محمد عمران.. أن تختار بين الثورة و''بنتك''
كتب- أحمد الليثي:
في منتصف عام 2010 جاءه الخبر، تهللت أساريره، وبدأ يردد الأمر في بهجة، سيكون أبا، فيما راح صديقه بحي مصر الجديدة يقنعه بأن تسافر زوجته لتلد في أمريكا مثلما فعل، غير أنه طرد الفكرة من رأسه ورد بقلب واثق ''بلدنا أحسن من غيرها''.. في أواخر ليل الأحد الثالث والعشرين من يناير 2011 كانت ''مريم محمد عمران'' تُزف إلى الدنيا كأجمل عروس، أخذت وسامة والديها ورقتهما، وسط ولادة عانت فيها الأم، وراقبها الأب بفؤاد متوتر، وفي صباح الخامس والعشرين من يناير، داخل أروقة المستشفى، همس في أذن زوجته ''أنا هروح الشغل خلي بالك من مريومة''، غير أن وجهته الأصلية كانت قبل ميدان التحرير؛ فلم يتمالك ''محمد'' نفسه حين سمع نداء الثورة، فلباه عن طيب خاطر.
لم تكن المرة الأولى لـ''عمران'' في دنيا التظاهر، شارك غير مرة ضد نظام مبارك، تارة على سلالم نقابة الصحفيين وطورًا أمام دار القضاء العالي، فيما كان رفاقه يسخرون من محاولاته ''كنا بنحضن بعض لما نوصل لـ30 أو40 شخص'' يقولها بوجه باسم متذكرا الأيام الخوالي، حتى وصل الأمر إلى يناير، وظلت الكلمات تطارده -كلما حضرت السيرة- أينما ذهب ''أنتوا فاهمين إن مبارك ماشي ده بُعدك، إحنا مش تونس، مستحيل، دول شوية عيال هيتلموا والمولد ينفض''.
مع دخوله الميدان شعر بنصر صغير، الوفود تتوالى، والأعداد بالآلاف، الأخبار تتابع عن السويس ونهضتها، وكلمة شهيد تُردد، المصريون ينتقدون مبارك على الهواء مباشرة، حاجز الخوف انكسر، فُض الميدان وانطفأت أنواره، بينما أضاء الأمل روح ''محمد''، عاد إلى المستشفى ولم يخبر أحد بما جرى.
قبل لحظات من صلاة الجمعة، 28 يناير، كان ''محمد'' يتأمل وجه صغيرته في أول أيامها بمنزله، يهيم فيها عشقا، بينما تراقبه والدته وحماته وزوجته ولفيف من الأسرة جاء ليطمئن على المولودة الصغيرة ويباركها، استأذن الشاب الثلاثيني كي يؤدي الفريضة، يوم الجمعة فيه ساعة إجابة، قالها الإمام وأقام الصلاة ''أول ما خلصت سمعت صوت مسيرة.. ركنت العربية ودخلت فيها، مشغلش بالي البيت ولا أي حاجة غير إني أكمل هتاف''.
شبكات المحمول أغلقت أبوابها، انقطعت السبل بـ''أبو مريم''، الضيوف ينتظرون، وهو يحلم بالتغيير، واصل المسير من صلاح سالم، حتى ميدان رمسيس، الشرطة تطارده، والسحب احتلها الدخان، صوت القنابل يدوي، والجرحى يتساقطون، لم يصل ''محمد'' الميدان، وعاد إلى منزله بعد ساعات شاقة لا تغيب عن باله، سار فيها منهكا دون إثبات شخصية، وركض خوفا من القبض عليه ''كنت مرعوب''، يجلس على الأرض، يسأل نفسه في حيرة ''لو الرصاصة جت فيا أنا.. بنتي هتسامحني؟.. لو روحت هروح فطيس ولا هبقى مجرم في حق أهلي.. ولا اللي بعمله أكبر من كل ده''، شاهد حريق الحزب الوطني في التلفاز فاستنكر الأمر ''قُلت في حاجة غلط؛ اللي في التحرير ميعملوش كدة.. كان معايا واحد جاي بعكاز من التجمع الخامس، الهتاف كان بيقول سلمية''.
مع كل تقدم يحتل الشغف قلب ''عمران'' متمنيا نصر أكبر، رحيل الحكومة، يتبعه وضع ''أحمد عز'' تحت الإقامة الجبرية، وتنازلات مبارك كادت تهزه، في الوقت الذي يقول فيه ''ده إحنا طلعنا جامدين ومنعرفش''.
لم يبت يوما في التحرير، لكن الزيارة كانت وردا ثابتا في يومه، كطقس لا يقوى على البعد عنه ''أصحابي بتوع مبارك ع الأخر.. ولو فكروا ينزلوا كانوا هيروحوا مصطفى محمود'' يروي ''عمران'' تفاصيل مناقشاته مع أهل حيه الراقي، لذا لم يكن مستغربا أن يصمت الشاب الثلاثيني للحظات وهو يتذكر رده الدائم على عبارة ''مين معاك في التحرير؟'' بكلمة واحدة لا تتبدل ''لوحدي''، أكثر ما يعلق بذاكرته جدعنة الناس في الميدان وبخاصة بسطائهم ''بيعزموا عليك الأكل بضمير أوي''، كان ''عمران'' يستخدم سيارته ''توصيلة'' لمن أراد، يقف على أعتاب الميدان يحظر الخارجين من أماكن استقرار البلطجية، يعاود منزله يوميا، لكن روحه معلقة بالكعكة الحجرية.
بعد تنحي مبارك ظل ''عمران'' يشارك كعادته في كل مسيرة ثورية دون الانتماء لحزب أو تيار، قرر أن يقيم ثورة صغيرة في عمله ''جمعت توقيعات لكل اللي حقهم مهضوم وقلت مفيش ظلم تاني''، فيما مرت أربعة أعوام خيم فيها اليأس على صوت ''عمران'' بعد شتائم طالت الشهداء ورفاق باتوا في عداد ''المسجونين''، غير أن محياه يرتسم بابتسامة جلية وهو يقول ''بس الـ18 يوم ثورة دول فخر.. كانوا أجمل حاجة حصلت في حياتي''.
تابع باقي موضوعات الملف:
"فلان الفلاني".. الثورة بنت المجهولين "ملف خاص"
أحمد أمين.. واجه مبارك بـ''7 جنيه'' وصنع متحف الثورة بـ''مشمع''
مصطفى.. ''اللي كان يومها واحد من الحراس الشعبيين للمتحف''
سهام شوادة.. الثورة يعني ''عيش وملح''
عم فولي.. ابن المطرية يتعلم الثورة على الطريقة الإنجليزية- فيديو
''الششتاوي''.. الثورة تحت أقدام الأمهات
نساء عائلة "سلام" بالإسكندرية.. الثورة تمد لسابع جد
مها عفت.. أول من حَمل "علم الثورة" في الميدان
يحكى أن ''عبدالله'' هتف.. وشبرا كلها ردت وراه
''فنانة'' و''بتاعة سندويتشات'' و''مسؤول شواحن''.. أبناء ''أسماء'' في الميدان
القصة وراء صورة "ماجد بولس".. ياما في موقعة الجمل حكايات
في بورسعيد.. من الأم إلى ابنتها ''الثورة أبقى وأهم''
''فاتن حافظ''.. الثورة ''من طأطأ لـسلامو عليكو''
قاسم المزاز.. ''دليفري'' المستشفى الميداني
حكاية جمال العطار مع الثورة.. باع "البيزنس" واشترى البلد
للتحرير تفاصيل يعرفها "محمود نصر"
محمود جمال يكتب.. من دفتر مذكرات فلان الفلاني "اللي كان يومها ثائر"
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: