في العريش.. للحظر وجوه أخرى (صور)
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
-
عرض 7 صورة
كتب- محمد مهدي:
في كل زيارة لمدينته العريش، يراها الشاب "محمد البيك" تذبل، هدوء لا يناسب المدينة الصاخبة، يأس يتشح الوجوه، وقلة رزق تبدو واضحة في سيرة الأهالي والحديث الدائم في كل تجمع عن لقمة العيش فالعمليات الإرهابية المتكررة تضعهم على شفا الخطر لحظيا، والحظر يُسكت ضجيج المحلات والمقاهى وحركة الشوارع مبكرا، لا يبقى فيها سوى الأطفال. فيما يلتزم ذويهم بساعات الحظر- تبدأ من الساعة السابعة مساءا وتمتد للسادسة فجرا- يندبون حظهم العاثر ويتململون من شعورهم بالعجز وقلة الحيلة، غير أن "البيك" أراد أن يُنهي عذاب أهل مدينه، وأن يُعيد الحياة لـ "العريش" بفكرة بدت مدهشة رغم بساطتها.
الشاب العشريني، الحاصل على بكالريوس تجارة، خرج في عام 2011 من العريش للحصول على ماجستير إدارة الأعمال، وفي القاهرة وجد وجهته الجديدة، صار يملك مشروعا يعتمد على تحويل الأخشاب إلى قطع فنية، واستقر وضعه في العاصمة، لكنه من حين إلى آخر يزور مدينته،
وفي كل مرة لا يسعفه ضيق الوقت في محاولة نقل خبراته للأهالى ، لكنه في الزيارة الأخيرة تعرض لواقعة غيرت مؤشر حماسه نحو الصعود.
كان "البيك" عائدا من إحدى المناسبات العائلية، انشغل بها فداهمه الوقت، وبدأت ساعات الحظر "كنت في الشارع حوالي سبعة ونص بليل"، وبالقرب من منزله "بيتنا في شارع الصاغة بوسط البلد"، وجد عدد من أطفال المنطقة يلهون، يمسك كلا منهما حجرا أو زجاجة أو قطعة من الخشب ويجرى وراء الآخر ويقذقه بها "معرفتش أمسك نفسي وزعقلتهم"، رد الأطفال بسؤال بديهي "نعمل إيه ما احنا زهقانين"، هنا طرأت الفكرة على عقل الفنان الشاب، لم يصعد إلى منزله وجلس بين الأطفال، نظر لهم بحماس وقال لهم "احنا هنلعب لعبة ممتعة جدًا وفي نفس الوقت مفيدة".
"هنعمل عربية من الأزايز والخشب اللتي بترموها على بعض" كلمات خرجت من "البيك" لم يستوعبها الأطفال في البداية، لكنهم سرعان ما انخرطوا معه في تجميع الزجاجات البلاستيكية وقطع الخشب الصغيرة، وصاروا ينفذون تعليماته البسيطة بفرحة شديدة "وريتهم الأساسيات واشتغلنا شوية واتفقنا كل واحد يروح يكملها في بيته ونتقابل تاني يوم ونعمل مسابقة"، وفي اليوم التالي كانت المفاجأة التي لم يتوقعها ابن المدينة الزائر.
في الصباح التقى "البيك" صدفة بوالد أحد الأطفال، أخبره أن ابنه سهر طوال الليل منشغلا بتصنيع السيارة من الأدوات البسيطة "وإنه علم أخوه واشتركوا سوا في تنفيذها"، شعر بالفخر لكنه انتظر موعد المسابقة ليرى باقي الأطفال"وبعد صلاة المغرب والدي قالي فيه أولاد مستنينك تحت البيت"، نزل إليهم ليفاجىء بأنهم صنعوا أشكال مختلفة لسيارات من الزجاجات البلاستيكية والكارتون "ولقيتهم بعد المسابقة بيتفقوا مع بعض إنهم يعملوا حاجات جديدة ويشاركوا أطفال أكتر معاهم" ذكرها بسعادة.
"رد فعل الأطفال خلق عندي إيمان إن احنا ممكن نغير من حال العريش"، جعلته تلك القصة القصيرة مع الأطفال أن يُفكر في كسر حالة الركود التي تسري في مدينته "بفكر أعمل مساحة عمل مشتركة فيها أطفال وكبار"، يُنقل لهم خبراته في تحويل الأدوات البسيطة إلى قطع فنية " شغل الخشب ومشغولات يدوية وخياطة ورسم وكل حاجه نفسهم يتعلموها" يستغل بها فترات الصمت في العريش بالعمل، ويفتح أبواب رزق جديدة للشباب العاطلين بُحكم ندرة الأشغال، ليصبح لديهم صَنعة وفن يجلب لهم مكسب جيد.
الفكرة طور التنفيذ، يبحث "البيك" عن مكان مناسب، يجهز الأدوات والماكينات اللازمة بدلا من الأدوات البسيطة التي لا تلائم المشروع الكبير، ينتظر من يسانده للتوسع، يسرد التفاصيل على الأهالي لاقناعهم بالانضمام إليه، بعضهم يتحمس، بعضهم يُحبطه، لكنه مستمر "أنا مصمم أني أفيد أولاد مدينتي.. ولا يمكن هيأس"، يحلم بهذا اليوم الذي يرى فيه أبناء العريش في ورشة كبيرة تُخرج كل يوم كل ما طاب من الفنون، وإنعاش السوق بمنتجات جديدة تعود على أصحابها بأموال تكفيهم شر الحاجة وبؤس ساعات الحظر.
فيديو قد يعجبك: