بالصور.. بيت "الذهبي" عَمّران بأطفال العراق المشردين (حوار)
كتب- سارة عرفة وإشراق أحمد:
بيت من طابق واحد، "دار" بلهجة العراقيين، لا يختلف عما جواره بشارع فلسطين في بغداد، غير أن به من الدفء العائلي والاحتواء ما يتسع لنحو 32 طفل. أعمار وطباع مختلفة وحدت الحرب شتاتهم المنثور في طرقات العراق، بين ألم واستجداء لمستقبل مجهول ظلوا، إلى أن منحهم شاب نظرة خاصة؛ فتح لهم أبواب منزله، جمعهم بأقل الامكانيات، لم يفرق بينهم وأبناءه الأربعة "من صلبه"، حاول تعويضهم ما فقدوه، مستخدما خلفيته العملية وتخصصه كباحث نفسي، فكان بيت هشام حسن الذهبي موطن لكل طفل "اغتصبت" الحرب آماله وذكرياته وأفقدته الأهل، فبات شريدا على أرضه، إلى أن عرفت أقدامه "البيت العراقي للإبداع".
مصراوي حاور صاحب مأوى أطفال العراق طيلة 11 عاما، تحدث عن فكرة إنشاءه وتخصيص منزله للأطفال الأيتام والمشردين، سبب اختياره لهذا الاسم، المشاكل النفسية الملمة بالصغار، والصعوبات المواجهة له شخصيا، وأشار الباحث الأربعيني العمر، الحاصل على شهادة التعليم الخاص من أمريكا وخبرة من ألمانيا، إلى طموحاته للمنزل، وتجربته التي سجلها في كتاب يدرس بجامعة أمريكية، ورغبته في تعميها لتشمل العالم أجمع.
كيف جاءتك فكرة تأسيس البيت العراقي للإبداع؟
بعد دخول القوات الأمريكية لبغداد وتشرد المئات من الأطفال الذين كانوا موجودين في دور الأحداث بسبب فتح هذه الدور من قبل القوات الأمريكية، كنت أراقبهم وأشاهد كيف يعيشون في الشوارع، كيف كانوا "وسخين" وملابسهم رثة ومدمنين على استنشاق النثر –المخدرات- والسكوتين، وأكثر ما شدني وجعلني أتعاطف وأفكر بالعمل معهم هو عمل المنظمات الأجنبية معهم والتعامل الإنساني والحنان الذي يغدقون به على هؤلاء الأطفال، وهذا الأمر جعلني أفكر جديا في عمل أشياء لم يسبق أن فعلها أحد جديدة مع أطفال الشارع والأيتام.
ما سبب تسمية الدار بهذا الاسم؟
يرجع سبب تسمية الدار بهذا الاسم إلى أن كل العراق أصبح في فترة ما غير آمن وخصوصا بالنسبة للأطفال لذا كان يتوجب علي أن أرتب مكان آمن لأطفال العراق وسميته البيت العراقي الآمن للأيتام، وبنفس الوقت ليكون مركز لالتقاء كل العراقيين بكل مذاهبهم وأطيافهم وقومياتهم .
هل أنت القائم الوحيد على المشروع؟ وكيف تقوم بتمويل الدار؟ هل هناك دعم من قبل المنظمات العالمية؟
لست وحدي القائم بالعمل وإنما معي كادر كامل من باحثين علم نفس واجتماع ورياضي ومربيات ولكن في السابق كنت وحدي، والأن تم ترتيب الأوضاع أكثر بكثير وللعلم كل الأعمال هي بإشرافي المباشر كوني أقضي كل اليوم مع الأطفال وأنا تخصصي علم نفس (طالب ماجستير) ونحن نقوم بإدارة أمورنا من خلال المساعدات التي تأتي من أصدقائي ومعارفي وليس لدينا أي ارتباط بأي جهة حكومية أو منظمات عالمية ولا نتلقى أي دعم من أي جهة.
هل المنزل الذي يضم الأطفال منزلك؟
قمت باستئجار هذا المنزل، وسابقا تم دفع مبلغ الايجار من قبل مستثمر كردي ولمدة سنتين، أما الأن فأنا من يقوم بجمع الإيجار ودفعه سنويا.
ما الأنشطة التي تعتمد عليها في التعامل مع الأطفال؟
أهم الأنشطة هي الفنية والرياضية والثقافية وأنا أطبق على أطفالي برنامجي العلاجي النفسي (علاج الاطفال من خلال المواهب).
البيت الآن يضم حوالي 32 طفل فما الحد الأقصى الذي يمكن أن يستقبله المنزل؟
البيت غير خاضع لعدد معين من ناحية الاستيعاب، لأنني أرى أنه حتى إذا ما كان عدد الأطفال كبير ولا يستطيعون الحصول على الخدمات اللازمة والكافية، فذلك أفضل من أن يكون الطفل في الشارع ولو ليوم واحد، لذلك نسعى دائما إلى احتضان الأطفال وبنفس الوقت نقوم بدمجهم مع أسرهم أو أسر بديلة بعد أن نرتب أوضاعهم، ولهذا فإنكم في يوم ستجدون في البيت 40 طفل وبعد فترة تجدون 25 طفل وهكذا.
هل البيت يقتصر على الأطفال العراقيين فقط؟
لدينا أطفال غير عراقيين، مثلا لدينا 5 أطفال سوريين كانوا سابقا في البيت وحاليا باقي منهم اثنين، ولدينا اثنين سودانيين وأيضا لدينا من العراقيين أكراد وعرب وتركمان لأننا لا نعير للانتماءات أهمية بقدر اهتمامنا بالطفل وكيف ننقذه ونقدم له الخدمات اللازمة.
ما الصعوبات التي واجهتك عند تأسيس الدار؟
الصعوبات كثيرة، أهمها عدم تعاون مؤسسات الدولة معي، بالإضافة إلى كوننا حديثي العهد بهذا المجال لذا من الصعب إيجاد كادر يعينني على هذه المهمة الكبيرة، وأيضا لا يوجد اختصاصيين علم نفس واجتماع ميدانيين ولديهم خبرة في التعامل مع الأطفال وكيفية تحديد مشاكلهم والسعي إلى حلها، إضافة الى عدم امتلاك معظم الأطفال الأوراق الرسمية التي تساعد في عملية تأهيلهم من خلال إدخالهم المدارس أو الأندية أو السفر بهم خارج بغداد أو العراق.
ما أكثر المشاكل النفسية التي تواجه الأطفال؟
العزلة، الانطواء، العدوانية، عدم الثقة بالنفس، والنظرة المتشائمة والنظرة الدونية للذات، وكل هذه المشاكل عملت على إزالتها، وتحويل الطفل من وعاء للعُقَد النفسية إلى إنسان مبدع وموهوب وفنان، وبالفعل حصلنا على أكثر من 28 جائزة عالمية في مجال الفن السينمائي والمسرح والفن التشكيلي والموسيقى.
حدثنا عن أبرز الجوائز العالمية التي حصلت عليها خلال 11 سنة من تجربة البيت العراقي ؟
بالنسبة لي.. حصولي على جائزة أفضل شخصية إنسانية لعام 2013 من قبل مِجموعة شركات رستراتا الإماراتية وأفضل مشروع إنساني لنفس العام، وجائزة أفضل شخصية إنسانية خلال السبع سنوات الأخيرة عام 2015 من قبل وزارة الثقافة العراقية والمركز العراقي للفيلم المستقل، وكذلك درع بيت الحكمة للعلماء والمفكرين والمبدعين عام 2012. ودرع الإنسانية من هيئة الهلال الأحمر العراقية عام 2012.
أما بالنسبة لأطفالي ... جائزة أفضل عمل لطفل أقل من 15 سنة من بين 250 عمل تشكيلي فني في أمريكا للطفل الفنان المبدع حسين علا، وحصول فيلمنا (في أحضان أمي) وهو فيلم يتحدث عن بداية مشروعنا ومعاناتنا على ما يقارب العشرين جائزة عالمية وعربية ومحلية، فضلا عن حصول أغلب أفلامنا القصيرة البالغ عددها 12 فيلم قصير على جوائز عالمية وعربية ومحلية.
فيلم في أحضان أمي
ما التأثير الذي طرأ عليك نتيجة تعاملك المباشر مع الأطفال؟
صرت أشعر بقيمتي كإنسان وابتكرت حكمة لنفسي أرددها دائما والناس تستعين بها وهي " أن الفرد لا يشعر بقيمته كإنسان إلا من خلال ما يقدمه للأخرين وللإنسانية من أعمال".
ما هي أصعب الحالات التي استقبلها البيت؟
أكثر الحالات صعوبة تكون لأطفال مروا بظروف قاسية كمن شاهد قتل والده أمامه، أو كان مع والديه حين حدث انفجار وفقدهم، أو تعرضهم لإصابة في انفجار أو أي أمر أخر، وكل هذه الظروف هي خطرة وتترك أثرا نفسيا لدى الطفل ويجب علينا أن نخلصه من هذه العقد.
وما أبرز النصائح التي يمكن أن تقدمها للمقبلين على إنشاء دار للأطفال؟
1-أن يكون الباحثين على قدر عالي من الإنسانية، 2- أن يتحلوا بالصبر، 3- أن يكون مصغي جيدا لكل ما يطرحه الطفل، 4- أن يكون مبادر ويبتكر دائما نشاطات غير تقليدية، 5- أن يحل كل مشاكل الطفل الصغيرة منها والكبيرة، 6- أن يكون البيت عبارة عن عائلة وليس ملجأ للأيتام، 7- أن يتم التركيز على مواهب الأطفال ومحاولة تنميتها وصقلها وتوجيهها على الطريق الصحيح، 8- الابتعاد عن القسوة في التعامل مع الطفل والايذاء الجسدي والنفسي، 9- ابتكار عقوبة للحرمان مثل الحرمان من المصروف أو إجلاس الطفل في مكان خاص مكشوف للعقوبة مثل الجلوس على السلم، 10- بالتعامل باللين والحنية مع الأطفال، 11- التركيز على النشاطات الجماعية.
ما طموحاتك للدار والأطفال؟
طموحي هو أن تستنسخ تجربتي في كل أنحاء العراق بل وفي العالم العربي، لأنها من الممكن أن تفيد كل الأطفال، وأنا أسعى من أجل إيصال التجربة لكل أنحاء العالم، ولهذا أصدرت كتاب "هؤلاء جعلوني انسانا" الذي يدرس حاليا بكلية اللغات والآداب في جامعة ألاباما في برمنجهام بأمريكا، وأحكي فيه عن تجربتي مع أطفال الشارع والأيتام خلال 11 سنة مضت.
فيديو قد يعجبك: