قصة الوصول إلى "صورة" للطائرة الروسية المنكوبة
كتب – سامي مجدي:
علم مصطفى الشيمي، مصور مصراوي، بنبأ تحطم طائرة روسية في سيناء اثناء تغطيته جلسة محاكمة المتهمين في اقتحام سجن بورسعيد، التي يقدم فيها الرئيس الأسبق محمد مرسي، المحكم عليه بالسجن والمحبوس في عدة قضايا، شهادته. كان ذلك في التاسعة صباح السبت. ثم بدأ على الفور التواصل مع زملائه المصورين والصحفيين يستطلع من منهم سوف يصحبه في رحلته إلى سيناء المضطربة.
تواصل الشيمي مع من تواصل من زملائه، ممن في المحكمة يغطون وقائع الجلسة ومن هم خارجها. وبعدها تحرك هو والزملاء أحمد عبد الفتاح، من صحيفة الشروق، وأحمد جمعه من وكالة الأنباء الصينية (شينخوا)، وعلاء القصاص من مصراوي وخالد دسوقي من فرانس برس. تلك كانت مجموعة.
في نفس الوقت تحركت مجموعتان اخريان صوب الموقع. وكانت نقطة التجمع الأولى عند نفق الشهيد أحمد حمدي الذي يعبر بهم من غرب قناة السويس إلى شرقها ومنها إلى أرض الفيروز التي تعيش حربا ضروس ضد الجماعات المسلحة منذ سنوات.
كان الشيمي أول من وصل إلى نقطة التجمع المحددة سلفا. "ظللت منتظرا قرابة الساعة والنصف حتى وصل بقية الزملاء،" يقول المصور العشريني.
ما أن تجمعوا حتى بدأت الأمور تتكشف أمامهم وتتضح الصورة أكثر وأكثر من خلال حديثهم مع مسعفي نقطة الإسعاف التابعة للنفق. تبين أن الجيش أغلق كافة منافذ الوصول إلى المكان"، يقول الشيمي. هذا إضافة إلى الحظر الذي يفرض على الكثير من مناطق شمال سيناء بعد الخامسة عصرا.
"المسعفون تحدثوا عن صعوبة الوصول إلى المكان حتى بالنسبة لسيارات الإسعاف نفسها. وكيف أن الجثث نقلت في بادئ الأمر علي طائرات حربية إلى مطار كبريت العسكري في السويس".
في ذلك الوقت كانت مصادر عسكرية قد قالت لمصراوي شريطة عدم كشف هويتها لأنها غير مخولة الحديث للصحافة، إن الطرق إلى موقع الحادث مغلقة ولن يتمكن أي من الصحفيين أو المصورين تجاوز النقاط التفتيشية المنتشرة على طول الطريق. هذا بالإضافة إلى تضاريس المكان الوعرة التي يصعب، إن لم يكن يستحيل، السير فيها بالسيارات العادية أو دون دليل من بدو سيناء العارفين بدروب الصحراء.
علاء القصاص، مصور اخر لمصراوي، أوضح أن السيارة العادية يصعب الوصول بها إلى مكان تحطم الطائرة. فالأرض أغلبها غير ممهد وتحتاج إلى سيارة دفع رباعي." هذا فضلا عن عائق القوات المسلحة. "الجيش حاكم السيطرة على المنطقة بشكل رهيب. كل سيارة تتحرك، خط سيرها معروف والأكمنة على علم بها".
لم يكن أمام المصورين سبيلا سوى التوجه إلى مطار كبريت الذي كانت جثث ضحايا الطائرة التي كان على متنها 217 راكبا إضافة إلى طاقمها المكون من 7 أفراد، تتوافد على المطار ومنه في سيارات الإسعاف إلى القاهرة.
يقول الشيمي "وصلنا إلى مطار كبريت في الثانية ظهرا (يوم السبت). وجدنا زميلنا عمرو نبيل (مصور وكالة أسوشيتد برس) أمام الوحدة العسكرية التابع لها المطار"، مضيفا أنهم حاولوا دخول المطار وممارسة عملهم الذي قطعوا من أجله مئات الكيلومترات دون جدوى، "كنا 12 مصورا من أماكن مختلفة. تحدثنا مع قيادات المطار العسكرية لكنها رفضت دخولنا بشكل قاطع".
حاول المصورون البحث عن مكان مرتفع يمكنهم من تصوير عملية وصول الجثث ونقلها من الطائرات العسكرية إلى سيارات الإسعاف. "تحدثنا مع أهالي المنطقة القريبة من المطار، وكان هدفنا الصعود فوق منزل عال يمكننا من التصوير".
بينما كانوا يحاولون مع الأهالي إذ بثلاث سيارات جيش وسيارة شرطة تقترب حتى وصلت إليهم في أحد المنازل بالقرب من المطار وترجل منها بضعة عساكر تابعين للقوات الجوية، وطلبوا منهم الذهاب معهم إلى المطار. لكن معظمهم تشكك في الأمر وظنوا أنه سوف يلقى القبض عليهم. "تشاورنا، واتخذنا قرارا بأن نذهب معهم في سياراتهم"، يقول أحمد جمعه، مصور شينخوا.
عندما دخلوا المطار فوجئوا بأحد القادة يطلب منهم عدم التصوير ومغادرة المنطقة لأنها "منطقة عسكرية غير مسموح التصوير فيها على الإطلاق دون اذن". يقول جمعه "شاهدنا أكثر من 150 سيارة إسعاف في المطار.. وكانت الطائرات العسكرية تهبط ويتم نقل الجثث الموضوعة في أكياس سوداء، إلى سيارات الإسعاف... ثم سمحوا لنا بالتصوير بعد التحدث مع بعض القادة هناك".
بعد أن أنهوا مهمتهم وخروجهم مطار كبريت كانت سيارات الإسعاف تستعد للانطلاق إلى القاهرة حاملة معها ما تمكنت فرق البحث والإنقاذ من جمعه من جثث وأشلاء ركاب الطائرة المنكوبة.
يقول أحمد جمعه "شاهدنا عشرات من سيارات الإسعاف من كافة محافظات القناة تسير في صف واحد تحت حراسة مشددة من قوات الجيش والشرطة متجهة إلى مشرحة زينهم (والمستشفيات الأخرى) في القاهرة".
كان الليل قد أرخى سدوله منذ ما يقرب ساعتين عندما انتهى المصورون من عملهم في مطار كبريت. كان من المستحيل التوجه في ذلك التوقيت صوب مكان سقوط الطائرة، فقرروا الانطلاق إلى رأس سدر للمبيت فيها والتوجه في صباح الأحد إلى وسط سيناء حيث ما تبقى من الطائرة وركابها.
وصلوا إلى رأس سدر بعد منتصف ليل السبت بقليل. وقبل طلوع فجر الأحد بدأوا في التحرك إلى مكان تحطم الطائرة، على ما قال الشيمي.
كانت الكمائن الأمنية المنتشرة على طول الطريق العقبة الأولى في طريق الوصول إلى صورة من موقع الحدث. "كان السؤال الأول في كل كمين: هل معنا أجانب؟ ثم لأي جهة نعمل؟"
في حوالي الحادية عشر والنصف صباح الأحد، وصلوا إلى كمين لحفن الذي يبعد حوالي 50 كيلومتر عن مقصدهم، حتى استقبلهم ضابط جيش - اشترط عليهم عدم كشف هويته - وشرح لهم كيفية الوصول إلى مكان الطائرة، وأخبرهم بألا يحيدوا يمينا أو يسارا عن الطريق الذي بينه لهم على خريطة موسومة "سري للغاية"، حتى لا يضلوا الطريق في وسط صحراء سيناء الشاسعة المقفرة.
يقول الشيمي "الضابط شدد على ضرورة اتباع التعليمات. وأنه غير مسؤول عن مخالفتها".
كانت سيارات المصورين لا تساعد على السير في الصحراء، لذا عانوا الامرين حيث أن هناك مدقا جبليا طوله حوالي 20 كيلومتر تسير عليه السيارات العادية بصعوبة وأنهم ليسوا على دراية بالطريق يضاف إلى ذلك عدم وجود أي نوع من الاتصالات والعادة "لا انترنت ولا موبايل.. أنت تفقد أي اتصال بالحياة عندما تترك الحسنة"، وفقا لهيثم التابعي، مراسل فرانس برس الذي كان ضمن الزملاء الذين ذهبوا إلى مكان الحادث.
لعب الحظ لعبته مع المصورين ومن معهم، حيث شاهدوا سيارة إسعاف بدا لهم أنها في طريقها إلى مكان الحادث، لكنها كانت تسير بسرعة شديدة ولم يتمكنوا من اللحاق بها، فاضطروا إلى تتبع اثرها. وقبل أن يبدأوا في السير على المدق الجبلي، وجدوا سيارة دفع رباعي يقودها أحد البدو في المنطقة، فساروا وراءه حتى عجزت سياراتهم عن المضي قدما فترجلوا عنها وانضموا إلى البدوي في سيارته المصممة خصيصا للسير على ذلك النوع من الطرق.
وصل المصورون إلى مكان تحطم الطائرة في حوالي الواحدة والنصف ظهر الأحد (ثاني يوم وقوع الحادث) "أول مشهد كان جاكيت لطف صغير، عليه اثار دماء. وكان يبعد عن الطائرة حوالي 700 متر"، يقول الشيمي.
ويضيف القصاص أن قوات حرس الحدود انضمت إلى فرق البحث والإنقاذ للبحث عن أشلاء الضحايا، التي كانت متناثرة على مسافات متباعدة، وسط حراسة شديدة من قوات الجيش "طائرات الأباتشي كانت تحلق فوق رؤوسنا وتبحث في نطاق 20 كيلومتر مربع".
شيء اخر أضافه أحمد جمعه نقلا عن مسعفين التقاهم هناك هو أن سيارات الإسعاف بدأت في التحرك قبل السابعة صباحا "دون معرفة مكان تحطم الطائرة.. حتى جاءتهم معلومات المكان وهو في الطريق".
لم تنته قصة بعضهم عند الوصول إلى مكان الطائرة الروسية المنكوبة، فالمصور عمرو نبيل ومنه معه في السيارة ضلوا الطريق في الصحراء بعد أن أنهوا مهمتهم وهموا عائدين كل إلى مستقره، "الأرض كانت صخرية والإطارات انفجرت. جربنا كل الاتجاهات"، لكنهم فشلوا في الخروج من التيه.
ويضيف نبيل أنه وفقا لحسابات الشمس، كانوا في طريقهم إلى الحدود مع إسرائيل "وكان فيه خطر كبير علينا".
ظلوا في التيه - أو "مغامرة الضياع في صحراء سيناء" كما سماها - حوالي خمس ساعات، كان الأمل يظهر أمامهم ثم يخبو "وجدنا من بعيد هذا بيت بدوي وتعلقت قلوبنا بالأمل. بحذر شديد دخلت هذا البيت وجدته خاويا ومهجورا. فكان الاحباط والصدمة"، هكذا كتب نبيل على صفحته على فيسبوك يوم الأحد.
صورة من صفحة المصور الصحفي عمرو نبيل على فيسبوك
لكن الجيش كان حاضرا في المشهد، فكان الخيط الذي قادهم للخروج من تلك المحنة؛ فبعد أن كان الأمل يتبدد رويدا رويدا إذا بأزيز طائرة عسكرية من طراز اباتشي يأخذ طريقه إلى أذنهم وما هي إلا لحظات حتى ظهرت في كبد السماء، فرقصت قلوبهم فرحا. "شاورنا وصرخنا" عل قائدها يسمعهم.
يقول نبيل "كان إطار السيارة قد انفجر، والوقود قارب على النفاد، فظهرت لنا طائرة اباتشي، فصرخنا وسرنا في الاتجاه الذي اتجهت إليه. حتى عثرت علينا دورية جيش فأخرجتنا مما كنا فيه وعاملونا بأحسن طريقة، وظلوا يتابعونا عبر الهاتف حتى نفق الشهيد أحمد حمدي"، ومنه عائدين إلى قاهرة المعز.
صورة من صفحة المصور الصحفي عمرو نبيل على فيسبوك
فيديو قد يعجبك: