اكتشف فوائد "الفضول" في كتاب البرتو مانجويل
القاهرة- ( أ ش أ ):
لعل الثقافة المصرية بحاجة لاذكاء قيمة الفضول المعرفي وثقافة التساؤل فيما يشكل هذا النوع من الفضول الحميد قاعدة في الثقافة الغربية تنطلق منها العديد من الاكتشافات العلمية المبهرة والانجازات التي غيرت وتغير اوجه الحياة الانسانية.
والفضول في سياق ثقافة التساؤل يقف على النقيض من الظلامية والثقافة الماضوية القامعة للسؤال والمكتفية بالماضي والرافضة بصورة مريضة لأي تجديد بما يلحق افدح الخسائر بأي محاولة للتقدم والاستجابة الفعلية لتحديات تتجدد باستمرار واشكاليات لم تكن مطروحة في الماضي.
وها هو الكاتب والأديب الأرجنتيني الأصل والكندي الجنسية البرتو مانجويل الذي يعيش حاليا في فرنسا محاطا بـ 30 ألف كتاب اختار "الفضول" عنوانا لكتاب جديد هو بالفعل "مثير للفضول" بقدر مايؤكد على حقيقة جوهرية ألا وهي أن الفضول ولد مع الانسان الأول واستمر كدافع لاستمرارية الحياة على الأرض.
ومراقبة سلوكيات حيوانات مثل القطط والكلاب تكشف عن أن الفضول ليس حكرا على الكائن الانساني كما يمكن بالملاحظة فهم علاقة الفضول بالتعلم عبر التجربة والمحاولة والخطأ وهكذا يحق وصف الفضول "بالمعلم العظيم".
غير أن الإنسان يبقى الأكثر فضولا ورغبة في الاستقصاء بين كل الكائنات كما يؤكد البرتو مانجويل في كتابه الجديد وهذا الفضول الانساني الطاغي مفيد في رحلة البحث عن فرص جديدة بل وتصور او اختراع هذه الفرص.
ويؤكد العديد من أساتذة وخبراء علم النفس أن الفضول جزء اصيل من المنظومة الاساسية للمشاعر الانسانية فيما يصف البرتو مانجويل مؤلف هذا الكتاب الجديد نفسه بأنه صاحب عقل متسائل ويفخر بوصفه كأحد كبار الفضوليين.
وإذا كان التاريخ الثقافي يقدم دروسا دالة حول أهمية الفضول المعرفي فواقع الحال أننا في وضعنا الراهن بحاجة للفضول بمعنى العقل المتسائل والمستفسر ليحل محل العقل الأسير والمكبل والمقيد بقيود عديدة أغلبها من صنع عقولنا.
ومن الدال في الثقافة الغربية أن كتابا آخر يحمل العنوان ذاته :"الفضول" كان قد صدر من قبل بقلم كاتب بريطاني متخصص في مجال الكتابات العلمية وهو فيليب بال كما أن الفضول كقضية ثقافية يشكل قوام كتاب "الأشياء" لايمي ليخ فيما تتفق هذه الكتب والكتابات الغربية على اختلاف المعالجات حول أهمية الفضول المعرفي وإمكانات السؤال والعقل المتسائل.
وللفضول فوائد جمة ومخاطر عظيمة أيضا ويمكن وصفه "بملح الحياة" فهو حاضر في تفاصيل المشهد الانساني عبر الزمان والمكان , فهو حاضر مثلا في جائزة نوبل للفيزياء التي منحت هذا العام للعالم الياباني كاييتا وزميله العالم الكندي ارتر بي ماكدونالد تقديرا لبحوثهما حول "كتلة النيوتريونات" واكتشاف الذبذبات في جسيم النيوترون بما يفيد أنه يمتلك كتلة.
والتجليات الحميدة للفضول المعرفي ستتوالى خلال الساعات والأيام القليلة المقبلة مع الاعلان عن بقية الفائزين في جوائز نوبل لهذا العام بينما يثير الكتاب الجديد لالبرتو مانجويل تأملات حول دور الفضول في انجاز اعمال ادبية وثقافية خالدة مثل "الكوميديا الالهية" للشاعر الايطالي دانتي اليجيري والامكانات التي يتيحها الفضول لارتياد مناطق جديدة في السرد الأدبي وابداعات الشعر.
ثم أن الفضول يشكل محركا رئيسا لجهود انسانية فذة في مجال الاكتشافات الأثرية وحل الغاز وشفرات الماضي ناهيك عن ابجديات لغات سادت ثم بادت وان كانت الثقافة الغربية ذاتها لاتخلو من قصص واساطير دالة حول مخاطر الفضول الانساني الزائد مثل قصة "صندوق باندورا" التي وردت في الميثولوجيا الاغريقية حيث لم تصمد باندورا امام اغواء فضولها ففتحت الصندوق الذي يحوي كل شرور البشرية!.
ولاجدال أن الفضول حاضر وبقوة في مستجدات المشهد الاقليمي وتطورات العلاقات الدولية وقد يتأجج بتساؤلات مثل التي تثيرها الصحافة الغربية الآن حول الدوافع الحقيقية للتدخل العسكري الروسي في سوريا والتأكيد على وجود أسباب خفية لموسكو.
وبالتأكيد الفضول أقوى من الخوف عند البعض ومن هنا يقترن الفضول بالخطر وهاهو كتاب "الفضول " لالبرتو مانجويل يتضمن قصة مؤلمة عن الفيلسوف طاليس المالطي وهو أحد الحكماء السبعة عند اليونان وقد سقط في بئر وهو غافل جراء فضوله المتقد بمتابعة حركة النجوم في السماء!.
ويقول الكاتب والشاعر والناقد البريطاني الراحل صمويل جونسون أن الفضول حاضر دوما في العقول العظيمة والمعطاءة وهو أول المشاعر وآخرها أما الفيلسوف اليوناني العظيم ارسطو فقد أعلى من شأن الفضول لحد القول أن الكثير من البشر يعيشون من أجل إشباع فضولهم فحسب فيما حالة النهم غير قابلة للاشباع.
لاحاجة للقول ان هذه الحالة اسهمت وتسهم كثيرا في اعمار الأرض وتحقيق مانسميه بالتقدم الانساني كما أنه لابد من القول أن الفضول يمكن تطويعه وتكييفه بما يحقق حياة أفضل ليتفادى الانسان المخاطر ويتمتع بامكانية أفضل للفهم والتحكم قدر الإمكان في عديد الظواهر عبر رحلة المسير والمصير!.
ولئن كان من ذهب إلى أن الفضول يصل ذروته عندما يدرك أي شخص في صباه أن الموت مصير كل إنسان فهناك من يقول إن الفضول يتجاوز الموت ذاته!، لاريب أن مايحدث بعد الرحيل عن الحياة الدنيا كان وسيبقى مثيرا لأقصى درجات الفضول الانساني، ولكن هل تنطبق مقولة أن الفضول يتراجع كلما تقدم الانسان في العمر على كل البشر أم أن هناك فئات مثل العلماء والباحثين لاينخفض منسوب فضولهم أبدا؟!، في كل الأحوال الفضول حاضر في العديد من قصص الاكتشافات العلمية التي غيرت أوجه الحياة الانسانية.
وإذا كان الفضول قرين ثقافة التساؤل فكثيرا ماتبقى أسئلة هامة في حياة الانسان دون إجابة تشفي غليل الفضول لأن الكثير من التصرفات والممارسات الانسانية تبدو مستعصية على التفسير وقد تكون دوافعها غير مفهومة من منظور المنطق او العقل.
ومن الضروري في سياق كهذا الاشارة للظلال والفوارق الدقيقة بين مفهوم "الفضولي" وهو مطلوب لأنه مفيد ومفهوم اخر بغيض هو "المتطفل" لأنه يقترن بالتلصص على الآخرين ومحاولة اقتحام خصوصياتهم الانسانية وهو مايسمى في العامية المصرية "بالشخص الحشري" بكسر الحاء ورغم فضول مثل هذا الشخص فان الفضول هنا من النوع العقيم الذي لن يفيده في نهاية المطاف بقدر مايضر الآخرين.
والفضول صاحب فضل في عالم الكتاب فكثيرا مانقرأ من باب الفضول والرغبة في التعرف على تجارب الآخرين واسرارهم ايضا واحيانا يكون الشخص المدمن للقراءة فضولي عظيم مثل البرتو مانجويل مؤلف الكتاب الجديد حول الفضول .
إنه الفضول الذي يبدد ظلمة الكهوف القديمة ويطلق برق مصابيح العقل الانساني في رحلة الاجابة عن اسئلة القلق العاتي وعناوين المستقبل..الفضول الذي يفتح كتاب الزمان والمكان على كلمات جديدة ودروب مغايرة وبيوت لم نسكنها بعد.
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: