من مرشحي "الثورة" لمصر: "انا مش شايف أيتها برلمان"
كتبت - رنا الجميعي ودعاء الفولي:
أربع سنوات مرت. في نوفمبر 2011 كانت مصر تحتفل بـ"العُرس" الديمقراطي الأول لها بعد الثورة، الجميع يعمل دون كلل، الشباب عادوا للصورة مرة أخرى بانتخابات مجلس الشعب، والثورة تُنافس، ولا عزاء للفلول، غير أن دوام الحال من المُحال؛ فبينما انتهت المرحلة الأولى من انتخابات النواب 2015، غاب مرشحو الكيانات الثورية عن الأضواء، اختفوا في ظلال الحسرة على ما مضى، يكتفي بعضهم بمتابعة الأجواء من بعيد، ويعكف آخرون على الانغماس في أنشطة مدنية.
كمرشح مستقل قرر صفوان محمد، خوض انتخابات 2011، عن دائرة المنتزه بمحافظة الإسكندرية، كانت تلك المشاركة السياسية الأولى له، بعد أن أخبره كثيرون أن وجوده داخل البرلمان مهم، فهو "أحد أصوات الثورة"، لذا لم يتردد في النزول مدعوما بالجمعية الوطنية للتغيير.
في الشارع كانت تساؤلات المواطنين تُحيطه "دورك هيبقى إيه؟" فكانت إجابته أنه سيراقب ويُشرِع، أما إصلاح البنية التحتية فمن اختصاص المحليات، يذكر صفوان أن "المواطنين كان عندهم استعداد يسمعوا ويعرفوا.. كانوا مبسوطين عشان هينتخبوا ناس مختلفة عن الحزب الوطني وكانوا حاسين إن أصواتهم مهمة".
رغم أن الشاب الثلاثيني لم يدلف البرلمان غير أن التجربة ظلت محفورة بداخله، بما فيها من أحداث سيئة، إذ تزامن وقتها وقوع اشتباكات محمد محمود "فعلقنا التحضيرات للانتخابات لفترة"، عرف صفوان يقينا أن تلك الفترة حملت وحدة بين قوى ثورية وتيارات عديدة، الأمر الذي اختفى الآن.
"السياسة في البلد دي ماتت إكلينيكيا من 2013"، يرى المرشح السابق أن كلمة "البرلمان" ليست سديدة للتعبير عما يحدث حاليًا "هو فيه انتخابات بتبقى بين مؤيد ومؤيد؟"، تثير تلك التفاصيل استنكاره، خاصة عندما يسمع أحدهم يقول إن البرلمان سيأتي لدعم الرئيس، بدلا من مراقبة أدائه.
اعتاد ياسر الرفاعي -مرشح سابق بتحالف الثورة مستمرة بالزقازيق- التعاون مع أصدقائه بائتلاف شباب الثورة، لتقديم ملفات ومقترحات لتطوير الأوضاع في مصر، حتى أن نزوله وقت البرلمان لم يكن للربح بل للمشاركة، كي يعلم الآخرون أن كتلة الشباب حاضرة "وقتها كنا بنجيب بـ300 ألف صوت"، توقظ تلك الذكريات الحزن بنفس ياسر، لا سيما مع البرلمان المُقبل "دلوقتي بقى اللي يجيب 15 ألف صوت بيدخل البرلمان".
عدم ترشح ابن الزقازيق للبرلمان هذا العام كان مفروغا منه، لأنه سيكون "زي برلمان 2010 وأسوأ"، يعتقد المرشح السابق أن عزوف المواطنين ومرشحي الثورة يرتبط بالمناخ العام، الذي يخلو من أحزاب حقيقية تريد العمل فعلا وليس الحصول على حصانة برلمانية، على حد تعبيره، مضيفا أن "الناس في الشارع متعرفش أصلا المترشحين".
عام 2014 وخلال عهد الرئيس عدلي منصور وبحكومة حازم الببلاوي، عمل ياسر كمساعد بوزارة التضامن، ظل بها كموظف لأربعة أشهر "حاولنا نساعد باللي نقدر عليه"، غير أن شعوره بأن يده مغلوله دفعه لتقديم استقالته و"اترفضت وقتها"، لكنها ما لبث أن حاول ثانية حتى صار حُرا.
أصدقاء عضو "ائتلاف شباب الثورة" من المرشحين، ساروا على نفس الدرب، تفرقوا في الأماكن المُختلفة، وابتعدوا عن المناصب الحكومية "منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان بقت سبيل لكتير مننا بعد 2013"، يرى ياسر أن تعامل الدولة بشكل عام منذ 2013 لم يكن حكيما "كان المفروض يتم محاكمة قيادات الفلول وقيادات الإخوان"، لربما أدى ذلك الحل إلى بداية جديدة افتقدها الثوّار منذ 2011، فحتى التحقيقات في الأحداث المتفاوتة لم تُسفر عن شيء "عندنا لجان تقصي حقائق من حريق القاهرة ولسه نتائجها مطلعتش".
زياد العليمي، البرلماني السابق، يؤكد أن أمر الانتخاب لا علاقة له بالثورة وحدها، ولكن بالنظام الديمقراطي، حيث يرى أن الجهات الأمنية هي التي تُدير العملية الانتخابية، موضحًا أن وزارة الداخلية من وضعت قانون الانتخاب، كما يُشترط للقيام بالندوات والمسيرات أخذ تصريح من الداخلية أيضًا، حسب قانون التظاهر، وهو ما يعني "أن العملية شكليًا هي للانتخاب، ولكنها عمليًا للتعيين".
لم يكن ذلك هو الحال في برلمان 2012 "الناس كانت مصدقة إن فيه انتخابات وبتسأل"، وهو ما أهّل العليمي لأن يُصبح عضوًا في البرلمان، بحصوله على 146 ألف صوت "شاب عنده 30 سنة حصل على كم الأصوات دي"، وبدعاية متواضعة للغاية مقابل الدعاية التي يقوم بها المرشحون الآن "البرنامج الانتخابي استمر من مايو اللي فات، دا معناه إن اللي معاه فلوس بس هو اللي يقدر يترشح".
في البرلمان الماضي قدّم العليمي مشروع قانون للحد الأقصى والأدنى للأجور، وتمت الموافقة عليه إلا أنه حتى الآن لم يُنفذ "فيه مشكلة في دولة القانون كلها"، كذلك هناك الخلط بين السلطات الثلاث؛ التنفيذية، التشريعية والقضائية، خلق حالة تخبط كبيرة، حيث أصدر الرئيس تعديلات لقانون الإجراءات الجنائية، وهو ما يعني أنه يستطيع التدخل في عمل القضاء، يستدعي العليمي مقولة "عاش الرئيس موحد السلطات"، أما البرلمان القادم فيعلق عليه العضو السابق قائلًا "أنا مش شايف أيتها برلمان".
"الدولة بقت مقفولة على نفسها.. لما تفتح ممكن الشباب يرجعوا"، قال ياسر. لا يستطيع مرشحو الثورة الثلاثة تحديد موعد عودتهم لأرض السياسة، وحتى حينها يبقى الأمر منوطًا بـ"ابتعاد الجيش لثكناته مرة أخرى" على حد قول صفوان، بينما لن لن يترشح العليمي إلا عندما يُدرك أن الديمقراطية صارت موجودة ومعها قوانين انتخابية جادة، تجعل الشعب يشعر أن صوته مؤثر، أما مُرشح الزقازيق السابق، فسيتابع الانتخابات منتظرًا للبرلمان الحالي الذي سينتهي في رأيه "بعد ثلاث شهور" من بدايته، إذ لن يصمد في مواجهة التحديات المفروضة على أرض الواقع.
فيديو قد يعجبك: