إذا قُتل "مُلهم" برصاص الأسد.. فهناك 70 "مُلهم" أحضانهم تضُم السوريين
كتب - إشراق أحمد:
بدأ لواء الثورة يلوح بأفق سوريا، هبّ الشاب مُلهم الطريفي مُشاركًا، أراد العدالة والكرامة الإنسانية، منحها كل طاقته وحلمه، فلم يكتف بواجب المشاركة بل نظم المظاهرات الأولى التي خرجت ضد نظام "الأسد" في مدينته "جبلة"، ليذوق الشاب العشريني خريج كلية إدارة الأعمال ويلات ما فعل؛ اعتقله الأمن العسكري باللاذقية في 14 مايو 2011، احتُجز في المخابرات العامة بدمشق لمدة 11 يوم، لقي شتى ألوان التعذيب، اتهُم بأنه المسؤول الإعلامي للإمارة السلفية، حتى أفرج عنه في 4 يونيو 2011، ليقرر الشاب الانتقال إلى الأردن، ثم السعودية بعد إصرار عائلته على الفرار مما أصابهم من عذاب، غير أن لهيب الثورة لم يخفُت يومًا بقلب "ملهم"؛ فأخذ يوجه طاقته لإغاثة اللاجئين السوريين بالخارج، لكن نفس الشاب ظلت تؤرقه ذكرى فراق سوريا، فعاد إليها مرة أخرى، وكأنه ذهب لقدره؛ سقط ابن الـ24 عاما صريعًا برصاص قوات الأسد في اللاذقية. مات "مُلهم"، طويت صفحته، دون معرفة ما حمله اسمه له من نصيب؛ فالشخص الذي لم يكن يعلم سيرته أحد، بات "مُلهم" لنحو 70 متطوعًا في بلدان مختلفة، اجتمعوا في فريق يحمل اسمه، لخدمة اللاجئين السوريين، الذي سخَر حياته لمساعدتهم.
فيديو (تعرف على فريق ملهم لمساعدة اللاجئين السوريين)
قبل نحو ثلاثة أعوام وتحديدًا في 26 أكتوبر 2012، بذخت فكرة فريق "ملهم" لأول مرة بالأردن، اقترح أحد أصدقاء الشاب، استكمال مسيرة رفيقهم "الشهيد" بتكوين مجموعة تطوعية، وذلك بعد منشور رآه لطالب سوري على صفحته بـفيسبوك، يعلن بها عن رغبته في جمع تبرعات لشراء ألعاب لأطفال مخيم الزعتري –بالأردن-، والذي يضم السوريين النازحين، وبعد التمكن من تجميع التبرعات، ورؤية سعادة أطفال المخيم، عمل الأصدقاء على تأسيس الفريق الحامل لاسم صديقهم، فكان فريق "ملهم التطوعي".
"من حبه للثورة وهمته وتضحيته بحياته ومستقبله، كانت همتنا وكان ملهمنا بكل خطوة من أول التأسيس" تقولها سارة سيف متطوعة بالفريق، فذلك بالنسبة لهم كان سببًا كافيًا لإلهامهم وتخليد اسم صديقهم، ليظل سببًا لمساعدة السوريين.
بين سوريا، لبنان، تركيا، الأردن، أمريكا، أوروبا يكرس نحو 70 متطوع من الشباب السوري أوقاتهم لمساعدة إخوانهم في الوطن، المحاصرين منهم بالداخل، واللاجئين خارجه، متحدين القصف بالداخل من ناحية، وضعف الدعم حد انقطاعه خارج الوطن من ناحية أخرى، يبذلون ما أوتوا من قوة لمساعدة الحالات الطبية والإنسانية، يطلقون الحملات العاجلة بالتزامن مع الأحداث أو اقتراب المواسم، حال حملة أنقذوا دوما، التي دعوا إليها "لتأمين المواد الأساسية بعد القصف العنيف على المدينة من قبل قوات الأسد" كما تقول "سارة"، وكذلك حملة "أجيال"، وهي إحدى الحملات المستمرة منذ نشأة الفريق، تنطلق مع اقتراب الموسم الدراسي لتوفير احتياجات الطلاب السوريين في المدارس، وأيضا حملة أضحية العيد، بهدف توفير أكبر عدد من الأضاحي، لتوزيعها على المحتاجين في الداخل السوري، ويوضع لبعض تلك الحملات بصمة "ملهم" بإطلاق أسماء الشهداء عليها.
على مدار ثلاثة أعوام، أخذ الفريق في التوسع، مع زيادة أعداد النازحين من سوريا، "وإن كانت الحاجة في الداخل السوري أكبر بكثير من دول الجوار" كما ذكرت "سارة"، فكون مجيء الفريق من قلب القضية، جعل إحساسهم بها أقوى من غيرهم، الإيمان بالحرية والعدل والسلام، جعل حافزهم الأكبر هو السعي لغرسه بالنفوس، التي تتألم كل يوم من الأحداث الدائرة بسوريا.
أب ينام مع أطفاله في الخلاء، وأخر عاجز عن دفع ثمن الدواء، طفل صغير وراء سياج المخيم يحلم لو أن له وطن يحتويه.. مثل هذه المشاهد تؤرق أعضاء فريق "ملهم التطوعي"، تدفعهم لبذل المزيد من الجهد "نحن منشغلون بإنقاذ أراوح بريئة تقف على حافة الموت ورسم ضحكة ملونة تطرد الحزن من وجوه أطفالنا" تقول تسنيم فتة –متطوعة-، عن عمل الفريق، الذي يهاب وقف الدعم والداعمين أكثر من القصف "نخشى أن تأتي حالة طبية أو إنسانية مستعجلة ولا نستطيع تأمينها.. يصعب علينا الوقوف مكتوفي الأيدي، وإن كان دوما بفضل لله نؤمن كل ما هو طارئ لكن الخوف دوما مرافقنا من عدم القدرة على المساعدة".
يسعى فريق "ملهم" لاحتواء احتياجات السوريين، من مأكل، ملبس، التكفل الطبي بالمصابين، كذلك تعليم الأطفال، الذين يولوهم اهتمام خاص، فمع توسع النشاط، تمكنوا بالتعاون مع منظمات خيرية من إنشاء مدرسة تابعه للفريق، تحتضن أطفال سوريا بلبنان.
منذ احتدام الحرب في سوريا، والدعوات لنصرة الشعب السوري، والوقوف بجانبه، ودعم اللاجئين تخرج بين الحين والأخر، أخرها المناشدات التي انهالت بعد موجة النزوح، والصور المؤلمة لرحلات اللاجئين السوريين إلى أوروبا، من أجل البحث عن حياة آمنة، غير أن فريق "ملهم" كان من السابقين لمعرفة مرارة اللجوء طيلة ثلاثة أعوام، وكذلك ما تخفيه تلك المرارة من صفات إنسانية، لمسها خالد عبد الواحد -متطوع بالفريق في لبنان- بينما يمر على المخيمات والتجمعات السكنية وقت العواصف الثلجية، إذ أبصر بعض أرباب الأسر، يطلبون التطوع لمساعدة غيرهم فيما لا يملكون شيء يرد الصقيع عن أجساد أطفالهم، فيتذكر كلمات ذلك الأب المُصر على مشاركتهم "خليني حسّ إني قدمت شي في متل ولادي كتير بدي ساعد كيف ما كان لخليهم يحسوا بالدفا".
خروج الفريق التطوعي من رحم الصعب، يجعل مهامه في أوضاع مماثله، ففي البرد الشديد يحين موعد انطلاقهم للعمل، يقابلون عشرات الوجوه لكن لم يستطع أحد منهم نسيان تلك الطفلة الصغيرة بالقرب من مخيم الزعتري –كما تقول "تسنيم"، فيما كان يوزع المتطوعون "البيجامات" ركضت نحوهم حافية القدمين لترى ماذا يقدمون، أعطاها أحدهم "بيجاما" لكنها رفضت أخذها، قائلة بنبرة طفولية إنها بحاجة لحذاء، أسرت الصغيرة قلوب المتطوعين، كيف لها أن تعرف الإيثار في المعاناة؟، حتى أن أحد المتطوعين أصر على السفر إليها مرة أخرى للبحث عنها وإعطاءها حذاء شتويا ومعطفا.
أوجاع يتعرض لها الفريق، لكن ذلك يدفعهم دفعًا لفعل أي شيء يرسم الابتسامة، ويُدخل الفرحة على قلوب أهل سوريا المنكوبة، متخذين من الإبداع وسيلة لتنفيذ مهامهم، فيجددون من أسماء حملاتهم ووسائلها مع الإبقاء على الهدف، كما في حملتهم لعيد الأضحى هذا العام، حيث اتخذوا من الدمار مشهد مقلوب يعتليه الفرحة تحت شعار "راح نقلب الدنيا فرح" أسلوب لدعوتهم إلى توفير مستلزمات العيد، وفي عيد الفطر المنصرف قبل شهور، فاجأ الفريق متابعيهم بمقطع مصور، يصطف المتطوعون فيه مُتشحين بالسواد، يُمسكون بأطفال، لتبدوا الصورة مُجسدة لتلك التي روجها تنظيم "داعش" لحظة إعدام ضحاياه، لكن بمجيء اللحظة الحاسمة، يتحول عبس الوجوه إلى سعادة، تتبدل الملابس إلى أخرى ملونة رمزا لملابس العيد، فتلك الطريقة التي وجدها أعضاء الفريق للتعبير عن حملتهم لإسعاد صغار سوريا في العيد، وما هو جزء من مساندتهم المتمثلة للدعم النفسي للأطفال.
فيديو (حملة فريق ملهم التطوعي في عيد الفطر)
يبحث الكثير ممن أدركوا مؤخرا حجم معاناة الشعب السوري عن كيفية تقديم الدعم، فيما استطاع الفريق بحكم احتكاكه الدائم باللاجئين الوقوف على متطلباتهم، والمتمثلة كما تقول "سارة" في توفير ملاذ آمن، تسهيل دخولهم للمراكز والمستشفيات الطبية، التحاق الطالب السوري بالمدرسة في دولة اللجوء دون تعقيدات للحفاظ على الأجيال من الأمية والتسول، يعدد الفريق الاحتياجات، فيما تحمل نفوسهم الطموح بالاستمرار في أداء واجبهم ما دام هناك "إنسان واحد" بحاجة للمساعدة، مع العمل على مشاريع تنموية تعود بالدعم على الفريق حتى يتمكن من مواصلة دوره، آملين أن يصبحوا منظمة للعمل الخيري، تكون مثالاً يُحتذى به عن التفاني في مجال العمل الإنساني.
"لا تخافوا من السوري .. السوريين لاجئين بس كلنا راجعين" تلك الرسالة التي يعمل الفريق على ترسيخها بأذهان الجميع حول العالم، فالرحلة مؤقتة بينما العمل باق كما يوقن شباب "ملهم، لذا لا يلتفتوا إلا إليه "نحن منشغلون عن هذا العالم أجمع إن علم بحالنا أو لم يعلم.. فلا وقت لدينا للصراخ و لا البكاء، فمن يبحث عن الإنسان بداخله هو فقط من سيشعر بحجم المعاناة".
فيديو قد يعجبك: