لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

في العريش.. الحياة على جناح الخوف

09:01 م الجمعة 30 يناير 2015

في العريش.. الحياة على جناح الخوف

كتبت- دعاء الفولي:

السابعة وبضع دقائق، يرج انفجار شديد منزل سهر خالد، تهرع الساكنة بشارع سد الوادي، بمدينة العريش في شمال سيناء إلى بقية أرجاء الشقة، تطمئن على الأم، الأخوة الأصغر، تكتشف أن الأب لم يعد بعد من عمله، تخرج على باب المنزل لتجده قادما بالصدفة، يدخل الاثنان إلى مسكنهما، بينما يحاول سعيد محمد –زميلها في الجامعة- القاطن بحي ضاحية السلام التماسك، والدته منهارة، زجاج المنزل يهوي على الرؤوس، تبتعد الأسرة عن النوافذ؛ فلا يتركهم الخوف، فيما قام إسلام محمد، أبعدهم عن مكان الحادث، إلى باب المنزل، يُغلقه، بعد أن فتحه الانفجار. في مدينة العريش الجميع متضرر، التفجيرات متوالية على مر الشهور، تجعل جيرانها يفقدون أحد الأقارب، أو جزءا من المنزل، والبعيد عنها يستعد ليكون الضحية القادمة، تخرب النفوس الآمنة. هكذا، تصبح الحياة هناك عصيبة، أولها تفجير، أوسطها رعب وآخرها موت بطيء.

تعرف على أسماء ضحايا تفجيرات سيناء

مساء الخميس، 29 يناير، هزت تفجيرات متزامنة مدن رفح والشيخ زويد والعريش بشمال سيناء المضطربة؛ حيث تم استهداف معسكر الكتيبة 101 بسيارات مفخخة ومديرة الأمن وفندق ضباط الشرطة بالعريش بقذائف هاون فضلا عن كمائن أمنية، خلفت التفجيرات 30 قتيلا بين عسكريين ومدنيين.

لم تكن تلك التفجيرات الأولى في العامين الماضيين، تعايش بعض السكان مع حظهم السيء، كونهم من أهل شمال سيناء، خاصة من يقطنون على مقربة من الجهات التي أمست أهدافا للتفجيرات والهجمات المسلحة.

تفجير الأمس (29 يناير) كان جزءا يسيرا مما مرت به عائلة سعيد. ففي يوليو الماضي استشهدت أخته نهال ذات الأعوام العشرة، على إثر صاروخ تم إطلاقه قبل شارع الرائد العربي، بحي السلام (أو الضاحية كما هو معروف هناك)، بالقرب من مبنى مديرية الأمن، هم على خط النار دائما، لذا لم يترك الشاب العشريني منزله، يعلم أن الشارع به ضحايا، وأنه يستطيع المساعدة، لكن التجربة السيئة مع وفاة الشقيقة منعته الحركة "التفجير المرة دي أصعب في عدد الضحايا.. كنا بنسمع التفجيرات ورا بعض ومبنعدهاش، وبيوتنا بتتكسر ومع ذلك محدش نزل، العريش كلها كانت مستخبية تحت السرير".

أحضرت تفجيرات ليلة الخميس ظلاما دامسا على المدينة، إلا من قنابل تضيء سماها. يبعد منزل سهر بالسيارة عن محيط التفجيرات حوالي 12 دقيقة. بعد أن هدأ روعها قليلا، حاولت الاتصال بعمتها، التي يفصلها عن مديرية الأمن 500 متر، على حد قولها "الشبكة كانت سيئة جدا.. كنا هنموت من الرعب"، نصف ساعة لم تنقطع فيها المحاولات، حتى جاءها الصوت المتوتر على الجهة الأخرى "احنا كويسين.. نزلنا تحت في الدور الأرضي ونايمين على الأرض"، قالتها العمة، بينما تسمع سهر أصوات بكاء مكتوم للأطفال في الخلفية.

ما تلبث سهر أن تطمئن قليلا، حتى تشتعل السماء ثانية، وتتناثر زخات الرصاص، ظل الوضع غير مُحتمل حتى الثانية صباحا، بعدها لم تستطع الأسرتان مقاومة التعب، فأغلقت الفتاة الخط مع أقاربها، ليحصل كل منهم على استراحة نوم حتى إشعار آخر.

قصة 10 دقائق هزت سيناء

يبعد إسلام-رفض ذكر اسمه الحقيقي لعمله بأحد الهيئات القانونية- عن محيط تفجيرات الضاحية، حوالي 10 كيلومترات، إلا أن أثر الانفجار صفع باب المنزل، منذ عدة سنوات يحاول وإخوته بيع البيت الذي بنوه عقب انتقال والدهم عام 1997 إلى العريش، بتكليف من وزارة الداخلية، إلا أنهم لم يتمكنوا من بيعه بعد، ورغم بعدهم نسبيا عن حي الضاحية، فهم لا يشعرون بالأمان، منذ أن تم استهداف كمين الريسة في يوليو2013.

تقع كلية التربية-حيث تدرس سهر- بين الكتيبة 101 وقسم ثان العريش، لكنها تتعايش وباقي المنزل مع الوضع. يعمل الوالد بشركة الكهرباء، تذهب الأم إلى السوق، ويخرج الإخوة إلى المدارس "بناكل ونشرب وعايشين.. مستنيين الدور وخلاص.. النوم بقى فيه شوية مشاكل بس بنتعامل معاها"، قالت الفتاة، معبرة عن الأيام القليلة التي تستطيع فيها الأسرة النوم بشكل تام، دون سماع دوي تفجيرات، أو أعيرة نارية، الوالد أحيانا لصعوبة الوصول لعمله، تلازمه سيارة تابعة للجيش لتأمينه، ما يجعل قلق الابنة أكبر، لاحتمالية استهدافه.

في 25 اكتوبر الماضي، تم تطبيق حظر التجوال بمحافظة شمال سيناء بشكل كامل إلا من مركزي بئر العبد، ونخل (وسط سيناء)، ويبدأ الحظر يوميا من السابعة مساءً، وحتى السادسة من صباح اليوم التالي. تعتقد طالبة كلية التربية أن حظر التجوال قد يخفف من عدد الضحايا المحتملين في كل مرة، إلا أن تأثر الحياة ومصالح المواطنين وأعمالهم سلبا بحظر التجوال، أمرا يلمسه إسلام، فعقب الأسبوع الأول من الحظر، لم يشعر الناس بتحسن على المستوى الأمني، كما أن "تمديد الحظر مع عدم وجود مجلس شعب لازم يكون باستفتاء شعبي ودة محصلش" على حد قوله.

صور ترصد دموع وأحزان أهالي ضحايا هجمات سيناء

منذ أكثر من عام حاولت سهر التواصل مع أقاربها المتواجدين خارج مصر، كي تلحق بهم، بعد مرورها بـ12 ساعة سيئة، بسبب قذائف تتساقط قريبا من منزلهم على دار الدفاع المدني في الثانية ظهرا. تذكر مشهد بكاء ابنة عمتها الصغيرة الذي لا ينقطع، احتضانها إياها لتحاول عبثا تهدئتها، بينما تهزي الفتاة بجملة "هنموت.. هنموت والله"، كان الضحايا وقتها يتساقطون على مقربة من المنزل، ما إن مرت الليلة بسلام حتى تمنت السفر، لكنها لا تنوي فعل ذلك حاليا. الجحيم لم يتوقف، لكنها قررت الموت بـ"كرامة" على حد تعبيرها.

"انا بتعامل معاملة غير آدمية بسبب حظر التجوال وغيره.. مفروض يحترموا عقولنا كبشر"، قال سعيد، هو على العكس من زميلته في الكلية قرر بينما يدوي الضرب في الخارج أمس، أن يصطحب الأسرة إلى محافظة الشرقية، حيث بيت العائلة، بشكل مؤقت "أمي وإخواتي محتاجين يريحوا أعصابهم شوية.. كلنا افتكرنا اللي حصل لنهال"، لم يعد في قلب سعيد وعقله متسع لتحليل الموقف بشكل سياسي، إذ قال "حاسس إني عايش في فلسطين.. مبقتش عارف حاجة والله".

الحل الأمني فاشل، كما يرى إسلام، القتل يولد قتل وإرهاب، المرونة السياسية هي ما ينتظره في الفترة القادمة، يجب أن تحوي المعادلة أبناء قبائل البدو من وجهة نظره، فهم الأعلم بتضاريس المناطق في سيناء "لازم يبقى فيه جزء من المصالحة بين الأطراف كلها.. وإلا هيفضل الوضع سيء".

أقرأ أيضا:

مصادر قبلية: أصحاب أنفاق تهريب متورطين في هجمات سيناء.. ويجب التنسيق مع القبائل

 

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان