إعلان

بالفيديو.. ''ضياء'' شاهد ''ممر الموت'' في مذبحة الاستاد: الله يرحم اللي عاشوا

03:19 م الأربعاء 11 فبراير 2015

حادث استاد الدفاع الجوي

كتبت-إشراق أحمد:

ربع الساعة في عمر إنسان ليس زمنا كبيرا، لكن في استاد الدفاع الجوي، مثلت العمر كله عند ضياء الرحمن، وآلاف غيره ممن تواجدوا في ''ممر الموت''، خطا فاصلا بين الحياة والموت، ليس لمعايشة الأخير بل إحساس الميت الحي، الذي لا يفارق المهندس الشاعر حتى الآن. 15 دقيقة ظل ''ضياء'' متشبثا بسور، فيما يجري الموت من تحته، يحصد المهرولين في هلع اختناقا ودهسا، ويفر أخرون كُتب لهم النجاة، مُبقيا له غصة في القلب، ومرارة دمع يبتلعه بعد واقع علمه ''أن ممكن حد يموت عشان بيشجع كورة''.

يُقدر ''ضياء'' الوقت بربع ساعة لكن العقل ما كان ليفكر إلا بانتهاء هذا ''الكابوس''، منذ الرابعة مساءً حضر إلى الاستاد، بمفرده ذهب قبل أن يلتقي بأصدقاء له، العدد لم يكن كبيرا حينها، كان الشاب الثلاثيني بأول الطريق غير المستوي حسب وصفه، حيث يرتفع في بدايته فيما ينحدر بالاقتراب من بوابة الدخول وذلك ''القفص'' الحديدي، الذي لم يره إلا عقب عودته، من خلال الصور الملتقطة، الزحام أخذ يشتد شيئا فشيئا في حدود السورين المحيطين بالأعداد الغفيرة، القدر وحده ما جعل الشاب بالقرب من السور الأيسر، المتواجد به حافة صغيرة تكفي لوقوف شخص عليها، ليكون سبيله لتخفيف ما يعانيه من ''فوبيا'' الزحام ومرض السكري.

كان نهائي بطولة إفريقيا بين الزمالك و''كوتوكو''، حين ذهب ''ضياء'' وهو بعمر الثانية عشر لأول مرة إلى تشجيع ناديه المحبب، فاز الفارس الأبيض بضربات الترجيح وحصد البطولة، فرقصت قلوب المشجعين طربا، يومها علم الصغير معنى أن تفرح من أجل شيء تحبه، ويجري في العروق مسرى الدم، فتؤازره وقت الانكسار، وتتخلى عن الوقار لحظة الانتصار ''كأنك في فرح واحد صاحبك''، التفكير في الدخول هو آخر ما يشغل البال، فمتى كان للمحبين ''دعوة''؟، وخزانته المحتفظة بالتذكرة الكاملة لمباراة ''الزمالك'' مع الإسماعيلي التي حضرها قبل قرار منع حضور الجمهور تشهد على ذلك. منذ ذلك الحين لم ينقطع عاشق ''الزمالك''، عن الذهاب إلى حيث تقام مبارياته لكرة القدم، وبالحماس والشغف ذاته الرفيق له منذ تشجيعه الأول، ذهب إلى استاد 30 يونيو.

''مشهد خرافي'' هكذا رأى الشاعر الزملكاوي الحشد المجتمع مِن على حافة السور، بممر الدخول البالغ عرضه قرابة 8 متر الجمع لا يتحرك أو بشكل بطيء يفعل، الزحام شيء معتاد بالنسبة للشاب الثلاثيني، أن ينتظر المشجعين حتى يأذن الأمن بالدخول ''مش عارف لتصرف أمني ولا للمزاج'' لكنه ما كان يحدث حسب قوله، خفف وطأة هذا ضحك المنتظرين لبلوغ بوابة المدرج، ووقت أن ينفذ صبر البعض، يأتي دور الواقفين على السور، بدعوة المشجعين للهتاف والغناء ''الزمالك أعظم نادي.. غالي وأفديه بحياتي''.

مشجع عادي هو ''ضياء'' درس الهندسة وأحب الشعر فكتب دواوين، حال مَن رأى على مرمى بصره؛ عائلات بصحبة أطفالها، وفتيات بين الجمع ''ومحصلش حالة تحرش واحدة''، لكن قلبه ذاب مع تلك السيدة القعيد، وقد حملت علم الزمالك بينما تجلس على كرسيها المتحرك، يُقسم أنه أبصر ضحكتها بين مَن لم يختلف حالا عنها، لا ليصدقه السامع ''لكن عشان أصدق إني لسه موجود''.

الشمس تقترب من المغيب، ما عاد هناك موضع لقدم، والفرد بين هذا الزخم جزء صغير حسب ''ضياء''، يشحن طاقته من أجل الهدف الذي جاء من أجله ''نبسط اللاعيبة ونقول لهم إحنا وراكم''، وما بين محاولة التركيز على هذا الإحساس، قاطعه مرور ضابط على الجانب الأخر من الشاب، ومن وراءه قرابة 10 عساكر، ينفتح لهم الطريق بين الأعداد في سلاسة، فيما يعلو صوت المتقدم لأفراد الأمن ''خشوا يا رجالة''، ليصبح المشهد الأخير قبل أن ينطلق دوي قنبلة غاز مسيل للدموع.

خيط أبيض شاهده "َضياء''، ظن أن أحدهم أشعل ''شمروخ''، لكن سقوط القنبلة في قلب الصفوف، فضلا عن الرائحة، وموقعه الكاشف للمشهد، أكد له أنها قنبلة غاز، ما حدث كان أسرع مما يتخيل؛ الشباب يهلع إلى الخلف، السيدة القعيد تسقط أرضا، يحاول البعض انتشالها، بينما يتشبث هو أكثر بالسور بيده اليمنى، مع استمرار صوت إطلاق القنابل، وأصوات تنادي بفتح الأبواب، يختلس النظر حينا، فلا يبصر إلا الذعر على الوجوه.

وجهٌ إلى الحائط أغلب الوقت ''كأني متذنب''، لكن الأصوات تلاحقه ''شدني يا كابتن والله العظيم بموت''، صراخ يأن بأذن ''ضياء'' حتى الآن، وموجة مندفعة ''محدش مالك فيها نفسه'' تصطدم به وترتد إلى الناحية الأخرى كأنما ''دوامة''، لم يتوقف إطلاق القنابل، والذي كان يأتي من جهة اليسار حيث الدخول، بل زاد الأمر بصوت آخر ينطلق من اليمين ناحية الفرار، حسب قوله.

القلب ينتفض لا محالة، النَفَسُ يخرج هوينا من شدة الغاز، والعقل لا يصدق ما يحدث، لكن بين الوقت المار كالبرق تأتي لحظة شجاعة، ينظر بها ''ضياء'' للمتلهفين صارخا ''ارجع لورا أو نط من على السور التاني''، فالجهة الخالية شيئا ما ناحية الأمن، وأخف الضرر المحدث به نفسه ''تاخد خرطوش أو يتقبض عليك بدل ما تموت''، فبدأ بعض الشباب يتسلقون السور المقابل له، الذي خلى من وجود حافة، مما جعل صعود قرابة 2 ونصف متر أمر شاق ''كانوا بيشبكوا لبعض ويطلعوا''، فيما يدمي قلب الشاب الثلاثيني حين يوضع نفسه مكانهم بالتفكير ''أن بعد ما تطلع تلاقي حد يطلعك''.

أسدل الظلام ستائره، حين بدأ ينفض ''ممر الموت''، وقتها اختلس "َضياء'' النظرة الأخيرة من أعلى السور، قرر بعدها النزول ''مكنتش متصور إن حد مات'' بأسى يقولها ''الشاعر''، الذي لا يجد في الأمر بطولة بل مَن لفظوا أنفاسهم هم من يستحقوا ذلك، رعب وجبن وخوف يتكالبوا معا على الشاب، لا يريد عقله وقتها أن يستوعب ما يراه على الأرض؛ شباب قاطع النفس، وأخرين يواجهون سكرات الموت برغاوي تخرج من الفم ''كنت بقول الناس لسه عايشة''، فأخذ يلوح بجاكت يرتديه على وجه رجل لكن بلا أمل، وسط تمتمة البعض وصراخه بالشهادة.

ثوان على الأرض انتفض بعدها ''ضياء'' مهرولا، عقله مشتت بين طريق العودة، ورؤية البعض حاملين مَن به نفس، يندفعون نحو الطريق السريع ''محور المشير طنطاوي''، بينما تمرق السيارات دون توقف، ومن الشارع المتجه نحو الطريق الدائري، لا يعلم كيف توقفت سيارة أجرة استقلها ليعود إلى منزله، محملا بذكرى يدعوا لمن عايشها بالرحمة كما مَن رحلوا.

الشاعر المهندس وعاشق ''الزمالك'' يوقن أن نجاته رغم كل ما حدث لسبب، ربما لإيصال كلمة حق عمن تواجدوا وتم اتهامهم بالبلطجة بدعوى أنهم لا يحملون تذاكر، ''سألت العشر آلاف معاهم تذاكر ولا لأ''، يستعيد المشهد، يتذكر أنه لم يصل لذلك ''القفص'' الذي كان يدخل فيه الفرد تلو الأخر ''عشان الضابط يعرف أني مش معايا تذكرة فياكلني قلمين وأروح''، يكاد عقله يشت مع تصور أنهم لم يسمحوا بدخول الحشد مقابل تذكرة 20 جنيه، فيما خُصص آلاف الجنيهات لمن لقوا مصرعهم ''بس يا ترى الفلوس مخصوم منها حق التذكرة؟!''.

سنارة بها علم الزمالك، مرسوم على قماش من حرير، التقطه ''ضياء'' من ''ممر الموت''، عزّ عليه أن يبقى علم ناديه تحت الأقدام، مع أن المشجعين كانوا كذلك، هو ''المجذوب'' حال كثير غيره، ينظر إليه محدثا إياه ''يا ترى اللي عملك اتكلف قد إيه وجاي من فين''، يغوص قلبه في الحزن فيما يرن بأذنيه هتاف ''عشان الزمالك جينا معاكم.. نرجع اللي فات والتاريخ يشهد علينا.. بكره ترجع الأمجاد''.

لمشاهدة الفيديو.. اضغط هنا

تابع باقي موضوعات الملف:

شهداء ''الوايت نايتس''.. السلام أمانة للـ''74'' (ملف خاص)

1

أمام المشرحة.. أي رعب أكبر من هذا سوف يجيء؟

2

بالصور: أولها ''غربة''.. وتانيها ''تشجيع''.. وآخرها ''عم أمين مات''

3

بالصور.. حكاية أصغر شهيدة ماتت في حب ''الزمالك''

4

مرتضى منصور.. صاحب نبوءة الموت المتحقق "بروفايل"

5

بالصور.. اللحظات الأخيرة في حياة ''محمد صلاح'' شهيد ''مجزرة الأولتراس''

6

شريف الفقي.. من الزمالك وإليه نعود "بروفايل"

7

بالصور.. مصراوي يكشف حقيقة وفاة شقيقين في مذبحتي ''بورسعيد والدفاع الجوي''

8

أولتراس أهلاوي وزملكاوي: سنظل أوفياء لـ''الدم''

10

مصراوي يحاور ''أحمد لطفي''.. ''أمين'' خزانة ''مجزرة الدفاع الجوي''

11

التذكرة.. طريقك إلى الآخرة (بروفايل)

12

بالصور.. هل ارتكب أبناء ''شبرامنت'' مجزرة استاد الدفاع الجوي؟

13

أحمد الليثي يكتب.. لماذا قتلت الشرطة ''الأولتراس'' في مصيدة الفئران؟

14

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان