضجة أكثر منه"، رغم حصوله على عدة جوائز في الأدب منها جائزة "البابطين"، "وسام القدس للثقافة"، "نجيب محفوظ"، وجائزة "الشعر الفلسطينية"، المرة الأخير للتلاقي بين صنصور ووالدها في الشعر كانت بالقاهرة "في أحد الأمسيات عام 2008.. للأسف لم أستطع بعدها التواصل معه خاصة مع حساسية مرضه"، لم يدور بينهما حوار طويل حينها، إلا أن بقية من كلمات تشجيعية قالها لها لازالت تذكرها "دي كانت طبيعته.. مش بيحبط حدا أبدا".

التكريم الذي تأمله الفنانة هو "تعريف الأجيال الجديدة به وبقصائده حتى لا تموت".

على مسرح الجمهورية بالقاهرة رأته يقول أحد القصائد "لن يسقط من أيدينا علم الأحرار المُشرع"، كلما علمت "صباح الخُفش" الفلسطينية التي تعيش بالقاهرة بقدومه إلى هنا كانت تذهب دون تفكير، يرتبط اسمه عندها بالمقاومة والكفاح المُسلح "احنا بفلسطين بدأن نحارب بأسلحة نارية وبكلماته وأشعاره كمان"، ترأس "الخفش" كورال عباد الشمس الغنائي بالاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، لم تتواصل معه وجها لوجه إلا عن طريق رسائل بعثت بها إليه تستأذنه فيها غناء قصائده "كان رده إنه الأشعار تحت أمركوا في أي وقت".

غنّى فريق الكورال قصيدة "منتصب القامة أمشي" بأحد المسابقات ففاز بالمركز الأول "كنّا بنحكيله التفاصيل دي عشان يعرف إننا بنفتكر أشعاره هو ومحمود درويش"، ترى الخفش أنه لم يحصل على حقه الكامل في الدعاية رغم أنه لم يترك القضية يوما "من فترة بسيطة أثناء مرضه طلع على التليفزيون وقال أكتر من قصيدة لغزة وضد العدو الإسرائيلي"، اتصف بعدم موالاته للسلطة الفلسطينية أو غيرها بحال، كان "حُر نفسه" على حد تعبيرها؛ فجعله ذلك في الظل أحيانا.

واظبت صاحبة الكورال الفلسطيني على تعليم أعضاءه قصائده، لا تنسى تفاعلهم معها رغم صغر سن بعضهم، كالطفل "تامر" ذو الخمس سنوات الذي صعد في إحدى التدريبات على مقعد مُرتفع ليستطيع غناء قصيدة منتصب القامة بصوت عالي، لا يتناسب مع جسده الضئيل.

مات القاسم في 19 أغسطس 2014، عن عمر ناهز الـ75 عاما، لم يهزمه مرض السرطان الذي عاش بخلاياه أعوام قبل الموت، ترك أشعار تحكي عنه، مُحبين وقُرّاء يغوصون بين ما كتب، ذهب عن الحياة وهو يحارب كما تعوّد بينما وطنه يُقصف، بقى من شعره كلمات تروي قصته وحكاية فلسطين، أكثرها قربا له؛ "ويلاه.. إنّ أحرفي تتركني.. ويلاه.. إنّ قدرتي تخونني.. وينتهي هنا أمر ما سمعت من أشعار.. قصيدة صاحبها مات ولم تتم.. لكني أسمع في قرارة الحروف بقية النغم.. أسمع يا أحبّتي بقية النغم".

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك: