لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بالصور.. شاب تحدى السرطان بابتسامته فشهد له محمد محمود بـ''جرافيتي''

04:23 م الجمعة 29 أغسطس 2014

كتبت: شيماء الليثي وإشراق أحمد:

بميدان التحرير، تطلق قنبلة غاز مسيل للدموع، يهرول الشباب الثائر، على مدد البصر شاب أسمر، يتكأ على عكازين، مشيته المتقطعة تعوق سرعة فراره معهم، لكنه ظل بابتسامته المألوفة، فتأكد الرفاق أنه هو؛ محمد سامي، ترك المستشفى وجاء كي لا يكون من المتأخرين على الثورة التي لم يفوتها منذ 25 يناير، بل كانت رفيقة طيلة حياته القصيرة، يستحضرها أينما كان، في ميدان خاص، شعاره فيه الفرحة والتفاؤل.

سارع الشاب يومًا متعكزًا بأحداث محمد محمود في حياته، فأثر أصدقاؤه أن يحيوا ذكراه بالمكان ذاته، على الحائط الذي طالما شهد وجوه الثورة المبتسمة، لا مكان لـ''سامي'' إلا بينهم، تنضم صورته إليهم ليواصلوا تردديهم الصامت ''المجد للمجهولين''.

محمد سامي اسمه، لكن ''متفائل'' هو كُنيته التي عرفه بها الجميع على مدار السنوات الأخيرة الماضية من عمر شاب عشريني، تمكن مرض السرطان من ساقه اليسرى بعد ثورة يناير بعدة أشهر، إلا أن ذلك لم يكن عائقا لحدوده التي أبت أن يحجمها المرض، فزاده قوة وتفاؤلاً بات ينشره بين الجميع، في كلمة ''أنا متفائل'' التي كان يطبعها على ملابسه، وابتسامة تزين وجهه، ينقلها بين نفوس من يمر عليهم.

لم يوقف شيء.. طموح وإقباله على الحياة وإن مسه الضر فيها، درس اللغة الإيطالية بكلية الأداب، شارك بالتمثيل المسرحي بالجامعة، وأتقن العزف على الكمان، فما زاده ذلك إلا روح مفعمة بالحيوية، لا تُهزم ولو لمرض.

''كان كل يوم بيشتري مصاصات كتير وهو رايح الجامعة أو أي مشوار ويوزعها على الأطفال في المترو وعلى أصحابه و حتى على الناس اللي مايعرفهمش.. كان بينبسط بس لما يشوف الابتسامة على وشوش الناس'' بابتسامة ممتزجة بتفاؤل أخيها وحزنها على فراقه تقول ''نورا'' شقيقة ''سامي'' الصغرى، الذي لم يخل ''ميدان'' حياته من شفاه ترتسم عليها البسمة كلما رأته، فكان أرثه فيها.

الغرفة 5 أ ، الدور السادس بالقصر العيني الفرنساوي، لم تكن غرفة شاب يتلقي العلاج الكيماوي، بل طاقة صداقة وحب، من اليوم الأول له أصبح المرضى والممرضين بالجناح اصدقائه، وحصد الشاب العشريني ما زرع؛ كانت طريقة أصدقائه في إسعاده هى ذاتها التي اعتاد بها إسعاد الآخرين، ''بلالين ورسومات ومصاصات'' لم تغادر الغرفة، تملأها بهجة تناسب الماكث بها.

''أنت عندك حفلة ولا إيه؟'' سؤال كثير ما سمعته إيمان شقيقته الكبرى التي رافقته بالمستشفى، يتردد من الممرضات، الزائرون يتوافدون كل يوم إلى سامي يرجون إدخال السرور إلى نفسه، فيسبقهم هو به إليهم، ففي أحلك الظروف كانت ابتسامة ''المتفائل'' حاضرة.

حول القبر وقف الجميع وبينهم سامي، ينفتح القبر ويدخل الشاب حاملاً والدته، من وراءه يبكي الأصدقاء والشقيقتان، أما هو ما كان منه سوى ابتسامة رضا ظهرت على وجهه أذهلت الواقفين، لم تغب حتى مع اكتشافه في اليوم ذاته، عودة المرض الذي أودى بحياة أمه إليه، بعد أن كان خاملاً في جسد الشاب الذي بالكاد بلغ عامه العشرين وقتها، إلا أن الأمر لم يزيده إلا شجاعة ومزيد من التفاؤل والإرداة، دفعته للهروب من المستشفى لممارسة هواية التمثيل التي عشقها، ، والإصرار على استكمال المذاكرة وأداء الامتحانات سيرًا على عكازه رغم نصائح الأطباء والمدرسين له بتأجيل العام الدراسي لحين تعافيه .

ليال طويلة قضاها سامي بين علاجه الكيماوي في غرفة المستشفى التي رافقته آخر عامين من عمره، ليأتي يوم ميلاده الأول بعد العشرين، كانت حالته الصحية وقتها قد بلغت مداها، فلم يتردد الأصدقاء في مشاركته الاحتفال، بل لكثرة العدد مع محدودية أعداد الزيارة بالمستشفى يوميًا، احتفل ''متفائل'' بعيد ميلاده سبع مرات متتالية.

المشهد نفسه تكرر أمس، بعد مرور عام كامل على تلك الحفلات السبع، الفارق الوحيد أنه لم يكن حاضرا، حيث لم يكن الجرافيتي فقط هو إحدى هدايا أصدقائه له بذكرى مولده، ساعة قضوها بغرفته التي لفظ بها أنفاسه الأخيرة،، ومن ثم ذهبوا إلى مستشفى سرطان الأطفال، بالأشياء ذاتها من حلوى وبالونات وألعاب لإسعاد الأطفال كما اعتاد هو أن يفعل.

أعاد الأصدقاء البهجة للغرفة التي لم تعرف الحزن رغم ما يعانيه نزيلها، فبعد وفاة ''سامي'' ونقل جثمانه إلى حيث الغُسل، عاد رفاقه إلى غرفته ليجدوا مكانه، البالونات التي أحضروها قبل وقت سابق وكان قد دون عليها ''سامي هيخف إن شاء الله'' وأخرى عليها وجوه مبتسمة ، وكأن السرير لا ترقد به إلا البسمات والوجوه الضاحكة فقط .

فارق ''المتفائل'' حياته في غُرة نضارتها، إلا أن رسالته لم تغادر، إذ قام عددًا من زملائه بفيس بوك ومنهم من لم يعرفه شخصيًا، بتنظيم فاعليات ونشاطات اجتماعية بالشوارع والجامعات تهدف إلى نشر التفاؤل، وكذلك دشن أصدقاؤه صفحة على فيس بوك باسم ''أنا متفائل ـ محمد سامي'' ، لتعرض بصفة شبهة يومية صورا بفاعليات التفاؤل بالشارع، وكلمات تذكر بـ ''سامي'' كلما ذكرت التفاؤل .

''شهيد الشباب المتفائل.. محمد سامي سيد حسن '' كلمات حملها شاهد قبر الشاب الذي اجتمع حوله الأصدقاء في ذكرى ميلاده بالأمس، حاملين الشموع ، التي رأوا فيها خير رمز للصديق الذي أضاء حياته للأخرين، بإرادة حديدية وروح بشوشة، وابتسامة نقية اخترقت قلوب من لم يعرفه قبل مَن يعرفه، والذي لم يهزمه السرطان يوما ، بل هو من هزمه بتفاؤله وبسمته

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان