لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

مصراوي يحاور أول فنان مسلم احتضن ''الفاتيكان'' لوحاته: ''الفن الغربي يحتضر''

11:07 ص الإثنين 06 أبريل 2015

كتب – سامي مجدي:
في الواقع لم أكن أريد لحواري أو بالأحرى نقاشي هذا أن ينتهي لولا أن دقات الساعة تجاوزت الحادية عشر ليلا، وكنت قد استغرقت من وقت مضيفي قرابة الساعتين، وخشيت أن أكون أثقلت عليه بسؤالاتي التي بدت ساذجة وجهلي الواضح أمام علمه الغزير، خاصة وقد ظهر عليه تعب يوم طويل – أو هكذا بدا لي -، تجولنا خلال تلك المدة في رحاب الفن التشكيلي – وأمور أخرى - الذي يبرع فيه منذ خروجه من مصر متجها إلى ''مدينة الضباب'' دارسا قبل أكثر من أربعين عاما.

استغرقني الحوار وبت معه مشدوها استمع وأحرص على تدوين كل حرف ينطق به من يُلقب بـ''فيلسوف الخط العربي'' الذي كرس حياته لـ''فن الإسلام''، وقضى جل عمره باحثا مستقصيا وراء الأحرف الثمانية والعشرين التي تدون بها ''خاتمة اللسان السامي... لغة خاتم الأنبياء المرسلين''، حتى اطلع وأطلعنا معه على ''سرها وكنهها ومكمنها''.

بدأ الفنان أحمد مصطفى، الذي يزور مصر حاليا لعرض إنجازه الجديد ''الخط الكوني: السنن الهندسية في تصاوير الأحرف العربية''، حديثه من نقطة مغادرة الإسكندرية التي ولد فيها وتخرج من جامعتها دارسا للفنون التطبيقية ومدرسا مساعدا بها، سنة 1973، ''خرجت من مصر سنة 1973، كفنان تشكيلي ومدرس مساعد في كلية الفنون التطبيقية، لدراسة الماجستير''، في الفنون الغربية.

لم يكن الفنان السكندري المولد في أربعينات القرن الماضي، بارعا في معرفة التراث الفني الشرقي كما براعته في معرفة الفن الغربي الذي نال بسببه جائزة في عيد العلم سنة 1966 من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر (1918 – 1970)، وجائزتين أخريين من بينالي الإسكندرية قبل انطلاقته العالمية، وسبب هذا له حرجا في بداية بعثته الدراسية.

يقول ''الغربيون حريصون على معرفة التراث الشرقي.. وشعرت بالخجل عندما سئلت عن الفنون العربية والإسلامية.. هم يعتقدون أنك (كعربي وكمسلم) تعرف عن الفنون الشرقية قبل أن تعرف عن الفنون الغربية... وهذا للأسف غير حاصل''.

ويضيف مصطفى، أول فنان عربي مسلم يقيم معرضا فنيا للوحاته في الكلية البابوية في الفاتيكان، أن وجوده في إنجلترا وضع أمامه حقيقة ''أننا (كعرب) لسنا على دراية بالتراث الإسلامي والحرف العربي.. ولا على دراية بالوعي الروحي للإنسان المسلم''.

سألته متى وكيف تحول اهتمامه إلى''فن (هندسة) الحروف''؟

Untitled-1

المفاجأة هي أن مقالا في مجلة غربية، أمريكية على وجه الخصوص، كانت سببا في تغيير الدفة ولو قليلا، تلك المقالة على ما قال لي، عنوانها ''عطاء ابن مقلة لخط الشمال العربي'' ومنشورة سنة 1939، والمقال باختصار عبارة عن حوار بين أستاذة مخطوطات شرقية أمريكية وأكاديمى ألمانى حول بحثه للحصول على الدكتوراه بعنوان ''خط البديع لابن مقلة''، وتقول له فى النهاية إنه وقع فى براثن العربية لآن كلمة ''البديع'' صفة وليست طريقة كتابة.

وابن مقلة، لمن لا يعرفه، هو هو محمد ابن عبد الله ابن مقلة الشيرازي المولود في القرن الثاني عشر الهجري، وكان من أشهر خطاطي العصر العباسي، وواضع أسس الخط العربي، ويعتبره الدارسون أول من جعل من الخط العربي فلسفة متكاملة تفسر العالم وتعبر عنه وانتهى به الأمر مبتور اليد واللسان، كما كان خطه من أقوى الخطوط على ما كتب ابن كثير عنه.

يقول مصطفى الملقب ب''فيلسوف الخط العربي''، إنه بعد المقالة واطلاعه على نظرية ابن مقلة المعروفة باسم ''الخط المنسوب''، بدأ في التحول التدريجي من التجربة الغربية إلى ''فن الإسلام'' وليس ''الفن الإسلامي''.

سألته: وما الفرق بين هذا وذاك؟

اعتدل في جلسته وبدا التركيز على وجه وكأنه يلقن تلميذا في صفوف تعليمه الأولى باكورة دروسه، وقال إن ''فن الإسلام قائم على إدراك معنى المطلق وحقيقة المجرد وفهم المنظور.. ببساطة فن الإسلام من داخل الإسلام نفسه.. وأن تكشف كفنان ما هو معجز في هذا الدين''، وأتبع ذلك بقوله ''كلما أبحرت مع هذا الدين... كلما نما هو إلى ما لانهاية''.

ويضيف ''وجدت نفسي في مجمع البحرين.. إدراك عالي لمعنى التباين بين الفن الغربي والفن الشرقي، ما ساعدني على معرفة وفهم خصائص كلا الاتجاهين''.

''وبالمناسبة لم تكن الفنون الغربية تقدر على إدراك وفهم المنظور لولا فهم علم البصريات الذي أسسه العالم العربي الحسن بن الهيثم''.

وفي الوقت الذي كان يلملم فيه أشياءه للعودة إلى أرض الوطن بعد حصوله على ما يعادل الدكتوراة في بلادنا، دُعي في 1976 لاستكمال دراساته حول نظرية ابن مقلة، غير أن ''إدارة جامعة الإسكندرية في ذلك الحين رفضت، وخيروني إما العودة أو دفع تكاليف بعثته في السنوات السابقة، وهو ما حدث، إضافة إلى فوائد تلك الأموال''.

تواصلت دراسة الدكتور أحمد مصطفى لـ''هندسة الحروف''، واستمرت ابحاثه في مخطوطات ابن مقلة ونظرياته، وكان أبرز ما اكتشفه ''هوية النقطة''، وتمكن أيضا من خلال دراسته وأبحاثه الممتدة من تحقيق علاقة الحروف المفردة ببعضها البعض من حيث التجانس البصري، ثم اكتشاف النقطة التى تسمى ''نقطة التقدير''.

ويقول عن النقطة ''كانت أثمن شيء عرفناه هو ماهيتها وقانونها ومكمنها.. واستطعنا إثبات أن حرف الألف يتكون من سبع نقاط وفقا لنظرية (التسابع)''، إعمالا بقول الحق سبحانه وتعالى ''اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ''.

ويقول أيضا ''توصلنا إلى أن النقطة هي النبع الهندسي للحروف ومنها يتشكل الألف وحدة قياس الحروف.. لنصل في النهاية إلى فكرة التوحد.. أساس الإسلام''.

قبيل انتهائي من اللقاء، لفت انتباهي ذلك المكعب الذي يختصر الكون الفسيح، فلاحظ الفنان الفيلسوف انتباهي فهم من مكانه وأحضره وشرح طريقة تصميمه، ثم قلبه وفتحه فظهر أمامي تسعة وتسعين سطحا تشكل أسماء الله الحسنى، ويواصل كل مكعب داخلي انفتاحه على ذات العدد من الأسطح إلى ما لا نهاية إلى الأبد.

لوحة البيت المعمور وتضم رسما للآيات 96 إلى 99 من سورة آل عمران.

لوحة البيت المعمور وتضم رسما للآيات 96 إلى 99 من سورة آل عمران.

سألته: بعد هذه الرحلة ما الفرق بين الفن الغربي والفن الشرقي؟

فقال إن الفن الغربي قائم على المعرفة الذاتية (Subjective Knowledge)، أما الفن الشرقي فهو قائم على المعرفة الموضوعية (Objective Knowledge)، فالأول فن توفيقي قائم على التقاليع وتجارب الشخص العارضة، أما ''فن الإسلام أو الفن العربي أو الفن القبطي فأنت تتحدث عن فن حضارة، يعبر عن ذات الذي خلق ووهب الحياة.

في النهاية قال: ''إن الفن الغربي يحتضر.. وهناك ارتدادات عالية مضمونا وشكلا''.

 

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان