مصراوي يحاور أفضل مؤلف مسرحي في مصر
حوار- محمد مهدي:
* ''العرض الفائز رُفض العام الماضي من مسرح الهناجر''
* ''رفضت العمل في ''تياترو مصر'' لهذه الأسباب ''
* الجائزة انتصار لكل الموهوبين اللي اتقال عليهم ''صِيع''
في عامه الدراسي الأول بكلية تجارة جامعة عين شمس، وهو ما يزال يتحسس خطواته في الكلية الصاخبة، سمعّ ''محمود جمال'' عن وجود نشاط مسرحي داخل المكان، كان لديه شغف خاص بالفن، دفعه إلى الذهاب لفريق المسرح للسؤال عن إمكانية انضمامه إليهم، دخل إلى الغرفة المخصصة للنشاط بخطوات ثقيلة، الارتباك يبدو على ملامحه، يرى كل من حوله عمالقة من فرط القلق، غير أنه سريعا ما أفسح لنفسه مساحة في الفريق بموهبته وأخرى في عالم المسرح امتدت لسنوات حتى تلك اللحظة التي صعد فيها منذ عدة أيام إلى المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية ليتسلم من وزير الثقافة جائزة أفضل نص مسرحي عن ''الغريب'' للمرة الثانية في 3 سنوات في مهرجان المسرح القومي.. تاريخ قصير بين اللحظتين لكنه يحوي خطوات كبيرة من الجهد والموهبة والإبداع.
مسرحية ''الغريب'' التي فاز بها ''الحديني'' – كما يلقبه أصدقائه- بجائزة أفضل نص مسرحي، واحدة من 33 مسرحية قام بتأليفها منذ أن بدأ الكتابة في عام 2005، حينما تولى مسؤولية فريق المسرح بكلية تجارة عين شمس، كان وقتها يستعد لعمله الأول كمخرج، لم تُشغله أي مسرحية عرضت عليه، فقرر أن يخوض تجربة الكتابة ''فضلت 6 شهور بكتب في إنهم يعزفون، عن قهر الإنسان والصلبان اللي بيعذب عليها سواء إنسانيا أو اجتماعيا أو سياسيا''.
بعد عرض ''إنهم يعزفون''، واجه ''الحديني'' موجة كبيرة من المدح، المسرحية ذاع صيتها سريعا في المسرح الجامعي، فكُر خيط الأعمال المسرحية كمؤلف، لينتج في العام التالي مسرحيتي ''إبليس'' و''هانبيال''، حصلت الأخيرة على أفضل عرض مسرحي في مهرجان المسرح الجامعي وجائزة أفضل مؤلف مسرحي ''حسيت إني شايف نفسي أكتر في التأليف، وإن دي حياتي.. والتمثيل فادني في الكتابة، لأني بكتب أدوار صعبة تخلي الممثل مستمتع''.
في 2007 كان الأمر قد حُسم لدى الفنان الشاب، التأليف صار عالمه، تفرغ للكتابة، وباتت الجوائز قدره الدائم بفعل موهبته ''كتبت مبنحلمش وحصلت على جائزة أفضل مؤلف في المهرجان العربي للمسرح'' ثم نفس الجائزة عن مسرحيتي ''مدينة التلج'' و''البروفة'' عن نفس المهرجان في عام 2008 التي شهدت فوزه بجائزة ''تيمور'' عن نص ''هانبيال'' ونشرها في الهيئة العامة للكتاب.
انفرط عقد الموهبة لعامين، توقف خلالها ''الحديني'' عن كتابة أي نصوص جديدة، حيث كان يقضي الخدمة العسكرية، قبل أن يعود في نهاية عام 2010 بعمله ''اليوم الآخير''، ثم ''1980 وأنت طالع'' في 2011 الذي لاقى نجاحا مقبولا عند عرضه بشكل محدود، ثم ''هنكتب دستور جديد'' في العام التالي التي منحته جائزة الدولة التشجيعية قبل أن يتم عامه الثلاثين، وطوال الوقت كان يساعد الكاتب الشاب زملائه في مسرح الجامعات المختلفة بالعديد من النصوص المسرحية دون مقابل يُذكر ''مش معقولة هاخد فلوس من طلاب عارف إن ميزانيتهم محدودة جدًا''.
خلال مهرجان المسرح القومي 2013، تقدم ''الحديني'' مع أصدقائه خريجي كلية تجارة –فريق المسرح- بعرض ''1980 وأنت طالع'' العمل كان مهددا في اللحظات الأخيرة لعدم التواجد في المهرجان ''كان كل واحد مشغول في عمل تاني.. وقدرنا نجمع بعض بصعوبة قبل العرض بيومين''، قاموا بعمل بروفات مكثفة في 48 ساعة، ثم عُرضت المسرحية، وفي حفل الجوائز فوجيء المؤلف الصاعد بفوزه بجائزة أفضل نص مسرحي ''طلعت زي مقاتل انتصر في معركة حياته.. الجايزة بتفرق، بتقولك إنت ماشي صح. أنت موهوب.. بعد فترة من التيه والقلق''، فيما حاز العرض على جائزة المهرجان وأفضل عمل جماعي و حصد مخرجه محمد جبر جائزة أفضل مخرج صاعد.
في بدايات 2014 كان الكاتب المسرحي منشغلا طوال الوقت بأعمال جديدة، 4 مسرحيات دفعة واحدة مطلوبة منه لمناسبات عدة '' مكنتش بنام حرفيا.. الغريب لمسرح الهناجر، وسندريلا لمسرح الجامعة، والغرفة على رصيف القطار على مسارح الدولة'' لكن بعد الانتهاء من كتابتهم لم تُنفذ واحدة ''كلهم اتكنسلوا.. مهرجان المسرح اتلغى.. والغريب تم رفضها'' مدير مسرح الهناجر ''هشام عطوة'' رفض المسرحية التي حصلت في العام التالي على أفضل نص مسرحي ''قال إنها سياسية ومينفعش تتعرض عندنا''.
أُصيب ''الحديني'' بنوبة مؤقتة من الإحباط بعد إلغاء كافة أعماله، مضت شهور دون معنى، لكنه لم يتوقف عن الكتابة، انتقل إلى عالم الرواية بعمله ''إيريوس'' في محاولة منه لفك حصار الحزن الملتف حول روحه، قبل أن يأتِ الفرَج ''كنا بنعرض مسرحية 1980 وأنت طالع أسبوعين كل سنة.. كنا حاسين إنها مختلفة وهتنجح ومحتاجة تتشاف أكتر'' وفور عرضها من جديد فوجئ الفريق بانتشار اسم العمل في وسائل الإعلام وتزايد أعداد الجمهور يوما بعد يوم ''قررنا نمد فترة العرض'' لكن الجمهور لم يقل يوميا، لقد حدث هذا النجاح الكبير في توقيت كان قاسيا على الكاتب الشاب.
استمر عرض ''1980 وأنت طالع'' طوال عام 2015، مع تجديد شملّ 50 % من النص المسرحي ''بكتب حوالي 80 % من العرض لكن الفريق بيساعد في الكتابة''، انطلقوا إلى المغرب في مهرجان للمسرح فنجحوا في اقتناص جائزة أفضل فريق جماعي، قبل أن يعودوا ليستكملوا العرض من جديد بنفس القَدر من النجاح ''ودخلت في المهرجان القومي للمسرح بعرض الغريب وهانيبال''، تلك المرة كان يجلس وفي قلبه أمنية أن يحصل على الجائزة، يحتاجها لتؤكد أنه على أرض صلبة، وموهبته في طريقها الصحيح '' كنت بدعي ربنا إن دا يحصل''.
عند إعلان أسماء الفائزين، علت دقات قلب ''الحديني''، رجفة سرت في جسده، لحظات بطيئة مرت عليه، من حوله أصدقائه يهمس له ''خير خير''، قبل أن يُسمع أسمه في أرجاء المكان كفائز بأفضل نص مسرحي عن ''الغريب''، انطلق بخطوات واثقة نحو خشبة المسرح، استلم الجائزة، رفعها بيديه معلنا انتصاره ''الجائزة تتويج لمجهودنا كلنا.. صحابي كلهم.. لأفكارنا ومبادئنا، وإننا بنحقق حاجة مش صيع وضايعين زي ما اتقال علينا''.
الحديني، الذي تعلم المسرح بالقراءة و''الفُرجة'' والمتابعة والتجربة والحُب، لا يتخلى عن طقوسه الثابتة في الكتابة، له في كل منطقة مقهى بلدي ينطلق إليها، يجلس في أحد أركانه، يضع ''الهاندفري'' على أذنيه، يسمع مزيكا دافئة، يُشغل سيجارة تلو الأخر، يترشف عدد لا بأس به من أكواب الشاي، فيما يخط بيديه شخصيات وأحداث أعماله ''بشخبط كتير.. وبعيد كتابة اكتر من مرة لحد ما أرضى عن الشكل النهائي''.
لا يرضى ''الحديني'' بالدخول في أي تجربة من أجل المال فقط، لو شعر أنه غير مقتنع بالأمر يرفض فورا ''رفضت عرض أني اكتب في تياترو مصر.. هما بيقدموا شغل كوميدي حلو.. بس دا اسكتش طويل مش مسرح''، فيما يستعد الفترة القادمة لعدد من الأعمال المسرحية الجديدة والأدبية ''هنزل كتابة 1980 وأنت طالع، ورواية الاتفاق، وفي شغل جديد هأعلن عنه قريب''.
فيديو قد يعجبك: