بيت الصحفيين.. مأوى أصحاب الأقلام المُطَاردة
كتبت- رنا الجميعي:
يُغمض عينيه ويحلم بمكان سحري يقيه شر العالم الملئ بالنزاعات والشقاق، لم يعلم أن كلمة :لا ستكلفه كل هذا الثمن، ولم تجعله ديكتاتورية الأنظمة ينعم بلحظة من السكينة، أصبح من أصحاب الأقلام المطاردة، باتت كلماته تكلفه ثمنًا باهظًا، قد يصل حد إنهاء روحه، يراوده ذلك الحلم من حين لآخر، ينفضه عن ذهنه معتقدًا بكونه خيالات، لكن ثمة مكان يشبه تمامًا حلمه ذاك.
من مصنع إلى بيت
للعذابات التي يقع بها الصحفيين، الأنظمة التي يصبح معتقل بسجونها، يتحول الصحفي إلى لاجئ سياسي إذا ما فلح في الفكاك من شراكها والهروب، لذا وُجد بيت الصحفيين، عام 2002 في فرنسا، بباريس تحوّل مصنع مهجور إلى ما أصبح بيت للصحفيين، على يد الصحفية دانيال أهايون والمخرج فليب سبينو، في تضامن هادئ من الصحافة الفرنسية مع صحفيي العالم.
وجد الصحفي السوري "رأفت الغانم" نفسه بمآزق عدة تكالبت عليه، بعد تسليمه من النظام السعودي إلى المخابرات السورية كمعتقل بعد شهر من بداية الثورة هناك، فقد كان معتقل بالسعودية لعامين على خلفية التضامن مع صحفي آخر، ولستة أشهر آخرين ظل أسيرًا، ويصبح مطاردًا بسبب دعمه للثورة السورية، ومن نظام لآخر، هرب إلى الأردن، لكنه لم يسلم من الديكتاتورية، حتى قوبض عليه بسبب تغطيته لأخبار مخيم "الزعتري" للاجئين السوريين بالأردن، وهناك تم إيقافه ومصادرة الأشرطة التي كانت بحوزته.
استراحة محارب
تبدأ رحلة جديدة ل"الغانم" بفرنسا، بعيدًا عن النزاعات، بيت الصحفيين يستقبله ليسكن به لسبعة أشهر "بدعم من منظمة مراسلون بلا حدود تواصلوا مع بيت الصحفيين".
طابقين هو بيت الصحفيين، واثنى عشر غرفة للإعلاميين اللاجئين، سواء كان صحفي، كاتب أو مصور، يضم البيت تنوع فريد لكل من قال :لا، ومنذ عام 2002 وقد مرّ بالبيت 205 صحفي من 52 دولة حول العالم، الأغلبية للدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية، يليها دول الشرق الأوسط والأدنى كما قال "غانم".
البيت كقطعة صغيرة من العالم يعبر عن أزماته، رغم سكون البيت، إلا أن جدران تلك الغرف تحكي مناجاتهم وسردهم لمآزقهم عن نزاعات العالم المعاصر، ويفضي إلى تعبيرهم عن رأيهم بالكتابة والرسم، فتوجد عليها رسم لصحفي يحمل كاميرا ويعبر أسلاكًا شائكة، وأخرى لقلم يمشي سعيد وينتظره بالزاوية رجل يرفع مطرقة ليهشمه، وتماشيًا مع كونه قطعة من العالم، تتحدد الصداقات فيها على أساس اللغة، فالأفارقة المتحدثين الفرنسية سويًا، العرب معًا، والإيرانيين أيضًا.
كملجأ ينأى عن التراهات المحيطة، وسماعة أذن ضخمة يضع الصحفي نفسه فيها لفترة من الوقت، لا يسمع فيها إلا صوته، يعيش الصحفي خلال فترة النقاهة المعدة له متعلمًا للفرنسية إذا لم يكن يجيدها، ومتحدثًا لطلاب المدارس الثانوية عن تجربته الشخصية والديمقراطية في بلاده، كما يتيح له موقع جديد على الانترنت المسمى "عين على المنفى" من الكتابة عن بلدانهم والأحداث بها بالفرنسية.
تلك الصورة الوردية عن البيت شابهها بعض الخدش، حيث لجأ البعض إلى إدعاء الصحافة، ويقوم بتبليغ الصليب الأحمر، لمساعدته للانتقال لبيت الصحفين، هذا حسب بعض الملاحظات الشخصية ل"غانم".
قلم سعيد
قضى "غانم" سبعة أشهر بالبيت، رغم أن المدة المُعلنة هي ستة شهور، لكن في بعض الحالات يتم التمديد لشهرين آخرين، حتى استطاع الصحفي السوري توفير بيت آخر من خلال منظمات معنية بذلك في فرنسا، استطاع "غانم" الانتقال من البيت.
يمد البيت يد المساعدة للاجئين، تلك الفترة التي يقيم خلالها الصحفي هي أشبه بفترة تأهيل حتي يتمكن من العيش بفرنسا، إذا لم يكن الصحفي امتلك طلب للجوء، يُمكنه البيت من ذلك، كذلك في حالة التأمين الصحي، المساعدة الشهرية التي تقدمها الحكومة الفرنسية للاجئ، وتأمين مسكن بعد انتهاء فترة الإقامة بالبيت.
يظل البيت كما هو، يتوالى عليه صنوف الصحفيين المغضوب عليهم، وجوده يدل على إتاحة الفرصة للمعارضين باستراحة محارب تليق بهم، متنفس بعيد عن غضب الأنظمة، يلتمسوا فيه بعض الراحة، ربما يتمكنوا من رسم قلم سعيد لا يهشمه أحد.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: