طلعت حرب بعد ساعات من مقتل شيماء.. شهداء الشارع "أرقام"
كتبت - دعاء الفولي:
الزمن يعود إلى الخلف ساعات، شيماء الصباغ خضبت أرض ميدان طلعت حرب بدمائها، دون وداع أو توسلات سقطت، فرّ الجميع، حاول أحدهم مساعدتها فالُقي القبض عليه، رفعها آخر باحثًا عن مستشفى لكنه تأخر؛ قصة متكررة، تُروى بين جماعة من العاملين بالميدان قبل أن ينفضوا ليعودوا لأشغالهم، متمتمين بحمد لله أنهم لم يشهدوا الواقعة، يدعو لها أحدهم بالرحمة، يقول آخر "ايه اللي نزلها بس؟"، وأرض الميدان الصماء تستمع للحكايات، تأتي عشية مقتل شيماء، ويعود صباح يوم 25 يناير، تنمحي دماء القتيلة رويدًا، ينسى المارة وأصحاب المحلات ما جرى، يمرون بأقدامهم فوق الدماء، تبسط قوات الشرطة نفوذها على المكان، وتختفي قسمات ما حدث تمامًا.
على الرصيف المواجه لكافية "ريش" شرع البعض في فتح محلاتهم، فتاتان تتناولان المثلجات، تمران بالشارع الخالي إلا من الضباط الذين تجولوا بالمكان على اختلاف رتبهم، ومدرعة شرطة، وسيارات تقطع الميدان بين فترة وأخرى، الهدوء كان حذرًا، محمد الكومي وقف خارج شركة الصرافة الخاصة به، والتي تطل على الميدان، "شوية لبش وخلص علطول.. الموضوع مخدش 10 دقائق" على حد قوله، دلف سريعا إلى الشركة عندما تم إلقاء الغاز مغلقا الأبواب، لم يخرج إلا عقب انتهاء كل شيء، تبعد شركته خطوات عن موقع سقوط الجسد، لكنه لم يعرف من أطلق الرصاص "مشفتش حد".
حملها أحدهم محاولا إنقاذها، سار بها في اتجاه مقهى البستان، مارا بمقهى "ريش"، قبل أن يدخل في ممر ضيق، به بازار، جلس صاحباه على مقعدين، كانا ككثير من المتواجدين بالميدان "شاهد مشفش حاجة"، أغلقا المحل وعادا للمنزل بمجرد سماعهما أصوات الضرب، حتى أنهما لم يخرجا للشارع الرئيس لمعرفة ما يدور، خطوات قليلة للأمام يتخذها الرجل ذو التي شيرت البرتقالي حاملاً شيماء التي تشنجت أطرافها، يبحث بعينيه عن حل فلا يجد، يضعها على مقعد منتظرا الفرج، لا يعلم أن الروح انسابت خارجًا.
مقهى البستان لم يكن مفتوحًا على غير عادته.. الشارع الذي مرت منه شيماء ويفرش آل المقهى بضاعتهم فيه كان ميتا كباقي تفاصيل المنطقة المحيطة "الداخلية طلبت من صاحب القهوة يقفل.. تلاقيهم خافوا يحصل تجمعات ولا حاجة بعد اللي حصل امبارح"، قال عامل بالجراج المجاور للمقهى، لم يعتاد على وقوع ضحايا بالتحرير منذ فترة.
"يناشد حزب التحالف الشعبى الاشتراكى، كل شرفاء الوطن من رجال الاعلام والمواطنين، كل من لديه أية مادة مصورة للأحداث الدامية التي تمت ظهيرة السبت ٢٤ يناير وانتهت بمقتل الزميلة شيماء الصباغ بمحيط ميدان التحرير.. بتسليم تلك المادة لمقر الحزب الرئيسي"، قالت صفحة الحزب الذي انتمت له "الصباغ"، وقد أصدروا بيانًا عقب الواقعة يدينون فيه قوات الداخلية بشكل مباشر.
أحد وكلاء النيابة يتجول في محيط الحادثة صباح اليوم، أشار إليه "الكومي" قائلا: "لسة كان بيسألني دلوقتي على اللي حصل"، كان اللواء هاني عبد اللطيف، المتحدث باسم وزارة الداخلية، قد صرح أمس أن الوزارة تسعى لعمل التحقيقات اللازمة وكشف الجاني.
بين حين وآخر يخرج أحمد خطاب لإلقاء نظرة على تشكيلات الأمن المنتشرة، ثم يعود إلى شركة السياحة التي يعمل بها، رغم بقاءه بالميدان أيام الثورة الأولى العصيبة، ومرور أربع سنوات شاهد فيها أكثر من اشتباك، غير أن الأمس كان مختلفا "سمعنا صوت ناس بتهتف، هتافات من العادية دي بتاعة عيش وثورة والكلام دة كانوا جايين من ناحية هدى شعرواي وعددهم ميكملش 60 واحد"، وقف قبالة الجمع المتقدم في اتجاه ميدان طلعت حرب يشاهدهم، دفع بقدميه إلى الأمام حيث استقرت الوقفة ليكمل مسيرة الفضول، علت سحابة دخانية المنطقة قبل أن يفهم "خطاب" ما يحدث، سمع الطلقات، لم ير شيئا إلا بعد انقشاع الدخان "البنت وقعت على بعد كام خطوة مني"، قال قبل أن يذيل حديثه عنها بالرحمة.
اللغط مستمر.. تقرير الطب الشرعي الخاص بمشرحة زينهم، أقرّ إصابتها بطلق رش في الظهر، ما أحدث تهتك بالرئتين والقلب ونزيف بالصدر، مؤكدًا أن الرصاص اُطلق من مسافة لا تزداد عن 8 أمتار "الداخلية هي اللي ضربت.. كانوا على الرصيف التاني من الوقفة.. انا شوفتهم بعنيا"، قالها "خطاب" مباغتا قهوجي يعمل بالمنطقة، قال إن الداخلية لم تطلق رصاصة، بدا الشاب الثلاثيني مستاءً، نفث دخان سيجارته، أشار بيده إلى عامود كهرباء قريب من مكان سقوط شيماء "انا كنت عند العمود دة.. ربنا يشهد على كلامي"، هدأ قبل أن يقول بصوت المغلوب على أمره "احنا حقنا مهضوم.. الناس بتموت ومحدش قادر يعمل حاجة".
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: